المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

العراق: أبواب المدارس موصدة أمام العديد من الأطفال ويؤثر ذلك على الاف الذين عاشوا تحت سيطرة داعش

مقال ل بلقيس والي – هيومن رايتس ووتش

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الحكومة العراقية تحرم آلاف الأطفال، الذين يُشتبه بانتماء أهاليهم إلى “تنظيم الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ “داعش”)، من حقهم في الحصول على التعليم. يفتقر الأطفال، الذين ولدوا أو عاشوا في مناطق خاضعة لسيطرة داعش بين 2014 و2017، إلى الوثائق المدنية التي تطلبها الحكومة العراقية للتسجيل في المدارس، وتُصعب حصولهم عليها.

أيّدت وثيقة صادرة في أيلول 2018 ووقعها مسؤولون كبار في وزارة التربية مناقشة يبدو أنها تسمح بتسجيل الأطفال الذين يفتقرون إلى الوثائق المدنية في المدارس. لكن المسؤولين يُعلِمون مُديري المدارس ومجموعات الإغاثة، التي تقدم خدمات الدعم من أجل التعليم، أن الأطفال غير الحاملين للوثائق لا يزالون ممنوعين من التسجيل في المدارس الحكومية.

المدرسة في مخيم حمام العليل 1 للنازحين إلى الجنوب من الموصل، التي احتلتها قوات الأمن في 6 و7 و9 تموز لإخضاع السكان لتدقيق أمني.

قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “حرمان الأطفال من حقهم في التعليم بسبب أمر قد يكون أهاليهم ارتكبوه، هو شكل مضلل، على نحو صارخ، من العقاب الجماعي. إذ يقوّض أي جهود حكومية محتملة لمكافحة الفكر المتطرف عن طريق دفع هؤلاء الأطفال إلى هامش المجتمع”.

قال عامل إغاثة يُنسق برنامجا تعليميا في نينوى وثلاثة مديري مدارس هناك لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي الوزارة أخبروهم أن رغم قرار سبتمبر/أيلول 2018، واعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني 2019، يمكن للتلاميذ الذهاب إلى المدرسة فقط إذا تعهد أهاليهم شخصيا في المديرية العامة المحلية للتربية في محافظتهم بالحصول على وثائق الطفل المدنية قبل نهاية العام الدراسي أو خلال 30 يوما بعد هذا التعهد.

قال مدير مدرسة ابتدائية مجاورة لمخيم للعائلات النازحة، على بعد 30 كيلومترا جنوب شرق الموصل، إن الوزارة أصدرت تعليمات للمدارس بطرد التلاميذ الذين لم يلتزم أهاليهم بتعهدهم. يعيش على الأقل 1,080 طفل في سن الدراسة، في المخيم المجاور للمدرسة، حسبما قالت إدارة المخيم لـ هيومن رايتس ووتش، لكن 50 فقط من هؤلاء الأطفال، الذين لديهم جميعا وثائق صالحة، مسجلين في المدرسة.

قال مدير مدرسة في مخيم على بعد 30 كيلومتر جنوب الموصل إنه كان يسمح منذ 018، لجميع الأطفال في المخيم بالتسجيل، لكن بعد استلامه التعليمات الجديدة للوزارة، “توقف 100 طفل على الأقل عن الحضور إلى المدرسة. إما لأن أهاليهم لا يستطيعون تحمل تكلفة الذهاب إلى الموصل لتقديم التعهد، أو أنهم غير مقتنعين بجدوى ذلك لأنهم يعرفون أنهم لن يتمكنوا من الحصول على الوثائق المدنية لهم في غضون 30 يوما”.

قالت فتاة (13 عاما)، كانت في الصف السادس، إنها أُجبرت على التوقف عن الحضور في يناير/كانون الثاني. لا تملك والدتها شهادة وفاة الوالد الذي، وفقا للأم، انضم إلى داعش وتوفي، وبالتالي لا يمكنها الحصول على بطاقة هوية صالحة لابنتها. قالت الابنة: “أود أن تعلم، وأريد أن أستمر في الدراسة وأن أصبح معلمة، ولكن لا أعرف إذا كانوا سيسمحون لي بذلك”.

تفتقر العديد من الأسر، التي عاشت تحت سيطرة داعش بين 2014 و2017، إلى وثيقة مدنية أو أكثر التي تطلب المدارس من الأهالي تقديمها لتسجيل هؤلاء الأطفال. قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 20 أسرة التي لا يزال أطفالها غير قادرين على التسجيل في المدرسة لهذا السبب بعد قرار سبتمبر/أيلول 2018. لم تتمكن من تحديد أي أسرة لا تملك وثائق واستطاعت تسجيل أطفالها في المدرسة.

خلال سيطرتها على المنطقة، كانت داعش عادة ما تُصادر الوثائق المدنية العراقية وأصدرت وثائقها الخاصة، والتي لا تعترف بها السلطات العراقية. صادرت قوات الأمن العراقية وثائق بعض العائلات أثناء فرارها من القتال أو لدىوصولها إلى مخيمات النازحين. واجهت الأسر التي وُلد أطفالها في مستشفيات تديرها داعش صعوبات في الحصول على شهادات الميلاد وجميع الوثائق اللاحقة لأطفالهم، خاصة إذا كان الزوج ميتا، أو مفقودا، أو معتقلا. تطلب السلطات من النساء شهادة الوفاة أو الطلاق صالحة لإصدار وثائق لهن ولأطفالهن، والتي لا تتوفر عليها معظم النساء في هذه الوضعية.

قالت عشرة نساء في هذا الوضع إنه في ظل هذه الظروف، يجب أن يوقّع مخاتير الأحياء، وهم زعماء محليين تدفع لهم الحكومة رواتبهم، لكي تصدر قوات الأمن التصاريح الأمنية المطلوبة لحصول الأم وبعدها الطفل على الوثائق المدنية. مع ذلك، قال مختار من سنجار، منطقة في محافظة نينوى كانت داعش تسيطر عليها في السابق، إن قوات الأمن هناك أمرته وغيره من المخاتير بعدم ختم وثائق النساء اللواتي انضم أزواجهن إلى داعش ما لم تمثل المرأة أمام قاض وتفتح شكوى جنائية ضد زوجها لعضويته في داعش. قال لسن كلهن راغبات أو قادرات على القيام بذلك.

نتيجة لذلك، لم تتمكن العديد من النساء المتزوجات من رجال انضموا إلى داعش، من الحصول على شهادات الطلاق أو الوفاة. حتى أن القوات الحكومية هددتهن بالاعتقال أو غير ذلك من أشكال العقاب الجماعي عندما حاولن الحصول على الوثائق المدنية. قالت امرأة من مدينة القيارة في نينوى، إنها عندما قدمت شهادة ميلاد صادرة عن داعش لابنها)3 أعوام) في مديرية الأحوال المدنية المحلية في أوائل 2018، في محاولة للحصول على شهادة ميلاد صادرة عن الدولة، مزّقها المسؤول. قالت: “قال لي، لن نمنح ابنك شهادة ميلاد، أبوه كان داعشيا”.

هناك عقبة أخرى تعترض بعض الأسر تكشف عنها دراسة مشتركة  مرتقبة بين المجلس النرويجي للاجئين، ومجلس اللاجئين الدنماركي، ولجنة الإنقاذ الدولية، بعنوان “الأشخاص بلا وثائق ثبوتية في العراق ما بعد النزاع: حرمان من الحقوق ومنع الاستفادة من الخدمات الأساسية وإقصاء عن جهود إعادة الإعمار”. خلصت الدراسة إلى أن المسؤولين في بعض المدارس كانوا يشترطون ليس فقط وثائق الطفل، بل أيضا أنواع مختلفة من الوثائق المدنية للأهالي بما في ذلك بطاقات الهوية، أو شهادة الوفاة أو الطلاق الخاصة بأحد الوالدين غير الموجود.

حتى الأطفال الذين يملكون وثائق صالحة لأنهم ولدوا قبل سيطرة داعش في 2014 قد يتعرضون للإقصاء من قبل المدارس التي تطلب هذه الوثائق، في حال لم يعد والدهم موجودا، وليس لدى والدتهم شهادة الطلاق أو الوفاة. وجدت الدراسة المشتركة أن نحو نصف الأسر التي تمت مقابلتها لم تتمكن من تسجيل أطفالها في المدارس دون تقديم بطاقة الهوية المدنية للأب أو شهادة وفاته.

في 26 يوليو/تموز، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة العراقية تطلب منها توضيحا بشأن موقفها من قدرة الأطفال الذين ليس لديهم وثائق مدنية على التسجيل في المدرسة، لكنها لم تستلم بأي رد.

بالإضافة إلى واجبها الأساسي بضمان الحق في التعليم لجميع الأطفال، دون أي تمييز، قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومات اعتماد تدابير لضمان عدم انقطاع التعليم أثناء الأزمات الإنسانية.

تنص المادة 18 من الدستور العراقي على منح جميع الأطفال المولودين لأب أو أم عراقيين الجنسية وبالتالي يحق لهم الحصول على وثائق الهوية. على مجلس النواب تعديل أو إلغاء القوانين والسياسات الأخرى السارية والتي تُبطل هذا الحق الدستوري. كما ينبغي لمجلس النواب النظر في تفعيل الاقتراح الذي قدمته لجنة حقوق الإنسان البرلمانية في يونيو/حزيران إلى القضاء لإنشاء محاكم خاصة لإصدار الوثائق المدنية لأطفال الأسر التي يُشتبه بانتمائها لداعش. في جميع الحالات، على العراق إلغاء اشتراطات حصول العائلات على تصريح أمني من الأجهزة الأمنية كشرط أساسي للحصول على الوثائق المدنية.

لضمان أن الأطفال يمكنهم التسجيل بحلول 15 سبتمبر/أيلول في بداية العام الدراسي، على وزارة التربية إخطار العاملين في جميع المدارس على وجه السرعة بألا يطلبوا الوثائق المدنية كشرط للتسجيل، أو لتقديم الامتحانات، أو للحصول على شهادات، حتى يتم وضع آلية تُيسّر إصدار الوثائق المدنية لجميع الأطفال العراقيين. على الوزارة، بالتعاون مع وكالات المعونة، أن تسعى لإبلاغ الأهالي الذين يعيشون في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش وفي مخيمات النازحين بأن اشتراط الوثائق المدنية قد ألغي.

قالت لما فقيه: “أضاع بعض الأطفال العراقيين ثلاث سنوات من التعليم تحت سيطرة داعش. على الحكومة أن تبذل كل ما في وسعها لضمان ألا يُضيع الأطفال أي سنوات أخرى من التعليم الضروري”.