النقابات العراقية وفرصة للعب دور هام في المنتديات الاجتماعية
وسام جاسب عودة*
شباط ٢٠١٦- اسطنبول
النقابات العراقية وبوادر الأمل
لا يخفى على أحد حجم التحديات التي واجهت ولازالت تواجه النقابات العراقية وعلى مختلف الأصعدة ، الإدارية والتنظيمية و القانونية و الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. لكن بالرغم من كل ذلك إستطاعت النقابات ان تستمر بعملها وتحقق العديد من النجاحات وكان آخرها وابرزها هو المساهمة الفاعلة للنقابات في تشريع قانون العمل الجديد رقم (37) لعام 2015 بعد نضال طويل خاضته للنقابات العمالية العراقية إمتد الى أكثر من عشر سنوات. وجاء القانون متوافقا مع معايير العمل الدولية والتغيرات في سوق العمل ، حيث ساهمت النقابات العراقية ولأول مرة في تاريخ العراق في صياغة وتعديل مسودة القانون مع الشركاء الاجتماعيين عبر لجنة العمل البرلمانية وبدعم منظمات المجتمع المدني العراقية والمنظمات والمراكز النقابية الدولية وعلى رأسها منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات ومركز التضامن العمالي الدولي. ويمكن القول ان تجربة النقابات العراقية في موضوع صياغة وتعديل قانون العمل الجديد أعطت درسا لفئات المجتمع الأخرى وعموم الشعب العراقي في ان صناعة المستقبل يأتي عبر الشعب نفسه متى ما أراد ذلك ، وأن المساهمة في وضع التشريعات التي تتعلق بواقع ومستقبل الشعب والبلد هي أحد أهم الخطوات التي يمكن أن تحدث تغييرا إيجابيا سواءا على المستقبل القريب أو البعيد.
خطوات أخرى الى الأمام ..
نجاح النقابات العراقية في موضوع إصدار قانون العمل الجديد أعطاها الثقة بنفسها على إمكانية إجراء التغييرات الإيجابية على مستوى التشريعات العمالية وهذا سينعكس بالتأكيد على عملها على الأرض من زيادة زخم حملات التنظيم النقابي وإستقطاب أعضاء جدد للنقابات ، ومما يلفت النظر اليه ويعد أهم إيجابيات حملة قانون العمل هو عمل الاتحادات العمالية العراقية كفريق واحد في هذا الاتجاه مما يمكن أن يؤسس لمبادئ عمل نقابي مشترك في المستقبل القريب سواء ان توحدت الاتحادات في إطار واحد أو إن بقيت على حالها إتحادات متعددة لكن ستكون هناك تفاهمات وصيغ عمل جماعي مشترك.
إحدى نتائج العمل المشترك للنقابات هي الإستمرار في حملات تعديل التشريعات العمالية حيث تعكف النقابات العراقية منذ عامين على وضع مسودة للحقوق والحريات النقابية ووصلت النقابات الى مراحل متقدمة في موضوع الصياغات القانونية بعد أن وضعت الأطر العامة للمسودة وما يجب ان تتضمنه ليكفل الحريات النقابية وفق ما تنص عليه إتفاقيات العمل الدولية بهذا الخصوص وعلى وجه الخصوص إتفاقية الحقوق والحريات النقابية رقم 87 لسنة 1948.
وتواصل النقابات إجتماعاتها الأسبوعية الدورية في بغداد لاتمام الصياغات النهائية لمسودة الحريات النقابية لتقديمها الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والبرلمان العراقي كجزء من التزام الأطراف الثلاث بذلك الذي جاء في مؤتمر الحريات النقابية الذي نظمه مركز التضامن العمالي الدولي أواخر عام 2015 في أربيل بحضور جميع الاتحادات العمالية العراقية ومنظمة والحكومة والبرلمان والمفوضية العليا لحقوق الانسان ومنظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات. وتشارك الاتحادات الأخرى في كوردستان والبصرة في جميع الخطوات مع النقابات العراقية في إبداء الآراء والمقترحات بخصوص تلك المسودة.
على صعيد آخر ، نجحت النقابات العراقية في تمثيل عمال القطاع العام والوقوف مع نضال عمال القطاع الصناعي المطلبي للدفاع عن حقوق العمال خصوصا في شركات التمويل الذاتي لوزارة الصناعة والمعادن. حيث شاركت في جميع الاحتجاجات والمفاوضات وقدمت الدراسات المقترحات بخصوص النهوض بالصناعة العراقية وتأمين عمل لائق للعمال العراقيين مقترنا بالتأكيد على مسألة الأمان الوظيفي ورفض بيع أو خصخصة الشركات العامة بأي شكل من الأشكال. وإمتد نجاح النقابات العراقية في هذا الاتجاه ليشمل قطاعات الكهرباء والموانئ والنفط والسكك والنقل البري وغيرها من قطاعات قبل ان تتحول الاحتجاجات العمالية الى إحتجاجات شعبية تطالب بإجراء إصلاحات إقتصادية واجتماعية وسياسية والمطالبة بمحاربة الفساد المالي والإداري وإطلاق الحريات وبناء دولة مؤسسات بعيدا عن المحاصصة الطائفية وغيرها من مطالب شعبية.
جميع ما تقدم يبين حجم ما قامت به النقابات العراقية والطبقة العاملة العراقية في هذا الاتجاه ، وكان لها دور هام في مجال إرساء السلم الأهلي والعدالة الاجتماعية ، وتقرير الجلسة الحوارية للنقابات العراقية في المنتدى الاجتماعي العراقي يوم 3 تشرين الأول 2015 المرفق مع الورقة هذه يبين وبشكل جلي جهود النقابات في هذا الاتجاه ورؤيتها لمستقبل العراق عموما وتوصياتها في هذا الاتجاه.
الإحتياجات
تتمثل أبرز إحتياجات النقابات العراقية في المرحلة الراهنة ما يأتي:-
- إستمرار العمل على مشاريع القوانين العمالية التي لم تصدر بعد ومنها على وجه الخصوص قانون الحقوق والحريات النقابية وكذلك التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال. فلازالت النقابات تعمل على صياغة مقترح قانون الحريات النقابية على أمل تقديمه الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومجلس النواب العراقي خلال الربع الأول من هذا العام. أما مسودة قانون التقاعد والضمان الاجتماعي فلم تصل الى قبة البرلمان من مجلس شورى الدولة بعد.
- بعد إقرار قانون العمل الجديد فالنقابات بحاجة ماسة جدا الى تثقيف أعضاءها وعمال العراق كافة بمميزات القانون الجديد وما يتضمنه من حمايات قانونية للعمال ومنظماتهم النقابية. وكذلك النقابات بحاجة الى تدريب كوادرها القيادية حول آليات متابعة تطبيق القانون ورصد الإنتهاكات وتوثيقها للعمل مع فرق تفتيش العمل المشتركة لمعالجة تلك الانتهاكات في مختلف مواقع العمل.
- النقابات بحاجة الى تدريب متخصص حول إدارة الحملات وان يكون المشاركون من الكوادر الوسطية ومن الفئة الشبابية قدر الإمكان ليقوم المتدربين بمهمتين أ- تخطيط وإدارة الحملات للمدافعة عن حقوق العمال عموما والنساء والشباب على وجه الخصوص ، وكذلك الحملات الخاصة بإستقطاب أعضاء جدد للنقابات وزيادة حجم التنظيمات النقابية. ب- تقديم المشورة والتدريب اللازم للأعضاء الاخرين في النقابات القطاعية حول المواضيع المذكورة في البند (أ).
- النقابات بحاجة أكثر من أي وقت أن تركز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وأثرها على العمال والتحول من مرحلة التركيز على الإستراتيجيات التنظيمية الداخلية الى مرحلة وضع الدراسات حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي وأثره على العمال وتقديم الحلول والمقترحات اللازمة ومن ثم المشاركة في وضع المقترحات والحلول تلك بموضع التطبيق أو بالحد الأدنى الإشراف على التطبيق وذلك لإمكانية النقابات لعب دورا هاما ذلك من خلال علاقتها مع الوزارات واللجان البرلمانية..
- النقابات بحاجة الى تدريب متخصص حول سبل تعظيم الموارد المالية للمنظمات النقابية وسبل إستثمارها وديمومتها لتتمكن النقابات بالاخير من القيام بالانشطة التي تخطط دوما لتنفيذها والتي يقف المال عائقا بوجهها.
دمج النقابات بالمنتديات الاجتماعية
ليس من الأهمية ان تتواجد النقابات في المنتديات الاجتماعية فحسب بل يفترض أن تكون النقابات هي اللاعب الرئيسي في ذلك ، كون النقابات ومن ضمن أهدافها هو تناول القضايا الاجتماعية والإقتصادية والسياسية والمساهمة في رسم السياسات العامة للبلدان بالتشارك مع أطراف الحوار الاجتماعي الأخرى. إذن النقابات هي أكثر مما هي منظمات مجتمعية تقليدية . فهي تمتلك فضاء واسع للتحرك في عدة إتجاهات ( مع الجهات الحكومية ، مع أصحاب العمل ، مع أعضاءها ) مستفيدة من حجم عضويتها الكبير بتواجد ممثليها في أغلب مواقع العمل إن لم نقل جميعها في الحالات المثالية.
نشوء المنتدى الاجتماعي العراقي جاء في وقت يمر به العراق بمشاكل أمنية وإقتصادية وإجتماعية وسياسية مما أعطى المنتدى أهمية أكبر في أن يكون فضاء مفتوح للقاء كافة فئات المجتمع ( شبابية ، نسائية ، حقوقية ، بيئية ، إعلامية ) ، منظمات نقابية ، شبكات ومنظمات مجتمع مدني …الخ ، حيث يهدف لقاء تلك المكونات الى التفكير ومناقشة الأفكار الديمقراطية وصياغة المقترحات وتبادل التجارب بكل حرية والتحول من مراحل الاحتجاج الى مرحلة النقاش وتحليل السياسات الاقتصادية والاجتماعية ووضع الحلول المناسبة حيال كل قضية. وقد يأخذ المنتدى بعدا أوسع في أن يشكل نقطة إنطلاق لتعبئة فئات المجتمع المذكورة أنفا حول قضايا معينة تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي.
وفي وضع أمني غير مستقر يصبح من الصعب تنظيم منتديات إجتماعية ضخمة في العراق إضافة الى حداثة التجربة ، لكن بداية المنتدى الاجتماعي العراقي في دورتيه الأولى والثانية أعطت إشارات واضحة الى إمكانية إستمرار عمل المنتدى والارتقاء بأنشطته الى مستوى أعلى مما كان عليه في الدورتين الاوليتين مع شمول فئات أوسع في أنشطة المنتدى وكذلك تفعيل أنشطة منظمات يمكنها أن تكون بصورة أخرى ان توفر لها فرصة للإحتكاك وتبادل الخبرات.
وقبل ذلك كله يجب أن يدرس القائمون على المنتدى عدة أمور وعلى رأسها ، كيف ترى الفئات والمنظمات المنتدى وهل تعي تماما أهداف نشوء المنتديات الاجتماعية والنتائج المتحققة من ذلك والتطور الحاصل ما بين دورتي أول وآخر منتدى إقتصادي عالمي؟ وكيف تنظر الى المنتدى الاجتماعي العراقي عموما من حيث الشكل والمضمون؟ هل الفئات الفاعلة في المجتمع ممثلة في المنتدى وهل هناك فئات أخرى خارج المنتدى وكيف يمكن الوصول اليهم وإدماجهم في المنتدى؟ هل الفئات التي يضمها المنتدى فاعلة بما يكفي ويمكنها ان تساهم بصورة عملية في تطوير المنتدى؟.
من المعروف إن الرؤيا للمنتديات الاجتماعية تأخذ إتجاهين:-
- الاتجاه الأول : يرى المنتديات إنها مجرد فضاء للقاء وعرض الأنشطة لكل طرف بحضور الأطراف الأخرى بهدف المناقشة و تبادل الخبرات ووضع المقترحات. وينظر هذا الاتجاه للقائمين على اعمال المنتدى على انهم أشخاص لهم خبرة في تنظيم الاحداث والمؤتمرات الضخمة لجوانب قد تكون خلفياتها إستثمارية بطريقة ما.
- الاتجاه الثاني ينظر الى المنتدى الى إنه محطة لتوحيد قوى وتعبئة الفئات المجتمعية والمنظمات والنقابات حول قضية مجتمعية ذات إهتمام مشترك ، وهذا الاتجاه يؤمن بأهمية الانتقال من مرحلة مناقشة ذلك الموضوع وإقتراح البدائل الى المواجهة المباشرة لإحداث التغييرات.
ومن خلال مشاركتي في الدورتين السابقتين للمنتدى فإن الانطباع المتولد لدى النقابات على وجه الدقة يميل الى الرؤية مع الاتجاه الأول. وإن فرصة توسع مشاركة النقابات وتفاعلها لن يحدث عليه تطور ملحوظ إن إستمرت رؤيتها الى المنتدى وفق الإتجاه الأول. فالنقابات ، ووفق التحديات والنجاحات التي تطرقت لها سابقا ، تميل الى الأنشطة التي تمكنها من إجراء تغيير ملموس في الواقع الاقتصادي والاجتماعي. وهذا ليس بأمر صعب مع نقابات كالنقابات العراقية التي بوسعها فعل الكثير من أجل أفراد قليلين من العمال ، فما الحال إن كان الموضوع سيتعلق بملايين العمال وعوائلهم.
إن الجلسة الخاصة بدور النقابات في السلم الاجتماعي والحريات والعدالة الاجتماعية والمنعقدة في المنتدى الاجتماعي بدورته الثانية هي خير دليل لما تناولناه أعلاه ، فقد خرجت الجلسة بنقاط هامة جدا تتعدى موضوع تمثيل النقابات لأعضائها لتصل الى مناقشة مستقبل البلد الاقتصادي والاجتماعي وتحديد المشاكل ووضع المقترحات والحلول المناسبة في هذا الجانب. وهنا لا بد من بحث كيفية تمكين النقابات من مشاركة ذلك على نطاق واسع والإنتقال من مرحلة المناقشات والمقترحات الى مرحلة تبني وتنفيذ تلك المقترحات من قبل صانعي القرار في البلد بهدف إجراء التغيير الحقيقي.
ختاما أرى من المهم ان يطور المنتدى عبر لجنته الوطنية إستراتيجية التعامل مع النقابات العمالية وإيلاء ذلك أهمية قصوى والأهم أن تصل رسالة المنتدى بوضوح أكبر الى النقابات العراقية.
- منسق مركز التضامن العمالي الدولي – برنامج العراق
ورقة معدة في اطار الورشة الاستراتيجية المشتركة بين ألمنتدى ألاجتماعي ألعراقي ومبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي (ICSSI) تحت عنوان “عملٌ مشترك، نضالٌ مشترك”