رصاص المعارك تترجمه الانتخابات: الحشد الشعبي.. قدّم في الجبهات وأخرى في السياسة
حسمت فصائل “الحشد الشعبي” أمرها وقررت المشاركة في السياسة وبدأت مفاوضات سرية لعقد التحالفات استعدادا للانتخابات، ولكنها لن تكون موحدة، فتنظيم “داعش” الذي جمعهم معا، بدأت السياسة تفرقهم.
مع اقتراب الحرب ضد تنظيم “داعش” من نهايتها إذ تحاصر قوات الجيش العراقي آخر معاقل المتطرفين في الموصل، تستعد الفصائل الشيعية المنضوية في مؤسسة “الحشد الشعبي” لبحث مستقبلها، وهذه المرة سيكون دورها في السياسة.
الأسبوع الماضي قال قيس الخزعلي زعيم “عصائب أهل الحق” القوة الشيعية المسلحة إن “الحشد الشعبي مثلما كان حاضرا في جبهات القتال سيكون حاضرا أيضا في السياسة، ومثلما انتصرنا على داعش في القتال سننتصر على الفساد والبطالة، لان الحشد الشعبي باق وسيبقى، لأنه حشد الله”.
قوات “الحشد الشعبي” التي اكتسبت شعبية كبيرة بين السكان الشيعة، وتمكنت من فرض نفوذها على مناطق جغرافية واسعة يسعى قادتها اليوم لاستثمار هذه العوامل من اجل المشاركة في الانتخابات المقبلة، وتطمح لاستثمار السخط الشعبي على الأحزاب الشيعية التقليدية من اجل الحصول على مناصب سياسية، ولكن تكتيكات السياسة تختلف كثيرا عن تكتيكات الحرب.
مصادر سياسية قالت لـ “نقاش” ان قادة الفصائل الشيعية عقدوا خلال الأيام القليلة الماضية اجتماعات سرية لمناقشة مستقبل “الحشد الشعبي” للمشاركة بالانتخابات المقبلة في قائمة انتخابية واحدة للحصول على اكبر عدد من اصوات الناخبين، ولكن الأمور لم تكن بهذه البساطة.
وطبقا للمصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع فان إيران التي تدعم قوات “الحشد الشعبي نصحت قادة الفصائل بالتوحد في قائمة انتخابية واحدة، ولكن هذه النصيحة اصطدمت بعقبات سياسية وقانونية معقدة.
رفضت قوات “سرايا السلام” التابعة الى رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ذلك، واختارت المشاركة في قائمة خاصة بها ضمن مشروع سياسي جديد يسعى للتقارب مع الحركات المدنية والعلمانية التي تقود التظاهرات المناهضة للحكومة العراقية منذ اشهر، وساهم التحالف بين المدنيين مع مئات الآلاف من اتباع التيار الصدري في زيادة الضغط على الحكومة وأصبحت التظاهرات أقوى من أي وقت مضى.
و الشيء نفسه حصل للفصائل المسلحة التابعة الى “المجلس الأعلى الإسلامي” بزعامة عمار الحكيم، وهي “سرايا عاشوراء”، “سرايا أنصار العقيدة”، “لواء المنتظر”، و”سرايا الجهاد والبناء” التي اختارت الدخول في قائمة خاصة بها لدعم فصيلها السياسي ائتلاف “المواطن”.
وفي شأن الفصائل الشيعية القريبة لإيران والموالية عقائديا للمرشد الايراني علي خامنئي، وهي “عصائب اهل الحق”، “النجباء” “، “كتائب حزب الله”، “رساليون” و”جند الامام”، تقول المصادر انها قررت التحالف مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي القريب من ايران والساعي بقوة للعودة الى الحكم مجددا في الانتخابات المقبلة.
ويحاول المالكي منذ اشهر ترتيب اوضاعه الانتخابية مستغلا القاعدة الجماهيرية والنفوذ السياسي والامني التي يتمتع بها من اجل العودة الى رئاسة الوزراء، واول الخطوات نجاحه من استمالة الفصائل الشيعية الموالية لايران الى جانبه، كما ان الدعم السياسي الايراني للمالكي يمثل احد ابرز العوامل الاساسية لحملته الانتخابية المقبلة.
ولكن المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني صاحب فتوى الجهاد الشهيرة ضد “داعش” والتي اوجدت مئات الآلاف من المتطوعين للقتال فكان له رأي آخر، اذ رفض مشاركة الفصائل الشيعية في السياسة، واغلق ابوابه امام وفود شخصيات شيعية سعت للحصول على موافقته، واكثر من ذلك فان القوات الشيعية التي شكلها السيستاني وهي “فرقة العباس القتالية” أعلنت عدم مشاركتها في العمل السياسي.
ويقول جابر المحمداوي وهو رجل دين مستقل يعمل في تدريس المذهب الشيعي في النجف لـ”نقاش” ان “السيستاني ضد مشاركة الحشد الشعبي في السياسة، كما انه لم يتحمس كثيرا على إقرار الأحزاب الشيعية قانون الحشد في البرلمان ليصبح قوة رسمية، بل كان يسعى إلى إنهاء قوات الحشد وتحويل عناصرها الى وظائف مدنية”.
في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) شرّع البرلمان العراقي قانون “الحشد الشعبي” من قبل النواب الشيعة في البرلمان الذي توحدوا معا لإقرار القانون برغم الخلافات الجانبية فيما بينهم، في حين انسحب النواب السنّة وبعض النواب الأكراد من البرلمان، وبهذا اصبح الحشد قوة رسمية الى جانب قوات الجيش والشرطة في تجربة مشابهة تماما لتشكيل “الحرس الثوري الايراني” بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران عام 1979.
ولكن قادة الفصائل الشيعية الذي بذلوا جهودا كبيرة لتحويل الحشد الى قوة رسمية، وضعوا أنفسهم في مأزق قانوني لان قانون الاحزاب يمنع على القوات العسكرية المشاركة في الانتخابات.
“مفوضية الانتخابات” أعلنت في بيان رسمي حازم ان “هيئة الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية لها ارتباط أمني بالأجهزة الأمنية، وقانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 الذي شرعه البرلمان وصادقت عليه رئاسة الجمهورية يمنع تسجيل أي كيان سياسي له تشكيلات عسكرية”.
ولكن لقادة الحشد رأي آخر فالمقاتلون الذين حاربوا تنظيم “داعش” طيلة الشهور الماضية وحققوا انتصارات على الأرض من حقهم المشاركة في العملية السياسية، كما يقول النائب عن “التحالف الوطني” محمد ناجي احد قادة الحشد.
ناجي يقول لـ “نقاش” ان “الشعبية الجماهيرية الواسعة لقوات الحشد تمنحهم الحق لخوض العملية السياسية ومواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والخدمية كما واجهوا الأزمة الأمنية في محاربة داعش”، ويضيف ان “العديد من قادة الحشد هم سياسيون ونواب ولكنهم تطوعوا للمشاركة في القتال بسبب خطر الإرهابيين، وبعد القضاء على داعش يعودون الى العمل السياسي”.
ولكن الخطر الكامن يكمن في ان الفصائل الشيعية المسلحة التي توحدت معا الجبهات لمحاربة عدو واحد هو “داعش” ليست على انسجام في المواقف السياسية والمرجعية الدينية، وقد يؤدي التنافس للحصول على أصوات الناخبين الى صدامات مسلحة فيما بينها، خصوصا وان مقاتلي هذه الفصائل اصبح لديهم نفوذ داخل الأحياء والمدن المستقرة.
المعارك ضد “داعش” ما زالت مستمرة، والتحالفات السياسية تحتاج الكثير من الوقت، ولكن الشيء المؤكد ان الانتخابات المقبلة في العراق ستكون الأصعب والاخطر في البلاد منذ 2003، اذ ان الصراع السياسي قد يتحول هذه المرة عبر البنادق لا صناديق الاقتراع.