غيبوبة “كوب ٢١“: قمة المناخ في باريس والمجتمع المدني العراقي
*اسماعيل داود
باريس – 11/12/2015
بدأت تصل تباعاً اخبار عن مفاوضات رؤساء ووزراء العالم في قمة المناخ المستمرة اعمالها في باريس والمسماة “كوب ٢١”. قمة غرضها الوصول الى إتفاق ملزم يتضمن الاجراءات التي يجب ان تتخذها حكومات الدول لمواجهة التغيرات المناخية التي تسبب بها بنو البشر، نتيجة لإسرافهم في إستغلال الموارد وتلويثهم لكوكب الارض.
ووفقاً لتقييمات النشطاء في حركات المناخ والبيئة، وهم ممثلين لمختلف الحركات الاجتماعية والمجتمع المدني من كل انحاء العالم، فإن النتائج لا تبشر بخير. يقول النشطاء ان ذلك أمر سيئ جداً، لكنه متوقع. فحكومات الدول خصوصاً البلدان الصناعية المتطورة مثل الولايات المتحدة الامريكية، أوربا ، روسيا والصين، يضاف لها الهند والبرازيل، ليست جادة بمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ولا التلوث الناتج عن استخدام الطاقة الإحفورية وعن استنفاد الموارد الطبيعية. ذلك لأن التغيير الحقيقي يعني تخلي هذه الدول عن ماتحققه من نمو وتقدم اقتصادي ومن إدامة للنموذج النيولبرالي للإقتصاد العالمي القائم على زيادة الإنتاج والإستهلاك.
ثم ان الشركات العملاقة ذات التأثير الكبير على السياسة العالمية وصناعة القرار، لن تتخلى عن أرباحها وأسواقها بسهولة وهي ماضية في تعزيز نزعة الإستهلاك المفرط غير المحسوب من قبل سكان هذا الكوكب. النتيجة، ليس هنالك حلول على المدى القريب. الإحتباس الحراري ونتائجه من إرتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ وإرتفاع مستويات البحار سيهدد سكان الأرض بخطر كبير.
نعم تبدو الصورة قاتمة، فمع أن الحديث ما يزال يدور عن إمكانية التوصل لإتفاقية ملزمة لخفض الإنبعاث الحراري، لكن يبدو أن هناك نية مسبقة لعدم التنازل بالقدر الذي تطالبه حركات المناخ والبيئة وهو 1.5 بالمئة. ثم أن هنالك عجز واضح من قبل الامم المتحدة و تماهي في تبيان التزامات الدول ومسؤولياتها عن الانبعاث الحراري، بشكل أو بآخر.
المفارقة أن حسابات الإنبعاث المعتمدة حالياً والتي يطالب أن يتم خفضها، تكشف ومن خلال النقاش مع متخصصين من أوربا، بأنها لا تشمل الإنبعاث الناتج عن النشاط الحربي والعسكري العالمي! وهو امر محبط جداً إذا ما علمنا أن ما تستهلكه طائرة مقاتلة من نوع أف ١٦ في ساعة واحدة يعادل ما تستهلكه سيارة خاصة لمدة ٣ سنوات! وبأن دول كثيرة في العالم تخطط لزيادة إنفاقها العسكري لعقود قادمة، فتخيلوا حجم التلاعب والتضليل الذي تمارسه الحكومات، للتغطية عن مقدار الكارثة التي سنتركها للأجيال القادمة!
ليس في نيتي أن أتناول هنا بالتفصيل نتائج المباحثات، فلست بالمختص بالموضوع بشكل مباشر، ثم أن الوقت مازال مبكراً لإستنتاج نهائي عن ما ستصل له النقاشات. لكني في الحقيقة أود أن أتناول دور الحركات الاجتماعية والمجتمع المدني في النضال ضد المغامرة الكبيرة بمستقبل الأرض! وأن أحاول التعبير عن خيبة الأمل التي شعرت بها أثناء مساهمتي بالأنشطة البديلة للقمة في باريس عن الغياب الواضح والمخجل للحركات الاجتماعية العراقية والعربية والشرق أوسطية.
ففي باريس كان هنالك في الحقيقة قمتان، قمة بديلة للحركات الاجتماعية، بالإضافة الى القمة الرسمية. وكان لي ولآخرين من النشطاء، شرف المساهمة في القمة البديلة. تناولت هذه القمة البديلة وجهات نظر وآراء الحركات الإجتماعية حول الكارثة البيئية، وحول نقد كل ماطرحته الحكومات من حلول وما دار من نقاشات في القمة الرسمية في باريس وفي القمم الرسمية السابقة، وما أوردته في مقدمة هذه الورقة يمثل جزء من هذا النقد.
حضر القمة البديلة عشرات من نشطاء وناشطات الحركات الاجتماعية من كل قارات العالم، من أمريكا اللاتينية، أفريقيا، آسيا، أوربا، أمريكا الشمالية وأستراليا. ونظمت فيها العشرات من الورش والحوارات. حققت الحركات الإجتماعية من بلدان مثل البرازيل وبيرو وكولوبيا حضوراً متميزاً. وأقول متميز نتيجة لكثافة حضورهم للورش وتقديمهم قصص عن نضالاتهم وتجاربهم ضد الشركات العالمية الكبرى متعددة الجنسيات، خصوصاً تلك التي تعمل في الصناعات الإستخراجية للنفط والفحم والغاز الصخري. هذه الشركات خربت الأرض والبيئة في أكثر من بلد ومازالت تواصل إستثماراتها الضخمة في هذا الخراب، من أجل أن تزيد من أربحها المهولة.
ولا تقل المساهمة الافريقية اهمية عن نظيرها في أمريكا اللاتينية، فوفد الكونغو مثلا كان متضمن لعدد من النساء الفلاحات المناضلات من أجل الارض والمياه، نساء حضين بالإهتمام وقدمن مساهمات متميزة.
كان لي ولزميلي من تركيا “ارجان ابوجا” شرف تمثيل حملة إنقاذ نهر دجلة والاهوار العراقية في اللقاءات في باريس وأسعدني جداً الإهتمام الكبير الذي حضت به الحملة وقد إلتقيت ممثلين من تونس وفلسطين والمغرب وتركيا. ودار نقاش حول سد “اليسو”، السد الاكبر والاول من نوعه والذي تستمر ببناءه تركيا على نهر دجلة، وعن ما يرتبط به من منظومة سدود أخرى فوق وتحت اليسو. عرضنا أيضا المراحل التي وصلت لها الحملة في الدفاع عن دجلة والأهوار والتحديات التي تواجهها.
من الامور التي سألت حولها، ماذا عن مجمل الحراك الإجتماعي في مجال البيئة والتغير المناخي في العراق؟ بصراحة أجبت، مازلنا نغط في غيبوبة كبيرة ولا نعلم متى يمكن أن نصحى منها! غيبوبة ممكن أن نسميها غيبوبة “كوب٢١” تماشياً مع الحدث!
فجنوبنا وشمالنا تبتلع نفطه الشركات بدون مسؤولية ولا مسائلة عن التلوث البيئي الذي تتسبب به عمليات الإستخراج. خراب للأرض والماء والبشر، والأدهى من هذا أن تهدر واردات هذا النفط في بلاد تعاني من ترهل إداري مخيف و نقص في الخدمات وتفشي خطير للفساد بأنواعه.
من جهة أخرى، نحن مقبلون على قحط مائي ينجز على ماتبقى من أرضنا وزرعنا. ففراتنا قضى عليه التلوث ونقص المياه، أهوارنا تجف وينزح سكانها بحثاً عن لقمة عيش بديلة. دجلة سائر لنفس المصير فمخططات السدود في تركيا وإيران تسير بلا توقف في ظل عجز تشترك فيه كل القوى السياسية، وتماهي عن حماية أنهار العراق يساهم فيه أصحاب القرار و قسم ممن يدعون بأنهم يعملون من أجل المياه في العراق!
ثم ان أرضنا وهوائنا يعجان بعشرات الاطنان من الملوثات من يورانيوم منضب ونفايات ملوثة مثل البلاستك وغيرها. وبرغم هذا كله، نعجز عن تشكيل حركة بيئة أو حركة مناخ عراقية قادرة على العمل لخلق الوعي لدى الجمهور وتعبئته، وعلى المدافعة لتغيير مواقف سياسينا اللاهثين وراء زيادة إنتاج النفط وحرقه في شتى السبل!
طبعاً العجز هذا له أسباب عدة منها موضوعية تتعلق بالعبثية التي نعيشها إجمالاً، بسبب الغياب التام لمشروع عراقي وطني، و بالمصير المجهول الذي أوقعتنا به المحاصصة الطائفية والتحزب. ومنها أسباب ذاتية، تتعلق بضعف العمل الجماعي والتنسيق بين مختلف الحركات والمنظمات الإجتماعية.
فمعظم حركاتنا الاجتماعية و منظماتنا، لاتزال لم تتجاوز عقبات التشتت والتطفل! تلك العقبات التي أنتجتها ظروف مرحلة ولادة هذه الحركات بعد إنهيار الدكتاتورية و خلال حقبة الإحتلال الامريكي. فبالرغم من وجود أمثلة لمنظمات وحركات وحملات إيجابية، لكن و بعد مرور اكثر من عقد على هذه المرحلة، فإن الامثلة الإيجابية محدودة جداً وقد لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، بينما الأغلبية تتخبط في عملها! هذا يشمل مجالات عديدة، والبيئة والمناخ في مقدمتها.
لسنا وحدنا في المشرق نعاني من غيبوبة “كوب ٢١”، ففيما بدى واضحاً من مشاركات الحراك المجتمعي البيئي ومن حركات المناخ في تونس والمغرب، بأن المغرب العربي شهد نمواً و تطوراً يمكن أن يوصف بانه فريد من نوعه، تشاركهم في هذا التميز حركات من تركيا وكوردستان تركيا، وهي حركات ناقشت خطط لعملها القادم وللتعبئة بعد القمة وللقمة القادمة والتي ستعقد في عام ٢٠١٦ في مراكش – في المغرب. بينما البلدان العربية الأخرى في المشرق وإيران، فثبت ومن خلال غيابها وضعفها سواء في القمم الرسمية أو تلك البديلة، بأنها تشارك العراق وربما تنافسه في غيبوبته الطويلة!
——————————
*ناشط مدني، حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية وحقوق الانسان
مسؤول سياسات في منظمة اون بونتة بير … الايطالية