المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

بابل تنتظر قطف ثمار انضمامها إلى لائحة التراث العالميّ

انضمّت مدينة بابل الأثريّة في العراق والتي يعود تاريخها إلى نحو آلاف سنة مضت، إلى لائحة التراث العالميّ  لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة الـ”يونسكو” في7 تمّوز/يوليو 2019، إلى جانب ممتلكات التراث العالميّ الثقافيّ والطبيعيّ ذات القيمة الاستثنائيّة لدى جميع الشعوب.

توّجت المناسبة السعيدة للعراقيّين التي عدّوها اعترافاً من العالم بتاريخ بلادهم، الإنجاز الذي حقّقوه حين انضمّت

منطقة الأهوار (مستنقعات مائيّة) في جنوب شرق العراق، ويعتقد أنّها جنّة عدن التي تحدّثت عنها الكتب السماويّة، في 17 تمّوز/يوليو 2016 إلى لائحة التراث العالميّ لمنظّمة الـ”يونسكو”.

يعتبر مدير آثار بابل حسين فليح في حديثه إلى “المونيتور” أنّ “انضمام بابل إلى لائحة التراث العالميّ، هو نتيجة تلبية شروط الـ”يونسكو”، بعد جهود استمرّت سنوات، حيث تكرّرت زيارات خبراء من الـ”يونسكو” إلى المدينة منذ عام 2015 لإكمال شروط اللائحة العالميّة”.

ويشرح فليح أبرز الإنجازات التي أدّت إلى هذه النتيجة الإيجابيّة، بالاعتراف ببابل كتراث عالميّ، بالقول إنّه “تمّت إزالة كلّ أعمال الصيانة خارج شروط الـ”يونسكو”، والعمل على إدامة الأبنية وفق آليّات المنظّمة العالميّة، في الحفاظ على

الأصل، وعدم إجراء أيّ تغيير عليه”.

يلفت فليح إلى أنّ أبرز المعوقات التي كانت تقف عثرة أمام الانضمام إلى لائحة التراث العالميّ هي “بناء قصر فخم شيّده الرئيس العراقيّ الراحل صدّام حسين داخل أراضي المدينة الأثريّة، في عام 1983، كما أقام التلال الضخمة والبحيرات الصناعيّة، وحفر اسمه على طابوق بابل في الجدران المختلفة للمدينة، الأمر الذي جعل بابل خارج تصنيف التراث العالميّ”.

وكشف فليح أنّ “كلّ عمليّات الصيانة العشوائيّة والمباني والهياكل التي شيّدت في بابل، من قبل السلطات، وأدّت إلى تغيير ملامح المدينة الأصليّة، اعتبرته الـ”يونسكو” جزءاً من تاريخ بابل السياسيّ لأنّها أعمال ناجمة عن قوّة، لا إمكانيّة للجهات الأثريّة والإداريّة في المدينة على ردعها أو إيقافها”.

يشير فليح أيضاً إلى أنّ “الأنبوب النفطيّ عبر المدينة، كان معرقلاً أمام اللائحة العالميّة، وتمّ تجاوزه بعدما كسبت مديريّة آثار بابل الدعوى القضائيّة ضدّ وزارة النفط، حيث سيتمّ نقل الأنبوب، خارج الموقع الأثريّ، وقد اطّلعت الـ”يونسكو” على ذلك”.

يتحدّث المنسّق الثقافيّ العراقيّ لدى الـ”يونسكو” قحطان العبيد، وهو رئيس الفريق الذي أعدّ ملفّ بابل، والمشرف الفنّيّ على أعمال إعادة تأهيل المدينة، لـ”المونيتور” عن “المشاريع التي تنتظر الإنجاز بعد الانضمام الى اللائحة العالميّة، وهي حسب الأولويّات، تتلّخص في جرد الأضرار في المباني الأثريّة وتوثيقها لإيقافها في أسرع وقت، ثمّ معالجتها بالاستفادة من الاستشارات الدوليّة، وسوف يتمّ العمل على تنفيذ مشروع متقدّم في إدارة المدينة ومراقبتها، يبدأ بإدارة الزائرين للمدينة الذين يجب أن يتجوّلوا فيها وفق آليّة مناسبة ومسار محدّد، منعاً للأضرار، والفعاليّات غير المسيطر عليها”.

ويوضح العبيد حول التغييرات الحديثة الطارئة على المدينة أن كل المشيدات الحديثة داخل بابل هي ليست جزء من القيم العالمية الاستثنائية التي أدرجت ومنها القصر الرئاسي والمطاعم والدور المتجاوزة. أما الصيانات على اصل المباني الأثرية فهي جزء من تاريخ الموقع كونها راعت المخططات البابلية الأصلية وبنيت على الجدران الأصلية مع وضع خطة صيانه تفصيليه مستقبلا لمعالجة الصيانات المسببة للخطر فقط. أما ما يتعلق بما احدثه صدام من تغييرات فقد اصبح واقع حال لفترة تاريخية مرت على بابل شانا أم ابينا، واصبح ذلك جزءا من تاريخها السياسي، وهو أمر تفهمته يونسكو ولهذا أصدرت قرارها الإيجابي.

يتحدّث العبيد عن “مشروع تحويل قصر صدّام إلى متحف لكي يكون جزءاً من معالم المدينة، فضلاً عن خطّة علميّة لمكافحة نسبة الرطوبة في الجدران والممرّات، والشواخص الأثريّة، مع معالجات طبوغرافيّة لتسيير مياه الأمطار التي تتراكم بين المباني الأثريّة وتؤثّر عليها، ومعالجة الأعشاب النامية في أسفل الجدران الأثريّة”.

يكشف العبيد عن أهمّ مشروعين لهما الأولويّة في خطّة التطوير، قائلاً: “الأوّل دعم جدران معابد عشتار ونابوشخاري وننماخ والبيوت البابليّة وإسنادها، وترميم شارع الموكب، أمّا المشروع الثاني فهو وضع صمّامات عند دخول الأنبوب النفطيّ وخروجه، للسيطرة على التدفّق في حال حدوث أيّ طارئ، بانتظار تغيير مساره ليكون خارج المدينة”.

تتحدّث عضو مجلس محافظة بابل أحلام الراشد لـ”المونيتور” عن أنّ “أحد أسباب الإهمال لبابل هو 5 سنوات من الأزمة الماليّة بسبب الحرب على “داعش””، مشيرة إلى أنّ “إدارة المحافظة عازمة على تنفيذ المشاريع الحيويّة، التي تعزّز توافر شروط منظّمة الـ”يونسكو”، وأوّلها عدم السماح بعسكرة المنطقة، وتوفير الأمن الكامل لها سواء بتقنيّات المراقبة الحديثة، أم عبر أفراد الشرطة والأمن”.

واعتبرت الراشد أنّ “إدارة المحافظة عازمة على رفع الهياكل والمنشآت التي لا تمتّ إلى أصل المدينة بصلة”، كاشفة عن أنّ “مجلس المحافظة في بابل خصّص نحو 64 مليار دينار لتنفيذ خطّة تأهيل آثار المدينة وإعمارها”.

يشير المتحدّث باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار باسم الزاملي في حديثه إلى “المونيتور” إلى “مشاريع كثيرة تلبّي توصيات منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة، وأبرزها مشكلة السكن على تخوم المدينة، وحلّها بالتراضي مع السكّان، بعد تعويضهم، فضلاً عن توسيع رقعة التنقيبات التاريخيّة، في مناطق واسعة لم تصل إليها أيدي المنقّبين من قبل، الأمر الذي يجعلنا نتوقّع اكتشافات أثريّة هامّة جدّاً”.

يشير الزاملي إلى أنّ “بابل رشّحت أيضاً كعاصمة للسياحة العربيّة لعام 2021 في اجتماع السياحة العربيّ الذي عقد في القاهرة، الأمر الذي سوف يعزّز تدفّق السوّاح إليها”.

يكشف الزاملي عن “إعادة افتتاح قناة الحضارة التابعة إلى قسم الإعلام والاتّصال الحكوميّ في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، تزامناً مع انضمام بابل إلى اللائحة العالميّة، حيث ستقوم القناة بالتعريف بالمدينة في شكل متواصل عبر الأفلام والبرامج، والبرامج الحيّة من المدينة”.

يقول الزاملي: “انضمام بابل وقبلها الأهوار يدفعنا إلى مفاتحة الـ”يونسكو” في شأن انضمام نحو 12 موقعاً إلى اللائحة العالميّة مثل شارع الرشيد ومدينة نفر وآثار نمرود وطريق الحجّ القديم ومقبرة وادي السلام والحيرة”.

لا شكّ في أنّ مدينة بابل، التي كانت عاصمة العالم القديم، هي إرث عالميّ لكلّ الشعوب، ممّا يجعل الاهتمام بها مسؤوليّة دوليّة، وذلك يتطلّب دعماً عالميّاً، مادّيّاً ومعنويّاً، لإعادة إعمارها، وإرسال فرق التنقيب عن الآثار الكامنة في أرضها منذ مئات السنين، حيث تمثّل بابل متحفاً عالميّاً لكلّ البشر.