المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

عمليّات الهدم مستمرّة لمعالم الإرث الثقافيّ العراقيّ

Remains of wall panels and colossal statues of winged bulls, destroyed by Islamic State militants are seen in the Assyrian city of Nimrud eastern bank of the Tigris River, south of Mosul, Iraq, November 16, 2016. REUTERS/Ari Jalal - RTX2TYP9

بغداد – المونيتر

عدنان ابو زيد

دعا مؤتمر أبوظبي لحماية الآثار المهددة والذي انعقد في 2-3 كانون الأول الجاري في العاصمة الإماراتية أبوظبي، الى تعاون دولي لحماية التراث الثقافي المهدد في الشرق الأوسط وخاصة العراق وسورية. وتم إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي المهدد في مناطق الصراع بالتعاون مع دول عدة منها الفرنسا والامارات المتحدة العربية.

وقد أعلنت مديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في 25 نوفمبر الماضي، وعقب تحرير مدينة نمرود الأثرية في تاريخ 13 نوفمبر: “إنّ الضرر الذي لحق بنمرود لخسارة فادحة للعراق وللعالم أجمع. ولذلك، فإنّ صون التراث العراقي وإعادة ترميمه، في نمرود وغيرها من المواقع، أمر أساسيّ لكي يعمّ الاستقرار والترابط في هذا البلد وفي المنطقة بأسرها.”

ولا يخص تدمير المظاهر الثقافية العراقية بالمتشددين، بل حتى الحكومات المحلية في العراق تساهم في ذلك بعدم تقديمها الحماية الكافية لها وبل بالقيام بتدميرها بعض الاحيان.

في استمرار لظاهرة إهمال البيوت والأماكن التراثيّة في بغداد والمدن الأخرى، أزالت حكومة ديالى في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، أقدم قاعة سينما في المحافظة يعود تاريخها إلى عام 1949، ما اعتبر تدميراً لآخر معلم ثقافيّ وترفيهيّ فيها، الأمر الذي أثار انتقاد جمهور عريض، وصف هذا السلوك بـ”اللا حضاريّ”، وبأنّه دليل على “الجهل” بأهميّة الثقافة والتراث.

وفي حين يرجع الناشط في شؤون التراث والكاتب علي أبو عراق في حديثه إلى “المونيتور”، هدم دور السينما في أغلب مناطق العراق، إلى “التشدّد الفكريّ الذي يعتبر فنّ السينما حرام، ويتعارض مع قيم الإسلام”، فإنّه يؤيّد أيضاً، الطرح الذي يرى أنّ هدم البيوت والأماكن التراثيّة في شكل عام، هو من تداعيات الصراع بين التراث والاستثمار، حيث يسعى ملّاك البيوت التراثيّة، إلى الكسب الماديّ، عبر تحويلها إلى مشاريع تجاريّة، خلافاً لقانون الآثار والتراث، في المادّة 28 منه التي “لا تجيز التجاوز على المباني والأحياء التراثيّة، أو هدمها، أو إلغاء وظيفتها الأساسيّة، التي منحتها الصفة التراثيّة”.

وعلى هذا النحو المناقض لفحوى القانون، أعلنت أمانة بغداد في 5 آب/أغسطس 2016 عن هدم منزل تراثيّ عمره نحو مئة عام، يعود إلى مؤسّس النظام الماليّ في العراق، ووزير الماليّة الأوّل في حكوماته، ساسون حسقيل في وسط بغداد.

بل إنّ الأمانة أكّدت في 6 كانون الأوّل/ديسمبر 2015 أنّها ستتّخذ إجراءات مشدّدة “لمنع تحويل البيوت التراثيّة إلى مبانٍ تجاريّة، وسوف لن تمنح أيّ إجازة هدم إلى أيّ جهّة تروم تحويل بيت تراثيّ إلى مبنى تجاري”، إلّا أنّ الواقع يفيد أنّ الأمانة لم تف بتعهّداتها، فسرعان ما تمّ في 18 أيّار/مايو 2016 هدم مبنى الدراسات الموسيقيّة الذي أنشئ في ثلاثينيّات القرن الماضي في العاصمة بغداد.

بل وتجاوزت أسباب الهدم، الجانب التجاريّ، إلى هيمنة الأحزاب على البيوت التراثيّة، إذ استولى أحد الأحزاب السياسيّة، على أحد البيوت التراثيّة في شارع حيفا، في بغداد، ليحوّله إلى مقرّ له، وهو ما أثار الاحتجاجات في 10 آذار/مارس 2016.

ولا تنحصر خارطة الظاهرة على بغداد، فصعوداً إلى شمال بغداد، في كركوك (240 كم شمال بغداد)، تصاعدت الاحتجاجات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 ضد تحويل جزء من قلعة كركوك التاريخيّة وسوقها، وعمرهما يبلغ نحو مئة سنة، إلى مشروع استثماريّ.

وفي جنوب العاصمة في كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد)، تساقطت جدران خان العطيشي في 16 آب/أغسطس 2016، الأمر الذي يهدّد ما تبقّى منه بالانهيار أيضاً. كما اندثرت المدرسة الشرابيّة في واسط (180 كلم شمال بغداد)، التي بنيت سنة 1234 ميلاديّ، ولم يتبقّ منها سوى بوّابة، بعدما اندثرت كلّ أجزائها.

وأدّى مشروع استثماريّ في فندق في مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) إلى هدم جزء من السور التاريخيّ الذي يعود إلى عام 1217. فيما ضمّت جامعة الكوفة في النجف إليها، قصر الملك فيصل الثاني، والذي بني في عام 1946.

وفي النجف أيضاً، كشف تقرير سابق لـ”المونيتور”، عن مقابر مسيحيّة حاصرتها الرمال والمياه الجوفيّة، وتركت عرضة للسلب والنهب، عبر التنقيب فيها للحصول على مقتنيات ثمينة، من مسكوكات وقطع ذهبيّة وأخرى أثريّة.

وفي بابل (100 كم جنوب بغداد)، يتحدّث المهتمّ في شؤون التراث البابليّ، رئيس اتّحاد كتّاب وشعراء بابل، جبار الكواز، لـ”المونيتور”، عن “قيام أصحاب البيوت القديمة، باستثمار مساحاتها وعرضها للبيع، بعدما أصبحت في قلب المراكز التجاريّة”.

ويؤكّد الكواز أنّ “أغلب البيوت التراثيّة المنتشرة في بابل آيلة إلى السقوط، حيث يتعمّد البعض إبقاءها هكذا، من دون ترميم لكي يتجاوز القوانين التي تمنع التصرّف في البيوت التراثيّة”. ويضع الكواز “عدم هيبة القوانين بالنسبة إلى المواطن، وضعف الوعي الثقافيّ لديه” كسبب مهمّ، معتبراً أنّ “الحلّ يكمن في إنقاذ ما تبقّى من بيوت أثريّة بتفعيل القوانين الخاصّة بحمايتها، وتهيئة الخطط لترميمها”.

ويتحمّس عضو لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان العراقيّ شوان داوودي، ضدّ عمليّات إزالة رموز التراث الثقافيّ التاريخيّ للعراق، فيصف في حديثه إلى “المونيتور”، الذين يهدمون الأماكن التراثيّة بأنّهم يتصرّفون مثل تنظيم “داعش” الذي هدم الأماكن الأثريّة في محافظة نينوى”.

ولا ينكر داوودي “وجود إهمال حكوميّ لموضوع التراث والآثار والأماكن الثقافيّة”، مؤكّداً أنّ “لجنة الثقافة والتراث في البرلمان تشجب هذه الأعمال، لكنّها لا تمتلك الوسائل لمنع عمليّات الهدم”. وإذ يطالب داوودي بـ”اتّخاذ إجراءات قانونيّة مشدّدة لمنع تحويل البيوت التراثيّة إلى مبانٍ تجاريّة”، فإنّه يدعو إلى “تخصيص الأموال الكافية في الموازنة العامّة لتمويل إعمار الأماكن التراثيّة والأثريّة المهملة”.

إنّ وجود ما يقارب 1800 بيت تراثيّ، في المحافظات كافّة، مسجّلة رسميّاً في وزارة السياحة والآثار، يستدعي خططاً استراتيجيّة للمحافظة عليها عبر إيقاف التصرّف بها، بموجب قوانين نافذة، والإيعاز إلى جهات فنيّة للعمل على ترميمها، وتحويلها إلى مرافق سياحيّة مربحة حتّى لملّاكها الحقيقيّين الذي ستوقّفون بالتأكيد عن هدمها، إذا أدركوا أهميّة الاستثمار فيها، كمقصد سياحيّ.