مسيرات نسوية تجوب شوارع العراق متحدية النمطية المجتمعية لبعض المناطق
نظمت نساء محافظة النجف الاشرف جنوبي العراق تظاهرة حاشدة يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر شباط الحالي رافعات شعار “لا سلطة تعلو على النساء” للتأكيد على أهمية دور النسوة ليس فقط في المجتمع بل في الاحتجاجات الجارية منذ أكتوبر الماضي.
خرجت هذه المسيرة وبشكل اساسي للاحتجاج على تصريحات رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، والذي طالب المراة بالابتعاد عن ساحات الاحتجاج او التدخل في السياسة. نساء النجف اعتبرن أن هذه التصريحات تهدف لإقصاء النساء من الحياة السياسية والى تهميش دورهن في المجتمع. و نظم المسيرة عدد من الطالبات و اهالي شهداء الاحتجاجات انطلقت ابتدائا من جامعة الكوفة و على طريق امتد الى حوالي كيلومتراً وصولاً الى ساحة الاحتجاج الرئيسة (ساحة الصدريين) بالقرب من مبنى مجلس محافظة النجف.
لم يكن احد يتوقع خروج مظاهرة نسوية بهذا الحجم والقوة، تشارك فيها عدد كبير من نساء المدينة من طالبات و وكوادر جامعية و ربات بيوت، في مدينة محافظة و متشددة دينياً كالنجف وفي تحدي لسطلة اتباع التيار الصدري. مثلت هذه التظاهرة كسراً للنمطية المجتمعية المعروفة في تلك المدينة، وخروجا عن المالوف.
عبرت هتافات هذه المسيرة النسوية عن رفض النساء لسلطة الأحزاب، و لرئيس الوزراء المكلف مؤخراً، محمد توفيق علاوي واصراهن على تلبية مطالب انتفاضة تشرين وتحقيق اصلاح سياسي شامل.
يمكن اعتبار هذه المظاهرة الاولى من نوعها في المحافظة, التي تتواجد فيها الحوزة العلمية الدينية والمرجع الديني الأول للطائفة الشيعية في العراق، آية الله السيد علي السيستاني. وبالرغم من ان الاخير اظهر دعمه للمظاهرات السلمية التي شاركت فيها جميع الفئات والاعمار ومن كلا الجنسين، لكن مساهمة النساء تبقى امر حساس في مجتمع يريد رجال الدين ومؤيديهم، فرض هيمنتهم عليه.
شارك في مسيرة النجف بالاضافة الى الطالبات وكوادر الجامعة، امهات و افراد عوائل شهداء انتفاضة اكتوبر في النجف، حاملين صور ابنائهم و هاتفين بأعلى اصواتهم بأنهم مستمرون في الاعتصام والتظاهر حتى تحقيق المطالب.
و تصدرت ام الشهيد مهند القيسي واخواته المسيرة النسوية، مهند الذي كان من ضمن الثوار المرابطين على الخط الاول دوماً والذي استشهد في الخامس من شباط من عام ٢٠٢٠، خلال الهجوم الشنيع الذي حدث في ساحة الصدريين في النجف واصيب بطلق ناري ادى الى وفاته على الفور.
و على الرغم من اهمية هذه المسيرة النسوية، الا انها لم تكن الأولى من نوعها في العراق. فقد سبق ان نظم النساء والفتيات العراقيات مسيرة مشابهة يوم الثالث عشر من شباط في العاصمة بغداد، رداً على حملات التشهير والتسقيط التي طالتهن من قبل اتباع بعض الأحزاب أوالمليشيات وعبر صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التابعة لهذه الأحزاب. حيث شن اتباع هذه الاحزاب حملة لتسقيط المراة او التشهير بها بسبب دورها الفاعل في انتافضة تشرين،فقام البعض منهم بنشر صور واخبار مفبركة تدعي ان الفتيات ونساء يتصرفن بشكل “منفلت” في ساحات الاعتصام. وفي نفس السياق اثارت تغريدة رجل الدين “مقتدى الصدر” التي نصت على إن على المتظاهرين “مراعاة القواعد الشرعية والاجتماعية للبلد قدر الإمكان وعدم اختلاط الجنسين في خيام الاعتصام وإخلاء أماكن الاحتجاجات من المسكرات الممنوعة والمخدرات”. غضب الشارع العراقي و بالاخص النساء فمنذ اليوم الاول لبداية هذه الانتفاضة كان للنساء دور مهم فيها، من خلال المساهمة الفعالة او من خلال الدعم و المساندة المباشرة في اسعاف المصابين في الساحات وتوفير الطعام والملبس والاحتياجات الطبية واللوجستية ونصب الخيم. وساهمت الفتاة والمراة في دعم الانتفاضة اعلامياً وفي اعمال التصوير والكرافتي والانشطة المدنية المتعددة ونتيجة لهذا الدور الفاعل واجهت المراة العراقية نفس ما واجهة اخوتهن المتظاهرين من قمع وضرب وقتل واعتقالات.
لذا وحينما تصاعدت حملة تشويه دور المراة و محاولة تسقيطها، جاء الرد سريعاً بدعوات واسعة عبر السوشال ميديا من النساء انفسهن للتنظيم والخروج بمسيرة نسوية حاشدة في نفق السعدون وسط بغداد.
وتجمعت المئات من النساء من جميع الاعمار في النفق ليتوجهن بعدها الى ساحة التحريرمنادين بهتافات رائعة ابرزها “صوتج ثورة مو عورة” و “المرأة هي الثورة”و “فصل الدين عن الدولة افضل بكثير من فصل الذكور عن الاناث”
قالت صبا ذات ال 22 عاماً لوكالة فرانس برس “لقد بدأنا في التظاهر لإسقاط النظام. اما الان فنحن نقوم بمسيرات للنساء فقط لأنهم قد اهانونا كنساء”.
صدحت هذه المسيرة بهتافات قوية بأصوات نساء ثائرات لحب الوطن و لافتات حملت اجمل واقوى الشعارات تميز من ضمنها “ولدت عراقية لأصبح ثائرة” و “لا صوت يعلو فوق صوت النساء” كما وتميز ايضاً شعار ” لا امريكا ولا ايران ، بغداد هي العنوان”.
و لم تنسى المتظاهرات خلال مسيرتهن في نفق السعدون وساحة التحرير شهيدات الثورة اللاتي سقطن منذ الاول من اكتوبر، فرفعن صور لعدد منهن من ضمنها صورة الشهيدة سارة طالب ، التي قُتلت في بداية الثورة عندما اقتحم افراد الميليشيات منزلها وأطلقوا النار عليها هي وزوجها لمشاركتهما في المظاهرات ضد الحكومة في محافظة البصرة. وصورة هدى خضير ، التي كانت تعمل كمسعفة متنقلة والتي إطلق النار عليها أثناء مغادرتها ساحة الاحتجاج في كربلاء في كانون اثاني الماضي، بالاضافة الى صورة الشهيدة زهراء علي سلمان والتي كانت في التاسعة عشر من عمرها فقط عندما اختطفتها الميليشيات أثناء مغادرتها ساحة التحرير و تعرضت للضرب والتعذيب لمدة 10 ساعات قبل أن تلقى جثة هامدة أمام منزل والديها. وايضا صورة الشهيدة جنان الشحماني والتي عملت كمسعفة للمتظاهرين في ساحات احتجاج البصرة و قُتلت في 22 كانون الثاني عندما فتح رجال ملثمون النار على المتظاهرين في الساحة.
فتيات ونساء العراق اخترن التظاهر اثباتاً لوجودهم واعلاناً عن دعمهم المتواصل للثوار وصد ودحر كل الشائعات السيئة والاتهامات التي حاولت فيها الأصوات المتشددة االنيل من انتفاضة تشرين ومن دور المراة فيها. هي مسيرة رد اعتبار وكسر للدور النمطي الذي تحاول فرضه الأحزاب المتحكمة بمصير الشعب، كأن المرأة مكانها في البيت فقط وخروجها للساحة او المطالبة بحقوقها جنبا الى جنب مع الرجل هو عورة وعيب لا يمكن القبول به.