المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

معركة الموصل في الإعلام: خطاب موحد وأغانٍ وطنية وبرامج حماسية

images-cms-image-000024625

مصطفى حبيب : نقاش

منذ الساعات الأولى لانطلاق معركة الموصل فجر الاثنين الماضي تغير منهاج وسائل الاعلام العراقية، واختفت برامجها الثقافية والاجتماعية وتحولت جميعها باتجاه معركة الموصل، وهي المرة الاولى التي تجتمع وسائل الإعلام العراقية باختلاف انتمائها حول قضية واحدة.

العشرات من القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات والاذاعات المحلية شاركت بكثافة في تغطية الحدث الأهم للعراقيين، فلمعركة الموصل قيمة رمزية لجميع العراقيين سنة وشيعة وكرداً لأنهم يعرفون جيدا ان طرد المتطرفين منها يعني الاحتفال بنهاية “داعس” الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد على مدى عامين مخلفا وراءه آلاف الضحايا من القتلى والجرحى والمهجرين.

القنوات التلفزيونية كانت لها الحصة الأكبر من تغطية المعركة عبر نشرات اخبار اكثر من السابق، وخصصت تغطيات استثنائية وطويلة تمتد لساعات يوميا تتضمن آخر أخبار المعركة ومناقشتها مع نواب ومحللين وسياسيين، وايضا عبر مراسليها الذين يرافقون قوات الامن العراقية عند الخطوط الامامية للمعركة.

الأغاني الوطنية والقصائد الشعرية انتشرت بسرعة في القنوات وعلى الاذاعات، حتى الفواصل القصيرة التي تمتد لثوان خصصت لمعركة الموصل عبر إحصاءات او لقطات لجنود عراقيين في المعركة وحتى مقاطع كوميدية مضحكة تنتقد المتطرفين.

عدد من الصحفيين والاعلاميين والفنانين أصدروا مقاطع فيديو كوميدية على صفحاتهم حول معركة الموصل، احدهم الصحفي احمد وحيد الذي قام بتقليد شخصية زعيم تنظيم “داعش” ابو بكر البغدادي وهو يلقي خطبة دينية، فيما قام فنانان آخران بلبس زي المتطرفين وتبادلا حوارا كوميديا حول اقتراب قوات الجيش العراقي من الموصل.

البرامج الاجتماعية والثقافية في القنوات والاذاعات تحولت جميع مواضيعها الى الموصل، بينما انتشر عشرات المراسلين في الشوارع للقاء المواطنين ونقل آرائهم حول المعركة، فيما خصصت الإذاعات ارقام اتصالاتها لنقل مشاعر العراقيين.

لغة مذيعي نشرات الأخبار ومقدمي البرامج تغيرت وأصبحت تتضمن كلمات حماسية ودعوات الى دعم المعركة، فيما ارتدى بعضهم الزي العسكري، وأصبحوا وكأنهم طرفا في القضية ويستضيفون سياسيين ونوابا يساندون آرائهم ولديهم التوجهات والمشاعر الحماسية ذاتها.

ومن المفارقة ان وسائل الاعلام العراقية التي تنتمي الى الحكومة او الاحزاب الشيعية والسنية والكردية واخرى مستقلة كانت غالبا ما تشهد تناقضا في التغطيات الاعلامية حول احداث سياسية وامنية سابقة، ولكنها اليوم تبدو تغطياتها موحدة من دون خلافات.

“شبكة الاعلام العراقي” وهي مؤسسة تابعة الى الحكومة وتمتلك ثلاث قنوات تلفزيونية وجريدة ومجلة واذاعات عديدة، اعلنت مع بدء المعركة عن تشكيل “تحالف الاعلام الوطني” الذي يضم وسائل الاعلام العراقية لتغطية معركة الموصل ومجابهة الشائعات.

وأعلن هذا التحالف الاعلامي عن مشاركة نحو (500) صحفي محلي في تغطية المعارك بعدما اصدر الجيش العراقي اجراءاته التنظيمية لتسلّم طلبات وسائل الاعلام حول مراسليها لتزويدهم بالمعدات اللازمة ونقلهم الى ارض المعركة عبر طائرات، واصبحت القنوات التي لا ترسل مراسليها الى المعركة منتقدة من الجميع.

العديد من المنظمات الخاصة بشؤون الصحافة نظمت ورشا سريعة للصحافيين حول كيفية تغطية الاحداث خلال المعركة واعدادهم ليكونوا مراسلين حربيين، كما وفرت مستلزمات الحماية من الدروع والخوذ وكيفية حماية انفسهم من الاشتباكات المسلحة عند الخطوط الامامية.

اما “نقابة الصحفيين العراقيين” المؤسسة المسؤولة عن شؤون الصحفيين في العراق طالبت وسائل الاعلام بتوحيد الخطاب الاعلامي، وقال رئيس النقابة مؤيد اللامي في بيان ان “على الاسرة الصحفية في البلاد اتخاذ موقف وخطاب إعلامي موحد وداعم في معركة تحرير الموصل”.

والشيء نفسه قامت به “هيئة الاعلام والاتصالات” المسؤولة عن مراقبة وتنظيم عمل القنوات التلفزيونية في العراق، كما ان سياسيين ونوابا اصدروا بيانات مشابهة لتوحيد الخطاب الاعلامي خلال المعركة.

وفعلا بدت تغطيات وسائل الإعلام والصحف والاذاعات متشابهة، وجميعها تنقل الاخبار التي تصدرها قوات الجيش العراقي ووزارة الدفاع والداخلية، وهي أخبار ايجابية فقط تتحدث عن قتل العشرات من المتطرفين، والسيطرة على عشرات القرى في محيط الموصل من دون صور ومقاطع فيديو تثبت ذلك.

مراسل قناة تلفزيوني محلي طلب عدم كشف اسمه لأسباب امنية، قال لـ “نقاش” “في الواقع الصحفيون لا يتحركون بحرية في جبهات المعركة، القوات الامنية تقوم بأخذنا الى مواقع عسكرية معينة والكل يتحدث عن معنويات الجنود الايجابية فقط”.

ويقول ايضا “في هذه الاجواء من الصعب ان تنقل أحداثاً سلبية، ومثلا لا نستطيع نشر اخبار عن تراجع الجيش العراقي، او الهجمات التي يقوم بها المتطرفون على الجنود على الرغم من اننا نسمع بذلك، لان من يقوم بذلك من الصحفيين سيعتبر خائنا للوطن”.

ويتواجد العشرات من المراسلين والصحفيين في قاعدة القياصرة العسكرية جنوب الموصل التي أصبحت مركزا إعلاميا لعقد المؤتمرات الصحفية واستقبال المراسلين، إضافة الى مركز صحفي اخر في مدينة أربيل يعقد فيه المتحدثون المخولون من الجيش والبيشمركة مؤتمرات صحفية يومية.

صحفيون ومراسلون محليون آخرون انتقدوا المكاتب الاعلامية لقوات الجيش بسبب اختلاف المعاملة بين وسائل الاعلام المحلية والأجنبية، ويقول عمار حميد وهو مراسل لاحدى القنوات المحلية لـ “نقاش” “المراسلون الاجانب يحصلون على تسهيلات اكثر منا، هم يستطيعون الوصول الى ثكنات الجيش في الصفوف الامامية، اما نحن لا نستطيع ذلك”.

“فريق الاعلام الحربي” التابع الى هيئة “الحشد الشعبي” اعلن مشاركته في التغطية الاعلامية للمعركة، ونشر مقاطع فيديو وهو يرافق صحفيين اجانب، ونشر “الحشد الشعبي” على صفحته في “الفيسبوك” مقطع فيديو لاثنين من الصحفيين وهم يمدحون القوات الامنية العراقية ويتمنون القضاء على المتطرفين.