العراق والتقسيم .. والتوازنات المفقودة!
مصطفى الكاظمي – المونيتور
النقطة الحرجة التي يقف فيها العراق اليوم، وهو يخوض انتخابات مصيرية في تاريخه، تكمن بالدرجة الاساس في ان اطراف الصراع تستخدم ملف التقسيم، كورقة تهديد سواء لخصومها او حتى لجمهور الناخبين.
ويتحكم في الانتخابات العراقية وفي مستقبل وحدة البلاد توجهين اساسيين، احدهما يقوده رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ويرى ان الانتخابات الحالية يجب ان تفرز حكومة اغلبية سياسية قوية ، تحفظ للمركز هيبته، وهو يهدد ضمناً بأن عدم التوجه الى هذه الحكومة ، ما يشمل تجديد ولايته لمرحلة ثالثة، سيعني ان العراق سيضيع في تجاذبات الاطراف السياسية والجغرافية، وانه سوف يخضع لاهواء “تقسيميين” وسيتحول الى بلد مقاطعات سياسية سرعان ما تنفصل.
المالكي يرى عبر خطاباته، وعبر المقربين منه، وفي الاوساط الخاصة، ان العراق يمر بمرحلة خطيرة وتهديدات ارهابية واسعة وتداخلات خارجية صريحة، تحتاج حكومة مركزية قادرة على حفظ امن البلاد ووحدها، قبل ان يسعى امراء الطوائف الى تقسيمها.
في الجبهة الاخرى تقف اطراف سياسية، قد تكون متباينة في مجالات كثيرةً، لكنها متفقة على ضرورة انهاء فترة حكم المالكي، وفسح المجال لتفتيت لما يعتبرون انه “احتكار غير مسبوق للسلطات بيد رئيس الوزراء”.
هذه الاطراف تشمل جوهر الثقل الكردي والسني في العراق، بالاضافة الى ثقل تيار رجل الدين مقتدى الصدر، وبدرجة ابعد قليلاً تيار “المواطن” الذي يقوده رجل الدين عمار الحكيم.
مجمل طروحات هذه الجبهة تذهب الى ان سياسات المالكي هي من تقود الى تقسيم العراق، وان بقاءه في السلطة لمرحلة مقبلة، سيعني ان طرفين رئيسيين في المعادلة هما الطرف الكردي والطرف السني سيذهبان الى اجراءات لتحقيق استقلال اكبر عن المركز هرباً من ضغوط السلطة المركزية، ما يقود في النتيجة الى التقسيم.
يبدو بشكل جلي ان الطرف الكردي غير مستعد للباقاء في العراق تحت حكم سلطة مركزية ضمن تصورات المالكي عنها، والطرف السني يحتشد خلف مطالب الاقليم ويعتبر ان سياسات المالكي هي الدافع لهذا الاجراء، حتى ان رجل الدين السني البارز احمد الكبيسي يقول لـ”المونيتور” ان الانتخابات هي المعيار لباقاء العراق او تقسيمه.
كما ان محافظات ذات ثقل اساسي مثل البصرة، تعمل بشكل دؤوب ومتواصل في هذا الاتجاه تحت الشكوى من مضايقة السلطة المركزية لمساعيها لاستثمار مواردها بشكل اقل تعقيداً.
امام هذه المسارات المتشابكة، من الصعب الاقرار بأن احد التوجهيين يمتلك مبررات اقوى من الاخر، لكن من المؤكد ان ورقة التقسيم تستخدم بقوة كوسيلة ضغط وتهديد وتلويح وتحذير.
الواضح ان احداً في العراق لم يعد يتبنى حلولاً وسط في هذه المعادلة، فلمركزية الشديدة وحصر السلطات بيد شخص او حزب او مذهب او قومية في بيئة عراقية متنوعة ومتصارعة وحساسة على كل المستويات، سيعني ان البلاد تتجه الى التقسيم، لكن تفريغ سلطة المركز من كل مكامن قوتها وتويلها لصالح مكونات وزعماء طوائف ليس حلاً مثالياً بدوره لمنع التقسيم بل قد يكون طريقاً مختصراً اليه.
الحل الواقعي هو احداث التوازنات المطلوبة بين المركز والاقاليم والمحافظات، والتوازنات المطلوبة في السلطات التشريعية والتنفيذية، وقوانين تمنع احتكار شخص او طرف للسلطة بشكل مطلق.
التوصل الى هذه التوازنات يحتاج الى توافق حقيقي في هذه المرحلة، وهو بالطبع يختلف عن التوافق على تقسيم المصالح والوزارات والحصص، وانما يتعلق بالاتفاق على حفظ وحدة البلاد عبر تقديم تنازلات متبادلة.