المديرة العامّة لأوقاف المندائيّين في العراق نادية فاضل مغامس: المندائيّون في العراق ليسوا سوى طائفة منسيّة ومهدّدة بالإنقراض
سعد سلوم – المونيتر
بغداد – ينفرد المندائيّون عن بقيّة الأقليّات الدينيّة في العراق بإجراء إنتخابات داخليّة (داخل الطائفة) لترشيح أيّ ممثّل عنهم للكوتا في البرلمان و مجالس المحافظات. وأصبح من صلاحيات المجالس الرئاسيّة الثلاثة للطائفة والمتمثّلة بالمجلس الروحانيّ ومجلس عموم الطائفة ومجلس الشؤون العام، الإشراف وترشيح أيّ شخص مندائي للمناصب العليا في مؤسّسات الدولة العراقيّة عن طريق الإنتخابات داخل الطائفة، وفي حضور هذه الرئاسات الثلاث للطائفة. ثمّ يرفع اسم المرشّح بكتاب من الطائفة إلى دوائر الدولة المعنية مثل مفوضية الانتخابات او رئاسة البرلمان او حتى رئاسة الجمهورية. ومن خلال تبنّي هذه الآليّات الديموقراطيّة، حاول المندائيّون قطع الطريق أمام هيمنة التيّارات السياسيّة الكبرى على ممثلي احزاب الاقليات او استخدام ممثّلي الاقليات لمصلحتهم اثناء التصويت على القرارات داخل البرلمان لكنّ هذا لم يمنع من هيمنة هذه التيّارات على مقعد الكوتا المخصّص للمندائيّين عبر تقديم مرشّحين مندائيّين موالين لهذه الأحزاب، وهو ما يعدّه المندائيّون سرقة لحقّهم في مقاعد الكوتا المخصصة للمندائيين. وفي هذا السّياق، أجرى “المونيتور” حواراً مع المديرة العامّة لأوقاف المندائيّين في ديوان أوقاف المسيحيّين والإيزيديّين والصابئة المندائيّين نادية فاضل مغامس، تناول طبيعة عملها، وهو أرفع منصب تنفيذيّ يحوز عليه المندائيّون في مؤسّسات الدولة العراقيّة (بحكم الامر الواقع، فالدستور لا يتضمن توزيع المناصب على اساس إثني)، ويعدّ حدثاً لافتاً لكونه يتضمّن تسلّم امرأة رئاسة أوقاف دينيّة للمرّة الأولى في تاريخ العراق المعاصر.
المونيتور: كيف تصفين تسلّم امرأة من نساء الأقليّات منصب مدير عام في الأوقاف؟
مغامس: إنّه أمر ينطوي على تحدٍّ كبير داخل الأوقاف ومؤسّسات الدولة ومؤسّسات الطائفة المندائيّة أيضاً، أوّلاً الحصول على منصب مدير عام بالنّسبة إلى الأقليّات في زمن المحاصصة وهيمنة الأحزاب السياسيّة الكبرى ليس بالأمر السهل، فهناك صعوبة مركّبة كوني أنتمي إلى أقليّة تعدّ من أقلّ المكوّنات عدداً، وهي مقارنة بالمسيحيّين والإيزيديّين الأقليّة المندائيّة، وثانياً كوني امرأة من نساء الأقليّات، وهو ما جعل تسلّمي للمنصب تكتنفه صعوبات نظراً لوجود المحاصصة داخل ديوان الأوقاف المسيحيّة والإيزيديّة والصابئة المندائيّة أيضاً بوصفه أحد مؤسّسات الدولة. ورغم أنّ النّظام الداخليّ للديوان ينصّ على التّوازن بين الأديان ليس بناء على محدّد عدديّ، ولكن بوصفها أدياناً، لكنّ التّمثيل في الديوان أخذ بعامل كميّ عدديّ، وليس بناء على تمثيل الأديان بالتّساوي.
المونيتور: كيف تمّ ترشيحك داخل الطائفة المندائيّة لتسلّم المنصب؟
مغامس: كان هذا حدثاً فريداً داخل الطائفة المندائيّة، إذ أنّ الرئاسات الثلاث في النّظام الداخليّ لطائفة الصابئة، والمتمثّلة بالمجلس الروحانيّ ومجلس عموم الطائفة ومجلس الشؤون العام، اتّخذت قراراً بأن يتمّ ترشيح أيّ شخص للمناصب العليا في مؤسّسات الدولة العراقيّة عن طريق الإنتخابات داخل الطائفة، في حضور اعضاء الرئاسات الثلاث للطائفة، ثمّ يرفع اسم المرشّح بكتاب من الطائفة إلى دوائر الدولة. وعلى المرشّح أن يحصل على أصوات (النصف + 1) من أعضاء مجلس العموم لكي يفوز بالتّرشيح، إذ إنّه الجهة الوحيدة المسموح لأعضائها بالتّصويت من بين الرئاسات الثلاث لطائفة الصابئة، وهو يمثّل برلمان الطائفة ويكون مسؤولاً عن تشريع القوانين حسب النّظام الداخليّ للطائفة. وقد حصلت في حينها على أصوات (نصف + 6) عند فوزي بالتّرشيح في الإنتخابات الّتي جرت في “مندى” طائفة الصابئة المندائيّين في 11/3/2014.
المونيتور: هل يعدّ ترشيحك أمراً غير مسبوق داخل الطائفة أيضاً؟
مغامس: لم يسبق لطائفة الصابئة المندئيّين العريقة أن رشّحت امرأة لأيّ منصب مهمّ في مؤسّسات الدولة. ومن ناحية تاريخيّة، لم يسبق في تاريخ الدولة العراقيّة المعاصر أن تولّت امرأة منصب مدير عام وقف دينيّ في أيّ من الطوائف بكلّ أنواعها الإسلاميّة أو المسيحيّة أو الإيزيديّة أو غيرها، إذ أنّ هذا المنصب كان حكراً على الرجال فقط. لذا، أقدّر المسؤوليّة الكبيرة الملقاة على عاتقي لتمثيل النساء وطائفتي الدينيّة، ولقد نجحت في إقناعهم بتسلّم المنصب وإدارته على أكمل وجه، واستلمته وكالة في 17/9/2014، بعد أن كان يشغله السيّد توما زهرون أصالة.
المونيتور: ما ملاحظاتك على تمثيل الصابئة المندائيّين في مؤسّسات الدولة؟
مغامس: بسبب الطائفيّة والمحاصصة وكثرة الأحزاب وتقسيم المناصب بينهم، فإنّ تمثيلنا غير فعّال، حتّى أنّ مقعد كوتا الصابئة في البرلمان يمكن أن يتعرّض للاستيلاء عليه وترحيله إلى أحد الأحزاب المتنفّذة، أيّ بعبارة أخرى، أنّه رغم أنّ من يشغل هذا المقعد هو من طائفة الصابئة المندائيّة، إلاّ أنّه قد يقع تحت سطوة التيّارات السياسيّة الشيعيّة أو الكرديّة. وبذلك، تخسر الطائفة المندائيّة هذا الإمتياز، وكذلك الحال مع تمثيل الطائفة في مجلس محافظة بغداد. وعادة ما تقوم الاحزاب السياسية الكبرى بالأيعاز لتابعيها، بالتصويت لمرشح اقلية معينة بحيث يحصل هذا الشخص على اصوات كافية لبلوغ عتبة الكوتا على الرغم من ان اختياره لم يتم بناء على رغبة الطائفة او انتخاباتها الداخلية، لذا نعتقد إنّ الممثّلين السياسيّين للأقليّات لا يعدو تمثيلهم أن يكون رمزيّاً وغير فعّال في كلّ الأحوال.
المونيتور: هل يلبّي تمثيل المندائيّين في ديوان الوقف طموح المندائيّين ويعبّر عن تطلّعاتهم؟
مغامس: إنّ ديوان أوقاف الديانات المسيحيّة والإيزيديّة والصابئة المندائيّة من مؤسّسات الدولة الصغيرة. ورغم أنّه يحمل أسماء الأديان الثلاثة المعترف بها في الدستور العراقيّ وفقاً للمادّة 2-2، إلاّ أنّ التّعامل في داخله مع الأديان الثلاثة (الاقليات الدينية المعترف بها رسميا) يكون على أساس أعداد أفراد طوائفها وليس بناء على كفاءتهم، إذ أنّ توزيع المناصب بين 7 مديرين عامّين ووكيلي رئيس الديوان ومنصب رئيس الديوان لم ينل فيه المندائيّون سوى منصب واحد هو المدير العام للوقف الصابئيّ وبالوكالة، ومنصب واحد لوكيل رئيس الديوان. ولم نحصل على موافقة مجلس الوزراء من أجل تثبيت هذه المناصب أصالة حتّى الآن، رغم مرور أكثر من سنة على رفعها إليه لاستحصال الموافقة، وهذا يعني أنّ ليس من حقّنا المنافسة على شغل منصب رئيس الديوان للأديان الثلاثة، وذلك لقلّة عددنا قياساً بالمسيحيّين والإيزيديّين.
المونيتور: ما طبيعة عملك في ديوان أوقاف المسيحيّين والإيزديّين والصابئة المندائيّين؟
مغامس: أوظّف خبرتي كمهندسة معماريّة في الوقف ولخدمة مشاريعه، إذ أقدّم الاستشارات الهندسيّة في الديوان وأترأس لجاناً عدّة مثل لجنة متابعة شؤون المرأة للأديان الثلاثة، واللّجنة العليا للنهوض بواقع المرأة مع وزارة المرأة الملغاة، واللّجنة العليا لمحو الأميّة مع وزارة التربية. كما إنّي عضو هيئة الرأي في الديوان المسؤولة عن اتّخاذ القرارات المهمّة. ومن ضمن واجباتي كمدير عام وكالة، متابعة أوقاف وشؤون الصابئة من عقارات واستملاكات والتصاميم المعمارية وتنفيذ المشاريع الخاصّة بالطائفة من دور عبادة (منادى) ومقابر ودور ضيافة ومدارس مندائيّة وغيرها في بغداد والمحافظات. وكذلك، التّواصل مع ممثّلي الأديان الأخرى من خلال المشاركة في اللقاءات والمؤتمرات والمهرجانات وتبادل الزيارات وزيارة المسؤولين والمراجع الدينيّة والهيئات الديبلوماسيّة لتوفير متطلّبات أتباع الأديان الثلاثة في الديوان.
المونيتور: ما أبرز أهمّ العوائق الّتي تقف أمام عملك؟
مغامس: في الدرجة الأساس قلّة التّخصيصات الماليّة للوقف، فكيف يمكن لنا كمندائيّين التعريف بديانتنا للعراقيين وللعالم مثلاً من دون وجود تخصيصات لطباعة منشورات تعرّف بمعتقداتها أو إنتاج أفلام وبرامح وثائقيّة، لا سيّما أنّ وسائل الإعلام الرسميّة ليس لها أيّ دور في التعريف بديانتنا، وجهلها يكاد يكون ظاهرة عامّة. هل يعقل ألاّ تستطيع الطائفة المندائيّة طباعة كتابها المقدّس (كنزا ربا) بسبب غياب التخصيصات الماليّة؟ كذلك، فإنّ رجال الدين المندائيّين هم أكثر رجال الدين فقراً من بين الطوائف الدينيّة بسبب تفرّغهم للشؤون الدينيّة وعدم وجود موارد ماليّة لديهم أو تقاضي رواتب من قبل الحكومة. ، فليس لدى المندائيين عقارات واستثمارات تدر مالا، مثل الاوقاف الاسلامية او المسيحية، ولاهم يحصلون على رواتب مثل رجال الدين المسلمين الذي يشرفون على الجوامع والحسينيات، او يحصلون على ضريبة الخمس بالنسبة لرجال الدين الشيعة على سبيل المثال، وليس هناك متبرعون من التجار، اذا ان معظم التجار والاغنياء من المندائيين غادروا العراق، نحن في العراق لسنا سوى طائفة منسيّة ومهدّدة بالإنقراض.
المونيتور: هل تشعرين بأنّ هناك تمييزاً يمارس ضدّ المندائيّين على مستوى رسميّ؟
مغامس: يشكو المندائيّون من وجود معاملة تفضيليّة تعكس تمييزاً بالنّسبة إلى بناء دور العبادة، ففي حين يمكن بسهولة تشييد جامع أو حسينيّة للمسلمين، يتطلّب بناء دور عبادة للمندائيّين إجراءات إداريّة واستحصال موافقات مرهقة. هناك مناطق عدّة يفتقر فيها المندائيّون إلى مكان يمارسون فيه طقوسهم ويؤدّون شعائرهم، وخصوصاً في قضاء القرنة بالبصرة، وفي الكوت – مركز مدينة واسط، وقضاء الصويرة بمحافظة واسط أيضاً، فلا يوجد مندى للمندائيّين في كلّ تلك المناطق، رغم وجود عدد كبير من العائلات المندائيّة هناك والحاجة الماسة إليه لممارسة طقوسهم الدينيّة، لا سيّما في ظلّ عدم توافر الإمكانات الماديّة للطائفة المندائيّة وعدم وجود موازنة وتخصيصات ماليّة كافية لديوان أوقاف الأديان الثلاثة في العراق بهدف استملاكه العقار وتخصيصه كمندى للمندائيّين. كذلك، يشكو المندائيّون من وجود معاملة تفضيليّة تعكس تمييزاً في جانب آخر له علاقة باستثمار أوقافهم وعقاراتهم، ففي حين يباح للأوقاف المسلمة من قبل وزارة التّخطيط استثمار أراضيها في مشاريع مثل استخدامها كمرائب، ملاعب، فنادق وغيرها من المشاريع، لا يتاح للمندائيّين بناء دور ضيافة أو مدراس دينيّة أو حتّى دور سكن لرجال الدين، بل حتّى المشاريع ذات النفع العام لا يتاح للمندائيّين الاستثمار فيها مثل تشييد مستشفى على سبيل المثال.
المونيتور: هل هناك اشياء تخططين لعملها في المستقبل او تحلمين بتحقيقها؟
مغامس: أتمنّى توفير متطلّبات المندائيّين كأن يكون لديهم مندى ومجمّع أبنية إدارة ودور ضيافة ومدارس مندائيّة وأبنية ثقافيّة في كلّ محافظة يتواجدون فيها، مثل محافظة ميسان والبصرة والقادسيّة وذي قار. ولديّ طموح سياسيّ أن أمثّل المندائيّين على مستوى أعلى، وأن يكون لديهم عضو في البرلمان أو وزيرة، لا سيّما أنّ لديّ خبرة في مجال عملي الهندسيّ قد يكون ملائماً أن تجد مكانها في وزارة الإسكان والإعمار أو وزارة البلديّات وأمانة العاصمة، وهو ما أودّ أن أخدم بلدي من خلاله.
المونيتور: ما الّذي تطمحين لتقديمه إلى نساء الأقليّات؟
مغامس: ضمن عملي في مجال متابعة شؤون المرأة للأديان الثلاثة بالديوان، هناك مهمّة فوق طاقاتنا لمواجهة التّمييز ضدّ نساء الأقليّات من المسيحيّين والمندائيّين والإيزيديّين، وحتّى نساء الطوائف الإسلاميّة المختلفة الّتي عانت من ويلات الحروب والنزاعات الطائفيّة بين السنّة والشيعة، فهي الشريحة الأكثر تضرّراً. فمثلا، من يقتل زوجها او والدها في النزاع الطائفي بين الشيعة والسنة سوف تتحمل لوحدها إعالة أسرتها، وبالنّسبة إلى سبايا الإيزيديّات لدى “داعش” فتلك كارثة بكلّ المقاييس، فنحن نقف مكتوفي الأيدي، لا نستطيع أن نفعل شيئاً لتحرير الأسيرات من يدّ التّنظيم. لذا، جزء من عملنا في لجنة متابعة شؤون المرأة أن نخطّط أيضاً لحفظ كرامة المرأة، وأؤكّد مرّة أخرى لا نستطيع أن نفعل شيئاً استثنائيّاً مثل دفع فدية لتحرير بعض المختطفات من يد تنظيم داعش، او على الاقل توفير مأوى للناجيات الأيزيديات فقلّة التّخصيصات الماليّة تحرمنا من الفعاليّة.
المونيتور: في ضوء ذلك، هل أنتم عاجزون عمليّاً عن مساعدة نساء الأقليّات عموماً، والإيزيديّات اللّواتي تحرّرن من قبضة “داعش” خصوصاً؟
مغامس: لهذا السبب، لا يمكن أن تثنينا قلّة التّخصيصات الماليّة وتوقّف مشاريع الأوقاف عن عملنا، وإن كنّا نعمل في حدود الممكن، لكن في ظلّ عدم وجود خيار، كان لا بدّ أن نتحرّك لنفعل شيئاً، وسأعطي مثالاً، لقد وضعنا على قائمة أولويّاتنا في الديوان بناء مخيّم للناجيات الإيزيديّات من أسر” داعش”، وكذلك النازحات الإيزيديّات مع أطفالهنّ، وكنت في زيارة ميدانيّة في الأوّل من كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 لمنطقة شيخان، حيث قمنا ببناء مخيّم قرب معبد لالش المقدّس عند الإيزيديّين. ولقد بلغت تكلفة المشروع مليارين و600 مليون دينار عراقيّ، وسلّمناه إلى شركة مقاولات محليّة على أمل أن نحصل على تخصيصات من الحكومة العراقيّة في المستقبل لتسليم مستحقّاته الماليّة (الدفع بالآجل). وبحكم عملي كمسؤولة شؤون المرأة في الديوان، تفقّدت المشروع وتابعت أعماله من خلال زيارة ميدانيّة لحثّ المقاول على إكماله ومتابعة حاجاته. ولقد وضعنا سقفاً زمنيّاً لإنهاء المشروع لا يتجاوز الثلاثة أشهر، مع إضافة شهرين للأعمال الإضافيّة الّتي أعتبر أنا شخصيّاً مسؤولة مباشرة عنها، وهذا أقلّ ما يمكن لنا القيام به في ظلّ ظروفنا الحاليّة.