المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

المجتمع المدني والقوى المدنية و أزمة الديمقراطية في العراق!

اسماعيل داود

مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي

ورقة معدة لمؤتمر المبادرة في اوسلو – النرويج – اكتوبر 2014

عانى الوضع السياسي في العراق من جمود في انتظار ماذا سيحصل على الارض، بعد سقوط الموصل و معظم مدن صلاح الدين والانبار بيد (داعش) التنظيم المتطرف الذي امتد كالسرطان في جسد العراق وسوريا. وتشبه حالة الفرقاء وهم مختلفون على تسمية الوزراء والمناصب ومنذ سقوط الموصل ولحد يوم 18 اكتوبر حينما اكتملت الحكومة، حالة من احترق منزلهم غرفة بعد اخرى، وهم امام المنزل يناقشون دور كل واحد في اطفاء الحريق، دون ان يصلوا الى اتفاق !

واليوم حكومة العراق الجديدة في وضع ضعيف لاتحسد عليه على المستوى الامني والسياسي. هي حليف للغرب و بنفس الوقت هي لاتستطيع ان تحد من نفوذ ايران. ورثت من المالكي تركة ثقيلة من المشاكل مع دول الجوار العربي ومع تركيا، وتجد صعوبة في طي صفحة الخلافات. داخليا هي ابنة نظام المحاصصة الطائفية، بالرغم من انها حكومة قائمة على مبدا التغيير عن نهج المالكي. تجد صعوبة في ايجاد حلول وتجاوز عدم الثقة بين الفرقاء السياسيين، فلكل من هؤلاء الفرقاء تصور ضيق عن مستقبل العراق ينحصر بالطائفة او الفئة التي يمثلها. ببساطة عانى العراق من غياب مشروع وطني: فهناك مشروع ايراني حكم لسنوات ماضية والان يعود المشروع الامريكي بقوة مع حلفائه ليدير دفه الحدث من الخط الامامي.

ينعكس عدم الاستقرار السياسي هذا على الوضع الامني وامكانية ان يستعيد العراق ويحرر مناطقه التي احتلها داعش. على الارض هنالك تتشتت في القوى التي تقاتل على الارض منها البشمركة و منها عشائر ومنها مليشيات ومنها حشد شعبي ومنها جيش ومنها شرطة. مشروع اعادة تنظيم الجيش وانشاء قوات محلية في كل محافظة تعرف بالحرس الوطني تبدو مشاريع على الورق تحتاج اعوام لتحقيقها على الارض. وان تحققت فما الضامن بان لايرتد الحرس الوطني ويشكل مشكلة داخليا تتنازع حول السلطة ومصالح من تمثلهم، كما حصل مع الصحوات وجيش المهدي والعصائب حماس العراق وبدر وغيرها من المجاميع المسلحة التي عرفها العراق خلال العقد الماضي.

Brussels-Nov.-2014-300x200

المجتمع المدني العراقي من جهته ما يزال ضعيف نتيجة للتضييق الكبير الذي تعرض له من حكومة المالكي واليوم هو منشغل الى حد كبير بالاغاثة والنازحين. وتمر القوى المدنية في العراق بمحنة مضاعفة، فهي محصورة بين حكومات قمعية وعسكرتارية من جهة وبين مجتمع عادت لتقوده وتسيره القوى المحافظة :العشيرة ورجال الدين من جهة اخرى.

 ارسى هذا الواقع دعائمه الخطيرة مع الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2003 وبروز مشروع “الشرق الاوسط الكبير” الذي روجت له الادارة الامريكية المحافظة في عهد جورج بوش ، وهو تصور جديد للواقع السياسي والاجتماعي في منطقتنا، تصور مبني على اساس رسم خارطة المنطقة وفقا للدين والمذهب والانتماء الاثني  في محاولة لمحاكاة الواقع الاجتماعي السائد وبالتالي وصفه بالتغيير الديمقراطي. ولسوء الحظ بدا مشروع الشرق الاوسط الكبير من العراق. فاعيد صياغة البلد وفقا للتقسمات المذهبية والعرقية من خلال مجلس الحكم والحكومات التي تبعته.

فطفت على السطح احزاب واتجاهات دينية سياسية ومذهبية تعتمد الاسلام السياسي، ووضعت نفسها تحت خدمة مشروع الشرق الاوسط الكبير وبدئت تجيَر لصالحها الواقع الاجتماعي المتردي. تتشابه هذه المجاميع مع بعضها البعض وان اختلفت في الظاهر وان كفرت بعضها البعض في صراعها على النفوذ. من العبث ان نقول ايهم اكثر ايماناً بالديمقراطية فكلهم في طائفيتهم غارقون. يشتم بعضهم البعض ويكفر بعضهم البعض وكلهم يعتقد انه على حق، يشبههم عالم الاجتماع العراقي علي الوردي بالغربان يقول احدهم للأخر وجهك اسود[1] !

وهنا يجدر بنا التوقف عند مفهوم الديمقراطية الذي فرض على العراق ، او بالاحرى مفهوم الاغلبية الاثنية.

الاغلبية الاثنية مقابل الاغلبية السياسية:

النموذج العراقي الذي فرض بعد الاحتلال عام 2003 هو نموذج الاغلبية الاثنية : تعني الاكثرية التي يمثلها هذا العرق او هذه الاثنية، لذلك ترى مثلا ان الانتخابات تنتج تحالفات مقامة على اساس اثني طائفي ديني ونتائج هذه الانتخابات اقرب الى احصاء ديموغرافي يجرى كل اربعة سنوات! ولاعجب ان نتائج انتخابات العراق لا تتغير في جوهرها. وهو مايولد شعور بالاحباط و الاضطهاد الاثني للاقليات.

والطريقة نفسها انتجت تنافس حول الغالبية الاثنية على مستوى المحلي وصولا للقرية والمدينة، وهو ما قدم وهيء الارض للممارسات عنصرية من تهجير وقتل جماعي وعبودية جديدة. اشتركت قوى سياسية ومليشيات خلال الاعوام الماضية في ممارسات من هذا النوع وافلتت من العقاب على ممارساتها هذه. واليوم جاء داعش ليمثل الصورة الاحدث ,والابشع لهذا النوع من الجرائم.

وهذه الغالبية الاثنية هي المبرر الاساس لمشروع الاقاليم والجيوش المحلية او الحرس الوطني .

لكن هذا الواقع القاتم لم يخلو من محاولات للاصلاح وخصوصا من القوى المدنية،

الحراك المدني العراقي والوضع الراهن

  برأيي ان اهم علامة مدنية فارقة مر بها العراق في الاعوام لماضية هي تجربة ايام الغضب شباط(2011). اجتاحت حينها الاعتصامات والتظاهرات العراق من الشمال للجنوب مطالبة بحريات مدنية واصلاح سياسي وغيرها. في البصرة طاحت الحركة بالمحافظ وفي اربيل وسليمانية غيرت واقع كبير وفتحت للتغيير المجال. في بغداد اشتركت بها فئات من الشباب ومن كلا الجنسين. وبرز حينها نشطاء وقيادات ميدانية لم تعرف بطائفة او مذهب. في بغداد كان مكان هذه الاحتجاجات ساحة التحرير وهو رمز ليس بقليل مرتبط بالمدنية في العراق. وقتها تعاملت الحكومة بقمع واعتقلت نشطاء واغتال البعض منهم. فمثلا الصحفي والمدافع عن حقوق الانسان الذي اغتيل اثر الاحتجاجات- هادي المهدي- تحول لايقونة وقتها لهذه الاحداث.

كذلك موقف الناشطة المدنية هناء ادور حينما اعترضت على المالكي قمعه للحراك المدني، اثناء المؤتمر الوطني لحقوق الانسان اواخر عام 2011.

تبعت عملية قمع ايام الغضب هذه  أنتكاسة خطرة نتيجة للقمع انسحبت القوى المدنية وفي العام التالي تحولت الاحتاجات الى مدن خارج بغداد واكتسبت صبغة دينية طائفية وعشائرية مهدت لما جرى اليوم في الموصل.

وللان هناك مبادرات اعتقدها مهمة لكنها محدودة جدا. استمرارها مرتهن بشكل كبير بتحول سياسي يدعم نموها. اقصد مبادرات مثل انا عراقي انا اقراء او مهرجانات اليوم العالمي للسلام او المنتدى الاجتماعي العراقي. هي تجمعات شبابية عابرة للطوائف تعقد بشكل دوري في بغداد وتصل لالوف الشباب. المهم بهذه التجارب انها تنظم بقدرات ذاتية ولها اثر واسع على الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي. لكن طبعا مع نمو العنف ومع ميل الحكومة للقمع وللعسكرة تضعف هذه الحركات وتخبت ، ومع مرور الوقت قد تعود من جديد. الروح المدنية في العراق لم تطفاء لكنها للاسف لن تسطيع ان تنير العراق على الاقل في هذه المرحلة!

مساهمة المنظمات الدولية في التحول الديمقراطي المطلوب في العراق

ماتزال هنالك لدى العراقيين الكثير من الريبة و الشك تجاه اي دور ممكن ان تلعبه بعض الدول في العراق خصوصا: الولايات المتحدة وبريطانيا و ايران وتركيا والسعودية وقطر. بسبب مالعبته هذه الدول من دور سيء خلال العقد المنصرم.

ان التصور بان ارسال قوات برية الى العراق ممكن ان يساهم في حل المشكلة هو تصور خاطئ جدا ، اي وجود اجنبي عسكري في العراق غير مرغوب به ويكفي ماعانه العراقيين من الاحتلال.لا نستطيع ان نتجاوز حقيقة ان القصف الجوي الذي تقوده اميركا في العراق اليوم يحضى بقبول الراي العام  العراقي، وهو قبول أني اساسه بان العراق بحاجة له لانه لايمتلك منظومة دفاع جوي فعالة.

لكن بنفس الوقت التجربة تؤكد بان القصف الجوي ممكن ان يكون فعال في الاماكن المكشوفة، اما في حالة المدن فلن يحل اي مشكلة بل سيدفع ثمنه المدنيين. لذلك فان اي مساعدة عسكرية للعراق يبجب ان تكون مبنية على اساس تفاهمات عراقية داخلية واقليمية ويجب ان تكون محدودة ومن خلال قرار من مجلس الامن محدد بزمن وهدف. تبقى المهمة الاساسية هي تدريب وتجهيز القوات العراقية من خلال برنامج متكامل تتبناه جهات ذات ثقة ومصداقية كالامم المتحدة او الاتحاد الاوربي.

بنفس الوقت على النطاق السياسي، ماتزال هنالك ثقة بالامم المتحدة والاتحاد الاوربي، وهو امر ايجابي وفرصة كبيرة لهذه المنظمات لبناء شراكة مع العراق على مستوى المجتمع المدني خصوصا. لكن على هذه المنظمات ان تتجاوز مبدا بناء “حكومة قوية” ؛ التجربة السابقة اثبتت ان التركيز على تقوية الجهاز التنفيذي والعسكر، يعود بنا الى الدولة الفاشية وان كان بدرجات مختلفة، المالكي وحكومته خير مثال وقد مرر كثير من سياسته الطائفية بدعم من المنظمات الدولية لانها اعتقدت ان مانحتاجه هو “حكومة قوية”

التعاون المطلوب هو تحديدا في الاصلاح السياسي : تطبيق عدالة انتقالية جديدة تتعامل مع الضحايا العراقيين على قدم المساواة ،ارساء مصالحة وطنية و حل مشاكل عالقة بين كوردستان والمركز، وبين محافظات الشمال والغرب والمركز ؛ اصلاح نظام العدالة وتنمية الحريات  وحقوق الانسان.

التضامن العالمي

التضامن الدولي نافذة مهمة توفر الهواء نقي للشباب المدني في العراق. بينما تنشغل الحكومات بالحروب والعسكرة على النشطاء الدوليين ان يفكروا ببدائل لايصال تضامنهم مع العراقيين وحركاتهم المدنية. زيارة المتضامنين للعراق اراها وسيلة مهمة جدا لم تفعل للان. اخر زيارة تضامنية حصلت عام 2013 عندما ساهم 17 ناشط دولي في المنتدى الاجتماعي العراقي في بغداد. مايزال المجتمع المدني العراقي من عزلة مستمرة منذ عقود / بينما تتسابق الشركات الربحية للعمل في العراق من شماله لجنوبه ماتزال المنظمات المعنية بالتضامن الدولي والتعاون مع المجتمع المدني التي تعمل في العراق او من اجل العراق معدودة على الاصابع.

لا اكتمكم سرا ان الخطر الحقيقي هو ليس فقط استمرار داعش بالوجود ، بل الخطر ان لانتعلم الدرس من مما جرى لنا طيلة العقد الماضي فنهمل اجراء اصلاح حقيقي للتظام السياسي ونكتفي بشتم الارهاب وجرائمه.

كما ان الخطر يكمن ايضا في  ان يفقد شبابنا الامل في التغيير الحقيقي وفي امكانية بناء عراق موحد يحترم حقوق الانسان.

[1] كتاب الاحلام للدكتور علي الوردي صفحة 74