نهر سيروان مهدّد بالجفاف: سدّ إيراني يعطّش مناطق واسعة في كردستان والعراق
مع كون نهر سيروان شريانا مائيا مهما لإقليم كردستان فانه في الوقت ذاته بات جزءا مهما من تراث المنطقة حيث سمى آلاف الأمهات والآباء أبناءهم باسمه كما ذكر اسمه في كثير من القصائد والأغاني والأمثال الكردية.
وتخشى السلطات في إقليم كردستان منذ أعوام انتهاء مشروع “سد داريان” في محافظة كرمانشاه الإيرانية، فعلى الرغم من بعده عن الأراضي العراقية بـ (28 كم) إلا أن له تأثيرات مباشرة إذ سيعطش جزءا مهما من أراضي اقليم كردستان. وقد بدأ بناء السد عام 2009 ومن المقرر أن ينتهي نهاية عام 2018.
وظهرت بدايات الخطر خلال الفترة الماضية بوضوح عندما قامت إيران تشغيل السد بشكل تجريبي ما أدى الى انخفاض كبير في مياه نهر سيروان.
وينبع نهر سيروان من جبل زاكروس في الأراضي الإيرانية ويبلغ طوله (445 كم) ويدخل أراضي الإقليم من محافظة حلبجة ويصل الى السليمانية ثم إلى ديالى ويصب في نهر دجلة جنوب بغداد. وقد بني عليه خلال تلك المسافة سدان كبيران، الأول هو سد دربنديخان في محافظة السليمانية والثاني هو سد حمرين في محافظة ديالى، ويعتبر النهر بالإضافة إلى كونه مصدرا مهما لتأمين مياه الشرب والطاقة الكهربائية، شريان مشاريع الري وصيد الأسماك.
ويتكون المشروع الإيراني من جزأين، الأول هو سد داريان لجمع مياه النهر، والثاني هو النفق المائي “نوسود” الذي بنته في منطقة هورامان في كردستان إيران وسيغير مجرى المياه ويتم الاستفادة منه لمشاريع الري وإنتاج الكهرباء حيث بإمكانه توليد 230 ميغاواط من الكهرباء.
واذا كان المشروع يمثل نعمة كبيرة لإيران فانه سيمثل نقمة وأزمة كبيرة بالنسبة لمحافظات حلبجة والسليمانية وديالى العراقية.
وأفاد تقرير نشر من قبل “حملة إنقاذ دجلة والاهوار العراقية ” #Save_Tigris” في شهر تشرين الاول (اكتوبر) هذا العام بان “المشروع سيتسبب في ازمة مياه كبيرة في محافظات حلبجة والسليمانية وسيتم فقدان (3200) هكتار من الأراضي الزراعية في حلبجة وسيد صادق ودربنديخان”.
واشار التقرير الى ان مشروع مياه الشرب سيتضرر كثيرا وسيفقد سد دربنديخان قدرته على توليد الكهرباء اذ ان 75% من مصدره يأتي من نهر سيروان هذا بالإضافة إلى تسببه في اضرار كبيرة لقطاع الزراعة وصيد الاسماك والمياه الجوفية والبيئة “كما سيكون له تأثير مباشر على السلم الاجتماعي بين المواطنين في إيران وكردستان”.
ويبدو ان من بين كل ذلك ستمثل أزمة مياه الشرب المشكلة الكبرى بالنسبة لاقليم كردستان اذ أن انتهاء السد يعني فشل اكبر مشروع لمياه الشرب في المنطقة.
وقد أنجز مشروع كبير لتأمين مياه الشرب لحلبجة وسيد صادق في شهر حزيران (يونيو) الماضي حيث يؤمن على مدار الساعة مياه الشرب لمنطقة واسعة ومكتظة بالسكان، وتوقع مسؤولو المنطقة أن المشروع كان سيحل مشكلة نقص المياه في المنطقة لمدة 25 سنة مقبلة إلا ان المشروع الإيراني أجهض هذا الحلم.
ويحتاج المشروع يوميا إلى (50) الف متر مكعب من المياه وتأمين هذا الكم بإمكان نهر سيروان وحده.
وقال كاوه علي نائب محافظ حلبجة لـ “نقاش”: لقد “تم انشاء المشروع من قبل شركة يابانية بمبلغ 175 مليون دولار، ولكنه معرض لخطر كبير وقد يتعطل عن العمل ويذهب المبلغ سدى ويبقى سكان حلبجة وسيد صادق دون ماء”.
وأضاف: “على الرغم من بناء السد فقد قامت ايران بحفر نفق في الجانب الآخر منه لتغيير مجرى المياه حتى لا يصل منها شيء الى اقليم كردستان”.
وتابع نائب المحافظ يقول: “انه خطر كبير على مشروع ماء حلبجة وسد دربنديخان والآلاف من فلاحي اقليم كردستان والحيوانات البرية نظرا لكون المنطقة جبلية كما سيؤدي الى نفوق ملايين الأسماك لذلك حذرنا مسؤولي الاقليم من هذه المشكلة الكبيرة”.
وقال أيضاً: “عندما بدأت إيران الشهر الماضي بتجربة عمل السد انخفضت مستوى مياه النهر اربعة امتار عند قرية سازان خلال ثلاثة ايام فقط، وهي اول قرية تصب منها مياه النهر الى أراضي الإقليم، وكان ذلك كله على سبيل التجربة وإلا سيجف نهر سيروان تماما عند انطلاق عمل السد والنفق”.
وأجرى مسوؤلو المنطقة وسلطات إقليم كردستان منذ فترة طويلة اكثر من مرة اجتماعات مع القنصل الإيراني ومسؤولين إيرانيين آخرين الا انهم لم يحصلوا على رد واضح للحل وكل ما سمعوه هو ان بناء السد شأن داخلي إيراني.
وأشار أنور عمر المتحدث باسم وزارة الزراعة والموارد المائية في الإقليم إلى أن وزير الزراعة اجرى خلال زيارة له إلى إيران لقاءات عدة مع المسؤولين الإيرانيين كان عدد منها متعلقا بمشكلة نهر سيروان.
وقال عمر لـ “نقاش”: لقد “تحدث الوزير مع نائب رئيس الجمهورية الإيراني حول الموضوع وابلغه عتابه ومخاطر جفاف نهر سيروان في حال انجازهم لمشروع سد داريان ونفقه في منطقة هورامان شرق كردستان اذ سيشكلان خطرا على مشروع مياه الشرب في حلبجة وسيد صادق والزراعة في الإقليم”.
وأضاف: “مع الاسف لم نحصل على رد من المسؤولين الإيرانيين حول الامر في وقت تستمر أعمالهم، لذلك هناك خطر كبير يهدد بجفاف النهر”.
ولعل المنفعة الوحدة لتشغيل السد بشكل مؤقت بالنسبة لأهالي حلبجة وضواحيها هي صيد أعداد قليلة من الأسماك في مياه النهر ودون عناء حيث يؤدي انخفاض مستوى المياه الى طفو أعداد من الأسماك الى سطح الماء لذلك يقبل كثير من الأهالي على النهر لصيد الأسماك.
ويدرك اهالي المنطقة جيدا ان فرحتهم هذه مؤقتة ويعتري أنفسهم من الداخل حزن عميق لان جفاف سيروان بالنسبة لهم يؤدي الى فقدان اكبر مصدر لدخلهم وحياتهم.