ينبغي إلغاء مشروع قانون يقيّد حرية التعبير.. على المشرعين اتخاذ قرار حول التدابير التعسفية بشأن الجرائم الإلكترونية
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن المشرعين العراقيين يدرسون مشروع قانون بشأن جرائم تقنية المعلومات يمكن استخدامه لخنق حرية التعبير.
تتعرض حرية التعبير بالفعل للهجوم في العراق، ففي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ناقش المشرعون مسودة القانون، وقرّروا إجراء قراءة ثانية له خلال أسبوع 29 نوفمبر/تشرين الثاني. يتضمن مشروع القانون أحكاما غامضة تسمح للسلطات العراقية بأن تعاقب بشدة التعبير الذي ترى أنه يشكل تهديدا للمصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية.
قالت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “يمنح هذا القانون السلطات العراقية أداة أخرى لقمع المعارضة في الوسيلة الرئيسية التي يعتمد عليها الصحفيون والنشطاء وعامة الناس للحصول على المعلومات وللنقاش المفتوح. إذا أقر البرلمان القانون، سيقوض المجال الضيق أصلا لحرية التعبير، ويخنق النقاش والحوار العام على الإنترنت.”
في 2011، اقترح مجلس الوزراء العراقي “مشروع قانون جرائم المعلوماتية” على البرلمان. حذرت هيومن رايتس ووتش حينها من أنه سيُستخدم على الأرجح لتقييد حرية التعبير، في انتهاك للقانون الدولي، وسيشكل تهديدا خطيرا للصحفيين والمبلّغين والنشطاء السلميين. لم يُمرر القانون حينها، لكن في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، ناقش البرلمان العراقي نفس المشروع، الذي يشار إليه غالبا باسم مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، والذي أعادت مجموعة من المشرعين عرضه على البرلمان عام 2019.
ينص مشروع القانون في مادته الثانية على أنه يهدف إلى “توفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للحاسوب وشبكة المعلومات ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق مستخدميها”. ينص مشروع القانون على عقوبات لاستخدام أجهزة الحاسوب فيما يتعلق بأنشطة مختلفة محظورة، مثل التلاعب بالمال والاستيلاء عليه (المادة 7)، وغسل الأموال (المادة 10)، وتعطيل الشبكة (المادة 14)، والتنصت والمراقبة بدون وجه حق (المواد 15(أ)(ب) و16)، وانتهاكات الملكية الفكرية (المادة 21).
غير أنّ هذا المشروع تنقصه الدقّة، حيث أنّ العديد من مواده تجرّم استخدام أجهزة الحاسوب فيما يتعلق بمجموعة واسعة من الأنشطة المحددة بشكل فضفاض، وكثير منها غير منظم، دون أي معايير محددة لما يمكن أن يشكل جريمة. هذه المواد تبدو متعارضة مع القانون الدولي والدستور العراقي، وستحدّ بشكل خطير من الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
مثلا، تنص المادة 3 على عقوبة تصل إلى السجن المؤبد وغرامة تتراوح بين 21 ألف و42 ألف دولار أمريكي تقريبا لأي شخص يستخدم أجهزة الحاسوب والإنترنت قصدالـ “المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا” أو “الاشتراك أو التفاوض أو الترويج أو التعاقد أو التعامل مع جهة معادية بأي شكل من الأشكال بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر”.
تنص المادة 6 على نفس العقوبة بالسجن وغرامة لاستخدام جهاز حاسوب أو شبكة معلومات لـ “إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو تكدير الأمن والنظام العام، أو الإساءة إلى سمعة البلاد”، أو “نشر أو إذاعة وقائع كاذبة أو مضللة بقصد إضعاف الثقة بالنظام المالي الالكتروني أو الأوراق التجارية والمالية الالكترونية وما في حكمها أو الإضرار بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة”.
تفرض المادة 21 عقوبة بالسجن لمدة عام على الأقل لكل من “اعتدى على أيّ من المبادئ أو القيم الدينية أو الأخلاقية أو الأسرية أو الاجتماعية أو حرمة الحياة الخاصة عن طريق شبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب بأي شكل من الأشكال”. تنص المادة 22 على عقوبة بالسجن وغرامة لكل من “أنشأ أو أدار أو ساعد على إنشاء موقع على شبكة المعلومات للترويج والتحريض على الفسق والفجور أو أية برامج أو معلومات أو صور أو أفلام مخلّة بالحياء أو الآداب العامة أو دعا أو روّج لها”.
نظرا إلى غموض هذه المواد ونطاقها الفضفاض، وكذلك شدّة العقوبات المفروضة، يمكن أن تستخدمها السلطات لمعاقبة التعبير المشروع الذي تزعم أنه يشكل تهديدا للمصالح الحكومية أو الدينية أو الاجتماعية. كما قد يستخدمه المسؤولون لردع الانتقاد المشروع أو المعارضة السلمية للمسؤولين أو السياسيات الحكومية أوالدينية.
إضافة إلى ذلك، يجرّم القانون المقترح “الترويج للأعمال الإرهابية” دون تعريف هذه الأعمال أو ما المقصود بـ “الترويج”. الإرهاب غير مُعرَّف بشكل واضح في القانون العراقي. حكم قضاة عراقيون على أشخاص بالإعدام والسجن المؤبد فقط لأنهم عملوا في مستشفى كان تحت سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”)، مثلا، أو لأنهم نقلوا الماء إلى مقاتلي داعش في الخطوط الأمامية رغما عنهم.
تأتي جهود تمرير مشروع القانون في وقت تتعرض فيه حرية التعبير بالفعل للهجوم في العراق. في يونيو/حزيران، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا عن تزايد عدد الملاحقات القضائية للصحفيين بموجب قوانين التشهير والتحريض في البلاد، بما فيه في إقليم كردستان العراق.
قالت والي: “أتيحت الفرصة لهذا البرلمان من أجل استخدام ولايته لتحسين حقوق العراقيين، لكن بدلا من ذلك يبدو أنه مستعد لممارسة سلطته لمنح الحكومة مزيدا من الأدوات لقمع حرية التعبير”.