ازمة الموصل، جذور الازمة، ممارسات داعش الارهابي واثرها على المرأة
ورقة معدة لجلسات الاستماع في البرلمان الايطالي، حزيران ٢٠١٥
اعداد سهى عودة – الموصل
منتدى الاعلاميات العراقيات ، بالتعاون مع مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي (ICSSI) ، منظمة اون بونتة بير … (UPP)
للحديث عن اوضاع الموصل اليوم وسبل تجاوز الازمة ولعرض ممارسات وانتهاكات “داعش” داخل مدينة الموصل لابد من التطرق الى سير الحياة العامة ووضع المرأة قبل أحتلال المدينة بيد التنظيم المتطرف.
- الموصل قبل دخول “داعش”
الموصل هي مركز محافظة نينوى يعيش فيها بما يقارب مليوني مواطن. مواطنيها ينتمون لقوميات وطوائف مختلفة: العربية والكردية والتركمانية والاقليات من الشبك(السنة والشيعة) كما يوجد نسبة كبيرة من الطائفة المسيحية (كلدان وارثدوكس).
الحياة اليومية في الموصل كانت تفتقد للأمان بشكل عام، تعرضت المدينة لهجمات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة. الموصل شهدت نزاع كبير بين الحكومة المحلية المتمثلة بمجلس المحافظة، وبين قيادة العمليات المسؤولة عن حفظ أمن المدينة والمرتبطة ارتباط وثيق وتتلقى اوامرها من مكتب رئيس الوزراء أنذاك السيد نوري المالكي. الموصل لم يكن لديها جيش وقوى امن وطنية من ابنائها، اغلب افرد الجيش كانوا من ابناء الوسط والجنوب (شيعة)، ولم يستطيعوا بناء ثقة مع المواطنين، ولم يشعر المواطن ان القوى الامنية هنا لحمايته، بل لمراقبته والتضييق عليه.
محافظ الموصل(اثيل النجيفي) شخصة قلقة وضعيفة لم تقدم خدمات للمدينة ومعروفة بالفساد الاداري خاصة بعد فضائح عقود المشاريع الوهمية مع الشركات التركية.
وتعاني محافظة نينوى بشكل عام من الصراع البارد – الكردي العربي- في المدينة، بسبب سيطرة قوات الامن الكردية “الاسايش” على مناطق من سهل نينوى مثل تلكيف وبعشيقة وسنجار الحمدانية. وهي مناطق تابعة لمحافظة نينوى لكنها بعد 2003 اصبحت مناطق متنازع عليها بين نينوى واقليم كردستان. سيطر الاكراد عليها ومنع العرب من شراء المنازل فيها اضافة الى صعوبة دخولها من قبل العرب وخاصة سكان مدينة الموصل.
المرأة في الموصل لها حرية العمل في القطاع الحكومي والخاص كما يتوفر لها حرية التعليم في مختلف المجالات.مع ذلك العادات والتقاليد اضافة الى الدين (وهي أمور مسيطرة على حياة الناس بمختلف قومياتهم ومذاهبهم) جعلت المرأة تعاني من الاضطهاد والعنف. زواج الاطفال بسن يبدأ من الـــ 12 عام، حالات الحرق و الانتحار بسبب العنف، جرائم القتل باسم شرف. عادة لايتم تسجيل معظم هذه الحالات، لممانعة الاهالي أو عدم اعتراف المراة نفسها.
- نشأة التطرف في المدينة :
مدينة الموصل معروفة بطابعها الديني وكثرة المساجد والمراقد الدينية للأنبياء للمسلمين، هذه المساجد كانت في كثير من الاحيان تجمعا للجماعات الوهابية والسلفية المتطرفة. كانت بداية نشوء القاعدة في تلعفر عام 2004 من التركمان السنة ثم انتقلت الى الموصل وتصاعدت في 2006. بدأت اعمالها بالهجوم على الاميركان ثم انتقلت الى المدنيين ومارست جرائم قتل واغتصاب وطرد للأيزيدية والمسيحين. ولم تنتهي القاعدة بشكل كامل حتى بعد تطهير المدينة في 2007 بل جمدت وبقيت تمارس اعمالها ضد المواطنين متمثلة بالتهديد واخذ الفديات المالية وزرع العبوات الناسفة والمفخخات لأستهداف المواطنيين المدنيين وقوات الجيش والشرطة. وتصاعدت اعمال القاعدة الارهابية في الموصل وباتت واضحة قبل دخول “داعش” بشهرين تحديدا الى أن دخل التنظيم وظهرت الخلايا النائمة وساهمت بإسقاط المدينة واحتلالها.
- الاوضاع بعد دخول “داعش”
انتهكت عصابات “داعش” كل حقوق الانسان بعد دخولها للمدينة، واولها حق الانسان بالحياة، شمل ذلك المرأة والرجل على حد سواء. عند دخول التنظيم في المدينة في 10 حزيران اصدر دستوره الخاص تحت مسمى وثيقة المدينة” وتكون من 16 فقرة نصت على تهجير المسيحين والشبك الشيعة أو قتلهم او اعلانهم الاسلام اضافة الى تدمير الأثار والمراقد الدينية بأعتبارها أمكن للكفر بالله، ايضا منع المرأة من الخروج وعدم عملها الا في الطب والتدريس. وقد طبق تنظيم “داعش” كل هذه البنود حتى الان.
أعدم التنظيم أعداد كبيرة من النساء والرجال، و نفذ حملة كبيرة للأعتقالات و شوهدالعشرات من النساء في أروقة”المحكمة الشرعية” التابعة للتنظيم. ومنذ شهر أيلول حتى اللحظة تم الاعلان عن قتل مايقارب 30 امرأة،منهن ثلاثة طبيبات ((أيناس خطاب،سعاد الطائي، بان عبد العزيز)، ومحاميتان هن (سميرة النعيمي ونجلاء العمري). و البرلمانية السابقة إيمان محمد السلمان التي رميت في بئر عنتر شمال تلعفر. كذلك تم قطع رأس الأستاذة الجامعية هناء فخري امام أطفالها. كل هؤلاء هم اناس مدنينون ومن الديانة المسلمة السنية.
تم العثور على 8 الى 9 مقابر جماعية حتى الان معظمها ضمت نساء وأطفال داخل وخارج الموصل. تم قتل العشرات من الرجال ومن منتسبي الجيش والشرطة والاطباء داخل الموصل كما تم خطف واعدم الصحفيين والناشطين المدنيين. هناك المئات من الجثث اعدمهم التنظيم ولم تسلم الجثث الى اهاليها، حيث يرميها التنظيم في حفرة كبيرة اسمها “الخسفة” بقطر ٥٠ متر، تقع في قرية العذبة على بعد 20 كم جنوب الموصل. الان تنظيم “داعش” يجري عمليات الاعدامات في الشوارع والاسواق العامة ويقوم بتصويرها وبثها في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة علنية.
الحق في الحرية
يوجد مئات من المواطنين داخل سجون التنظيم حتى الان مابين النساء والرجال وحتى الاطفال. اغلبهم يعانون الامراض الجلدية والجرب. تحتجزهم “داعش” في سجون الفيصلية والاحداث وسجن بادوش قبل تدميره والعديد من السجون السرية غير المعروفة. وصل عدد السجينات في سجن الفيصلية الى 100 امرأة. يتعرض السجناء للضرب والجلد والاهانة. وقتل 30 سجينا في سجن الاحداث في شهر تموز الماضي بعد تعرضه للقصف من طائرات التحالف الدولي.
العديد من النساء الموصليات تم اجبارهن على الزواج من عناصر التنظيم بسبب تحكم الاب او العم أو الرجل المسؤول عن المرأة، واغلبهن فتيات قاصرات تم تزويجهن لقياديين خطرين في التنظيم وتم تسفيرهن خارج العراق وخاصة الى الرقة السورية. تأتي ولاية الرجل على المرأة في المجتمع العراقي بسبب العادات والتقاليد وضعف القانون الذي يعامل المرأة كمخلوق ناقص وفاقد للأهلية.
تجبر النساء في الموصل ( ابتداء من عمر 9، سنوات) على لبس جلباب اسود و نقاب وكفوف وجوارب، ويمنعن من الخروج للعمل. تمنع المرأة من الخروج الى الشارع بدون محرم (يجب ان يكون معها ذكر من العائلة : الابن ، او الزوج او الاخ). وتفرض غرامة مالية على سائق التاكسي الذي يحمل امرأة لوحدها.
ايضا قام التنظيم بمنع الاهالي من السفر، فاللجان الامنية التابعة للتنظيم تسمح لفرد واحد من العائلة بالسفر بعد رهن البيت او اي عقار أخر. ويجبر الرجال على اطالة اللحى واقامة الصلاة في المساجد. كما حضر عنهم التدخين. وتفرض على المواطن الذي يخالف هذه التعليمات عقوبات تتضمن الجلد والحبس.
تعاني المؤسسات الصحية من شحة في الادوية المخدرة، ويتم اجراء الكثير من العمليات النسائية بدونها. كما هنالك نقص في أدوية الامراض المزمنة (السكر والضغط والربو والسرطان وثلاسيميا الاطفال). وتتزايد حالات الاجهاض للنساء ووفيات المولودين حديثا، كل اسبوع يموت مايقارب عشرة اطفال بسبب بسبب سوء الصحة النفسية والنقص الغذائي للأم او التسمم لعدم وجود المواد المعقمة. التنظيم يستغل مستشفيات المدينة بشكل شبه كامل لمعالجة عناصره الجرحى والقتلى بسبب المعارك والقصف الذي يتعرضون له ويمنع المواطنين من التردد على المستشفيات. كما يجبر الاطباء والكوادر التمريضية على العمل وتقديم العلاج لعناصره.
4. دور الحكومة واقليم كردستان في تقديم الخدمات لسكان الموصل والنازحين:
تتصرف الحكومة العراقية الان مع مدينة الموصل كجزء منفصل عن العراق، حيث منعت صرف الرواتب (وهي المورد الرئيسي للمعيشة لاغلب العراقيين)، عن الالاف من الموظفين وخاصة العاملين في الصحة. يعاني سكان الموصل الفاقة العوز وسط ارتفاع المواد الغذائية. و تم قطع الكهرباء عن المدينة منذ تموز الماضي 2014 كما قطعت المواد الطبية عن المدينة وما يدخل الى المدينة من مواد طبية هو أما يجلبه التنظيم لعناصره أو قسم أخر يدخل عن طريق التهريب. أيضا تم قطع الوقود والغاز فبدأ الأهالي الطبخ والتدفئة على الحطب, وتم قطع شبكات الانترنت ووسائل الاتصال التقني. مع العلم أن الموصل الان يسكنها مايقارب مليون ونصف مواطن من الموصل والانبار وتكريت، حيث نزح اليها الالاف من عوائل محافظات الانبار وصلاح الدين، وكل المواطنين الان هم في مستوى واحد من الفقر والحاجة ويعانون انعدام تام للخدمات. و لايوجد أي دور لمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية في تقديم اي مساعدة للمدنيين داخل الموصل.
قطعت حكومة اقليم كوردستان كل الطرق الرابطة بين الموصل وكركوك وأربيل ودهوك، وفجرت بعض الجسور الرابطة بين المدينة والاقليم. و قامت قوات البيشمركة والقوات الايزيدية المشاركة في القتال الان في المناطق المحررة في سنجار بتهجير وقتل عدد من السكان من القبائل العربية كجزء من عمليات الثأر من العرب خاصة بعد عمليات القتل والاغتصاب والاستعباد التي تعرض لها الايزيدون على ايدي “داعش” وممن ساعدهم من سكان محافظة نينوى.
مقترحات حول دور الاتحاد الاوربي وايطاليا في مساعدة حكومة العراق على تجاوز الأزمة :
- الشراكة مع العراق والامم المتحدة لتنفيذ عدالة انتقالية في المناطق المحررة، تتضمن لجان حقيقة ومصالحة، وبناء سلام مستدام بين المكونات المختلفة، ومنع عمليات الانتقام (دروس من العالم ،جنوب افريقيا كنموذج)
- دعم وتشجيع حكومة العراق لتطبيق المساواة في القانون والممارسة: وقف السياسة الطائفية وممارسات التمييز والإقصاء ضد المواطنين بسبب جنسهم أو عرقهم أو دينهم أو مذهبهم.
- دعم برامج اغاثة خاصة بالمرأة في مناطق النزاع، تتضمن فتح دور الإيواء الخاصة بضحايا العنف من النساء، وتوفير خدمات الدعم الطبي والنفسي لهن.
- دعم العراق لتدريب قواته الامنية الحكومية، التي تساهم في معارك التحرير و التي تدير المناطق المحررة، ويجب ان يشمل التدريب القانون الانساني الدولي و كيفية التعامل مع النساء والاطفال والمدنيين بصورة عامة.
مقترحات حول دعم المجتمع المدني العراقي
لم يتوقف المجتمع المدني العراقي عن العمل والعطاء بالرغم من كل هذه الظروف، وبرغم عدم امكانية العمل في الموصل والمدن المحتلة من داعش، نستمر نحن في منتدى الاعلاميات العراقيات وغيرنا من منظمات المجتمع المدني ونشطائه و بامكانياتنا البسيطة ، بالعمل من اجل تغيير واقع المراة العراقية. قبل اشهر اطلقنا حملة شهرزاد لمناهضة العنف ضد المراة وزواج القاصرات والتحرش الجنسي. تتضمن الحملة برامج توعية وبرامج مدافعة، وانا ادعو الحكومة الايطالية والاتحاد الاوربي الى دعم المجتمع لمدني ومشاريعه الخاصة بالدفاع عن حقوق المراة في العراق ، وبرامج تمكين المراة، ان الشراكة بين المجتمع المدني العراقي واوربا يجب ان تقوى فهي خير وسيلة لدعم العراق على المدى الطويل.