النقاب والتحرش الجنسي والعنف يواجه نساء الموصل
نقاش | نوزت شمدين | الموصل
احتاجت إمرأة موصلية عجوز إلى لحظات قبل أن تدرك إن الرجل الأغبر منتوف اللحية طويل الشعر المدجج بالسلاح يكلمها.
كان الوقت ظهيرة يوم العاشر من آب (أغسطس) الجاري، وقد وصلت لتوها إلى سوق السرجخانة وسط الموصل متحاملةً على آلام فقراتها وارتفاع درجات الحرارة.
عاد الرجل وهو من عناصر داعش ليسألها عن سبب عدم التزامها بارتداء الخمار، فقالت ساخرةً بأنها حاولت ذلك لكنها كادت أن تختنق بسبب حرارة الصيف وفقدانها للأوكسجين وهي مكممّة، فقال وهو يرفع صوته ظناً منه أن العجوز ضعيفة السمع وقال ” وهل سترتدينه في الشتاء “.
فسألته على الفور بشيء من القلق”وهل ستبقى داعش في الموصل حتى الشتاء” ؟.
هذه القصة يتداولها أهل مدينة الموصل ( 400 كم شمال بغداد) كنوع من الاحتجاج الشعبي السلمي على التقييدات التي وضعها تنظيم داعش على حرية النساء بعد سيطرته على المدينة في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، حيث فرض عليهنَّ لبس الخمارالأسود للمتزوجات والأبيض للعزباوات، وغطاء غير محدد اللون لليدين مع منعهن من الالتحاق بأعمال أو وظائف خارج المنازل، باستثناء الطبيبات المتخصصات بالأمراض النسوية في المستشفيات والعاملات في حقل التمريض.
كما منع التنظيم النساء من الخروج من المنزل إلا بمرافقة محرَم من الرجال ولدواعٍ ضرورية فقط، كما ألغت داعش اختلاط الطلبة في المدارس والكليات والمعاهد وفرضت عقوبة الجلد للمخالِفات وكلفت ديوان الحسبة بمراقبة التزام الناس بالزى الداعشي في الأسواق والأماكن العامة.
وألزمت المادة الرابعة عشر من وثيقة المدينة الذي وزعته داعش في الموصل منتصف حزيران (يونيو) الماضي نساء الموصل بارتداء ثوب فضفاض يغطيهن والبقاء في المنازل وعدم الخروج منها إلا لحاجة ملحة.
ويذكر تاجر الأقمشة عمار عبد الله في حديث لـ”نقاش” إن سوق القماش في الموصل يشهد رواجاً كبيراً ولاسيما بالنسبة للأقمشة الخاصة بالخماروبلونيه الأسود والأبيض، وقال بأن النساء يشترين القماش وهنّ ممتعضات وغالباً ما يتحدثن بسخرية واستهزاء عن الأمر، وأنه سمع إحداهن وهي تقول بعدما اشترت ما يكفيها من القماش لثلاثة من بناتها إن “الموصل لن تصبح قرية مهما فعلوا”.
وشوهدت في الأيام القليلة الماضية نقاط تفتيش لعناصر من داعش في أنحاء متفرّقة من المدينة، لمراقبة التزام النساء بأرتداء الخمار أخذوا الأوراق الخاصة بمركبات عدد من الأشخاص كانت نسائهم برفقتهم ويرتدين أغطية للرأس دون الوجه، وطلبوا من السائقين مراجعة مبنى كانت تشغله مديرية الرياضة والشباب في منطقة الطيران في الجانب الأيمن من الموصل للخضوع إلى تحقيق بشأن الأمر.
كما نقلت وسائل إعلام محلية تبث خارج مدينة الموصل أخباراً بشان قيام عناصر من داعش بالاعتداء ضرباً على نسوة غير ملتزمات بما يسمونه اللباس الشرعي (النقاب)، وهناك أخريات ينتظرن حكم المحكمة الشرعية بحقهن، ويروي شهود عيان مشاهداتهم بشأن قيام عناصر التنظيم المسلّح بالاعتداء لفظياً على نساء غير منقبات.
وفي ظل هذا القيد الصارم أختفت النساء من المشهد العام في مدينة الموصل، وسيغيب وجه وصوت النساء عن المدارس ورياض الأطفال والمصارف والدوائر الحكومية والحياة الثقافية والفنية والرياضية.
ويذكر الباحث المتخصص في الشؤون الإسلامية محمد هاشم لـ”نقاش” بأن النقاب تقليد اجتماعي لم يتدخل به الإسلام مطلقاً، حيث كنَّ النسوة في الموصل ولاسيما المسنات منهنّ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يغطين وجوههن بغطاء خفيف مع العباءة على نحو تقليدي ليس إلا، ولم يكن قسم كبير من الشابات يرتدين شيئاً على رؤوسهن حتى تسعينات القرن الماضي حينما أطلق نظام صدام حسين مشروع “الحملة الإيمانية” فانتشر غطاء الرأس بين النساء المسلمات.
ويؤكد إن القرآن لم يطلب أبداً من النساء تغطية وجوههن والدليل على ذلك هو عدم وضعهن الخمار أثناء الحج، فالنساء اللواتي يذهبن للحج قادمات من مختلف بقاع العالم حيث تختلف العادات والتقاليد والثقافات لكن الالتزام الديني موّحد وهن بمعظمهنّ غير مغطيات للوجوه ولا ولا يرتدين القفازات.
ويستدرك محمد “ما تفعله داعش انحراف ديني واضح”.
ويرى الكاتب أحمد حمدون إن مرجعية تشريع فرض النقاب على النساء ليست دينية، وإنما هي نتاج لمجتمع ذكوري ظالم ومتخلِف وهو أمر ليس وليد اليوم، وإنما يجري منذ أجيال ويمثل تطبيقاً للفكر القبلي البعيد عن المدنية الذي ينظر إلى المرأة نظرة دونية.
ولم يستبعد أحمد في حديثه مع “نقاش” أن يكون الخمار أو النقاب حصان طروادة بالنسبة لعناصر داعش يستخدمونه للتنقل إذا ما واجهتهم مقاومة أو شعروا بخطر أمني يتهددهم.
ويحرص عناصر داعش على توجيه تعليماتهم إلى أهالي الموصل ويؤكدون على عدم شرعية اختلاط الفتيات بالشبان في الجامعات والمدارس، ويدعون إلى الألتزام بفرض النقاب، ومكوث المرأة في المنزل ويرفضون ما يُشاع بأنهم يعتدون على النساء أو سواهم.
لكن الحقيقة غير ذلك، فالأعتداء على النساء في الموصل لم يقتصر على الآيزيديات في سنجار (120 كم غرب الموصل) حيث قتل التنظيم العشرات منهن واختطف ما يقرب من (500 ) إمرأة بل امتد إلى نساء سنيات من سكان المدينة، إذ أستهدف مسلحون ينتمون إلى التنظيم المتشدد في 13 آب (أغسطس) الجاري طبيبة نسائية مساءً عند خروجها من منزلها في منطقة الطيران، توفيت لاحقاً متأثرة بجراح طعنات سكاكين.
وترجح طبيبات زميلات لها بأن استهدافها من قبل داعش يعود إلى رسالة استغاثة منسوبة إليها، وجهتها إلى العالم بعد قيام طبيبات في مستشفيات الموصل بالإضراب منذ يوم 11 آب (أغسطس) احتجاجاً على انتهاكات عناصر داعش ضدهنّ.
وتقول الرسالة التي حصلت “نقاش” على نسخة منها إن “الطبيبات بقين في المستشفيات لمساعدة المرضى والمصابين على الرغم من الظروف الصعبة التي رافقت سيطرة داعش على الموصل وانعدام الأمن والقصف الجوي وتوقف رواتب الأطباء”.
وتتابع الرسالة “داعش طبق لبس الخمار على الطبيبات في المستشفيات، حيث وقف عناصرالتنظيم على أبوابها ومنعوا أي طبيبة أو إمرأة تعمل في الكادر النسوي التمريضي من الدخول أو الخروج منها دون وضع الخمار وتغطية اليدين.
وعندما ناقشتهم طبيبات بشأن استحالة تطبيق ذلك أثناء قيامهن بفحص المرضى أو تقديم العلاجات لهم أو إجراء العمليات ردوا بالتجاوز والتلفظ بكلمات بذيئة بحقهن وهددوهن بعواقب وخيمة في حال عدم التنفيذ”.
وحذرت الرسالة من الاستسلام لقرار داعش لأن القبول والإذعان له يعني القبول بأي شيء يصدر عنه لاحقاً كالختان ونكاح الجهاد الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام، وإن إصرار عناصره على ارتداء النساء للخمار هو لأذلالهن وأهانتهن ولهذا جاء قرار الإضراب لتصل أصواتهن إلى أبعد مدى.
ثم تساءلت “هل اعتراض طريق النساء والاستهزاء بهن في الشوارع من الأخلاق الإسلامية، أم هو تحرُّش علني بالنساء ويستحق فاعلوه العقاب”.؟