المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

المسؤولية في خطاب الكراهية لوسائل الإعلام

عدي حاتم

الاثير العراقي يعج ومنذ عام 2003  بعشرات القنوات التلفزيونية والمحطات الاذاعية العراقية او التي تستهدف الجمهور العراقي وتبث من الخارج ، والرابط بين أغلبية تلك المحطات هو افتقادها للحرفنة الإعلامية ونزوعها الى الخطابات التحريضية وتجاوزها على خصوصية الافراد والجماعات .

shutterstock_178001492-600x460

الافتقار الى المهنية له اسباب عديدة أهمها ان تأسيس وسائل الاعلام في العراق لم يكن في الغالب  هدفه أو غايته اعلامية بحتة ولا حتى تجارية تبغي الربح من العمل الإعلامي ، بل ان جل اسبابه كانت تنحصر تقريبا بين بث إيديولوجية طائفية او مواجهتها ، والتسويق الإنتخابي والدعائي للاشخاص والاحزاب . ولم تهتم غالبية وسائل الاعلام بمسألة التمويل لانه مؤمن ويأتي عادة من دول لها مصالح متقاطعة على الساحة العراقية ، او من الموزانة العراقية ذاتها بطرق التحايل والتلاعب والفساد ومن الاعلانات الحكومية التي تتقاسمها الاحزاب الحاكمة كما تتقاسم السلطة . و لعل هذه هو السبب الرئيسي في عدم اكتراث وسائل الاعلام العراقية الى توسيع قاعدة جمهورها والحصول على المزيد من المشاهدين او المتابعين بل اكتفت بجمهور يمكنها مغازلة مشاعره الطائفية والعراقية من خلال إعادة احياء موروث مشبع بالكراهية والحقد والخوف من الآخر وعدم الثقة به  واستغلال غياب مفهوم الهوية الوطنية او التباسه .

وعلى الرغم من ان ماتسمى بـ”دول العالم الحر ” تجرم خطاب الكراهية والعنصرية والتحريض على العنف في وسائل الاعلام إلا إنها هي من ساعدت في انشاء اغلب القنوات الطائفية في العراق والمنطقة لاسيما خلال الاعوام 2003 و2004 و2005 . ولعل أكثر دولتين موّلتا انشاء وسائل إعلام طائفية ودينية متطرفة هما الولايات المتحدة وبريطانيا ، في تجاوز سافر على القانون الدولي الذي يمنع ويجرم خطاب التحريض .

والمعايير الدولية نصت بشكل واضح على تحريم خطابي التحريض والعنصرية في المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، فكما نصت المادة 19 ثانيا على انه ( لكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود)، فانها حددت هذا الحق بالفقرة الثالثة التي تنص على انه ( تتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة، وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،

(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة).

اما المادة 20 ، فحظرت أي دعاية للحرب او للكراهية او العنصرية بحسب نصها الذي يقول ،(1-  تحظر بالقانون أية دعاية للحرب، 2. تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي  تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف).

هذه المعايير اجازت لجميع الدول ملاحقة المحرضين قضائيا ، فحتى للديمقراطيات العرقية تحاسب بشدة أي وسيلة اعلامية تروج للعنف او تحرض عليه ، لكن تلك االدول استخدمت تلك القوانين في حماية نفسها ومجتمعها فقط و أقتصرت محاسبتها  على وسائل الاعلام التي تبث او تصدر على اراضيها او التي تستهدف جمهورها ، لكنها شجعت او تغاضت عن قنوات التحريض التي تستهدف دولا اخرى .

وفي ما يخص العراق فإن غياب المهنية والاستقلالية للغالبية العظمى من وسائل الاعلام وخضوعها كليا للخطاب الايديولوجي للحزب او الطائف او الجماعة المالكة ، أجبر الاعلامين الذين يعملون فيها على تبني هذا الخطاب وترديده عن قناعة او حفاظا على فرصة عملهم  فضلا عن عدم حصول اغلبهم على التدريب الكافي الذي يجعلهم ملمين بقواعد العمل الاعلامي او بمعاييره وسلوكياته واخلاقياته .

ويبدو ان وسائل الاعلام ومن يقف ورائها وحتى أغلب الاعلاميين لايدركون بان التحريض على العنف وتبني خطاب العنصرية والكراهية هي جرائم لاتتساقط بالقدم ويمكن للمتضررين اثارتها في الزمان والمكان الذي يناسبهم وخير مثال على ذلك محاسبة ومحاكمة الصحفيين الراونديين  الذين حرضوا وروجوا للعنف وللإبادة الجماعية خلال الحرب الاهلية (1990-1993)  ، وتمت محاكمتهم امام محكمة الجنايات الدولية .

وحتى القوانين العراقية النافذة سواء الموروثة منها من الحقبة السابقة أو التي تم تشريعها بعد 2003 تجرم التحريض على العنف وتعاقب بعقوبات شديدة ،  كما يمتلك العراق  مؤسسة هي “هيئة الإعلام والاتصالات ” من المفترض ان تكون مهمتها وضع معايير السلوك المهني لوسائل الاعلام وحماية المستهلك من خلال مقاضاة أي وسيلة إعلامية تهدد السلم المجتمعي وتحاول اشاعة الكراهية وبث العنصرية . وفعلا قامت هذه المؤسسة بإغلاق بعض القنوات والاذاعات ومصادرة اجهزة البث والارسال (SNG) لوسائل إعلام أخرى ، لكن عمل هذه الهيئة ومنذ نشوئها بموجب الأمر 65 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة عام 2004 وحتى اليوم ، اتسم بالازدواجية والانتقائية والبُعد عن الغرض الرئيسي لتأسيس هذه الهيئة وهي ان تكون مستقلة ومطورة لعمل وسائل الاعلام وحامية لحرية التعبير ، لا ان تحاول التدخل في  السياسة التحريرية للقنوات الفضائية والإذاعات وفرض تغطيات معينة عليها  .

 والامثلة كثيرة على إزدواجية هذه الهيئة وتناقضها لاسيما في طريقة تعاملها مع  وسائل الاعلام  بحسب قربها او بعدها من الحكومة والاحزاب المتنفذة ، فالهيئة تتغاضى عن القنوات المملوكة لاعضاء الحكومة والاحزاب الحاكمة حتى وان حرضت على العنف وخالفت المعايير والقوانين الدولية والعراقية للبث، لتتحول هذه الهيئة  “هيئة الإعلام والاتصالات” إلى جزء من المشكلة وليس جزءً من الحل ، بعد تحولها الى أداة قمع بيد الحكومة وتحديدا رؤساء الوزارات الذين تعاقبوا على حكم لعراق منذ عام 2005 وحتى  اليوم ، يستخدمونها في غلق وترهيب وابتزاز وسائل الاعلام والصحفيين .

 وفي غياب مؤسسة حيادية مستقلة ومنظمات مهنية قادرة على الموازنة بين إحترام حرية التعبير وحق الجمهور في الإطلاع على المعلومات، وبين تطبيق معايير السلوك المهني من احترام للخصوصية وعدم التحريض على العنف والترويج للعنصرية ، ستبقى أغلب وسائل الاعلام العراقية او المستهدفة للجمهور العراقي أحدى أهم وسائل إدامة العنف والصراع وترسيخ ثقافة الكراهية في هذه البلاد .