المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

مبادرة مجتمعية ضد حقوق الانسان؟

انطلقت خلال الأسابيع الماضية مبادرة بأسم “فطرة” على مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت هذه المبادرة رواجا كبيرا بين مؤيد ومعارض بنشرها مفاهيم وأفكار ضد مجتمع الميم في الوطن العربي، من خلال الاستناد على القيم الاخلاقية والمجتمعية، عبر منصتها الرئيسية على مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الذي ازداد فيه القصف العابر للحدود للقوات التركية في شمال العراق والقصف الاخير في زاخو بمحافظة دهوك والفراغ الدستوري في الحكومة العراقية وتدهور للبنى التحتية وانتشار الانشطة الارهابية في مختلف محافظات العراق, قرر البرلمان ان يستجيب الى هذه المبادرة وبدأ بدراسة تشريع قانون لحظر مجتمع الميم ومفاهيمه في العراق!

 من الصعب تحديد هوية  منصة فطرة، هل هي “مبادرة” أو “حملة” أو “حراك” ام “منظمة”, إذ نجد انهم يطلقون على انفسهم “مبادرة فطرة” في الوصف عبر صفحتهم في موقع تويتر ونجد أن التصنيف لصفحاتهم هي “منظمة غير حكومية وغير ربحية”. 

الصورة مأخوذة من موقع فطرة على تويتر

“الحياة بدأت وتستمر بالذكر والأنثى, لا بالشذوذ الجنسي”.

فطرة بالعراقي

نعلم جميعنا بأن المثلية لا تعني بالضرورة تغيير الجنس, بل هي  الانجذاب بشكل جنسي وعاطفي للجنس ذاته. وعند ذكر “الشذوذ الجنسي” كإشارة للمثلية الجنسية, كما هو متعارف عليه بالثقافة العربية بأستخدام كلمة “الشذوذ” بدلا من “المثلية” كنوع من التقليل  لمجتمع الميم. لذلك تبدو رؤيتهم غير واضحة, هل هم ضد المثلية الجنسية؟ ام العبور الجنسي؟

“كما اننا نرفض قطعا استخدام العنف والاساءة, لانها تعقد الامر أكثر فأكثر, وندعوا لحلول وقوانين تحد من انتشار الأفكار والحملات بطرق صحيحة ومقبولة وتحتوي هذه الفئة”.

– فطرة بالعراقي

بقدر لطافة ودفء هذا الكلام. إلا أنه على العكس تماما بخصوص المعاني المخفية ما بين السطور، فكرة انهم يريدون تشريع قوانين كهذه, ستنتج عملية إقصاء وتهميش ليشكل عنفا هيكليا،و هو شكل من أشكال العنف قد تؤدي فيه بعض الهياكل الاجتماعية أو المؤسسات الاجتماعية إلى إلحاق الضرر بالناس، عن طريق منعهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية.

“ومثل ما نرفض جرائم القتل تحت مسمى جرائم غسل العار, والتحرش والاغتصاب والتعنيف, نرفض هذه الأفكار الدخيلة”

– فطرة بالعراقي.
الصورة مأخوذة من موقع فطرة على تويتر

لنترك جانبا فكرة أنهم قارنوا جرائم القتل والتحرش بفئة تريد حقها بالعيش حياة اعتيادية وكريمة. لكنك لا تستطيع انكار ان المثلية الجنسية اخذت حيزا كبيرا من تاريخ العراق والعرب. على سبيل المثال, تضمنت ملحمة جلجامش بعض النصوص التي توحي بوجود علاقة حميمة وجنسية ما بين جلجامش وانكيدو, وتغزل الشاعر ابي نؤاس بالغلمان كقوله:

 يا ابا القسام قلبي      بك صب مستهام

فابن لي اكعاب        انت ان انت غلام؟

ومن المتعارف عليه أن العرب كانوا يسافرون العالم لغرض التجارة في القرون الوسطى، من القارات التي كانوا يزورونها هي أوروبا, كما كان الاوربيين مولعين بالشعر والنثر العربي آنذاك لدرجة انهم كانوا يترجمون القصائد الى لغاتهم في الوقت التي كانت الكنيسة تحكم أغلبية اوروبا, وكانوا المترجمين يحرفون القصائد العربية التي تحتوي على نصوص مثلية كتغيير اسم رجل إلى امرأة وغيرها لمراعاة المجتمع والحكم المتدين آنذاك.

 هذه الأفكار ليست “دخيلة” بل اندثرت خلال السنين في المجتمع العربي, والآن قد عادت لأرجاع المياه لمجاريها.

ومن الجدير بالذكر ان تاريخ العراق للنظام السياسي الحالي للمجتمع والحكومة بممارسة العنف المباشر لمجتمع الميم من قتل وضرب وشتم وتحرش وإقصاء. على سبيل المثال في سنة 2009 ميليشيا جيش المهدي كانت تمسك المثليين وتحطم جماجمهم بقالب الطوب. وميليشيا داعش بسنة 2015 في الموصل كانت تمسك المثليين وتلقي بهم من اعلى البنايات. 

بعد دعم وتفاعل كبير لشريحة واسعة من العرب لهذه الحملة، اشتكت الحملة مؤخرا من شركة ميتا حول حظر صفحاتهم على فيس بوك والانستقرام. نحن لا نقول أن ميتا محايدة وعادلة بخصوص النشر (على سبيل المثال, حظر المنشورات المناصرة لفلسطين ضد طغيان إسرائيل), لكن هذه قضية مختلفة. منشوراتهم وما يهدفون له هو أخذ حقوق ناس أبرياء يريدون فقط عيشة كريمة تضمن لهم حقوقهم. هذا يعتبر خطاب كراهية مباشر, لربما لو كانت طريقة طرحهم لأفكارهم بطريقة علمية ومدنية لكانوا بقوا نشطين على ميتا حتى الان مثل الصفحات الاخرى التي تحمل أفكارهم ذاتها. 

الصورة مأخوذة من موقع فطرة على تويتر

لربما لا يزال الوقت مبكرا للحديث في حقوق المجتمع الميم في العراق بالاخذ بنظر الاعتبار تدهور الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي للعراق, وايضا الخطورة القصوى التي ستواجه أي شخص يحاول العمل على هذا المجال. لكن عاجلا ام اجلا سيكون على المجتمع المدني تناول هذا الموضوع, اذ انه تحصيل حاصل في مسارات اللاعنف والتعايش السلمي. وبالنظر إلى تاريخ المجتمع المدني في العالم, فكلها بدأت بالعمل على حقوق مجتمع الميم بعد تحقيق خطوات كبيرة نحو المساواة الجندرية وحقوق المرأة. وهذا لا يعني الانتظار مكتوفي الايدي ومشاهدة هذه الارواح البريئة تتعرض للقتل والتهميش بل علينا المحاولة القدر المستطاع لتلبية احتياجاتهم الانسانية. وذلك لتفادي أي حالات عنف جديدة في المجتمع.

فبحسب هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية, يكون الفرد أكثر ميلا للعنف عند فقدانه احد الاحتياجات المذكورة في المثلث وتزداد نسبة احتمالية تولد هذا العنف كل ما ننزل الى قاعدة الهرم (من المهم للأهم).

وبعد التحدث بشكل مؤتمن وسري مع بعض المثليين العراقيين وجدنا ان غالبية كبيرة منهم تفتقر الى الحاجات الفسيولوجية (الجنس والتوازن), وحاجات الامان (الأمن الجسدي والوظيفي والصحي والأسري), والحاجات الاجتماعية (الصداقة, العلاقات الأسرية, الألفة الجنسية), والحاجة للتقدير (تقدير الذات, الثقة, الاحترام). 

وبناء على ذلك يجب أن تتوجه مشاريع الوقاية من التطرف العنيف الى هذه الفئة وتسلط الضوء عليها, لنخطو خطوة إلى الأمام في تحقيق مجتمع مسالم ومتعايش.

الكاتب: محرر مبادرة التضامن مع المجتمع المدني, ر.م.