المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

برغم تحرير مدينتهم قبل ثلاث سنوات: نازحو “جرف الصخر” ممنوعون من العودة حتى إشعار آخر

مصطفى حبيب – نقاش

قرار مثير للجدل اتخذه مجلس محافظة بابل يقضي بمقاضاة أي شخص يطالب بعودة نازحي بلدة “جرف الصخر” إلى منازلهم، فالبلدة التي استعادتها قوات الأمن العراقية قبل ثلاثة أعوام تحولت إلى مدينة أشباح خالية من سكانها.

يعيش حامد الجنابي وعائلته المكونة من ستة أشخاص في غرفة لا تزيد مساحتها عن ثلاثين مترا في بلدة المسيب شمال بابل تاركاً منزله الكبير ومزرعته في بلدة “جرف الصخر” بعدما اندلعت الاشتباكات المسلحة بين تنظيم “داعش” والجيش العراقي وحلفائه من الفصائل الشيعية قبل ثلاث سنوات.

ومنذ ذلك الحين تعيش عائلة حامد وآلاف من أمثاله من سكان البلدة كنازحين في بلدة “المسيب” المجاورة، ويعانون من ظروف اقتصادية صعبة بعدما تركوا منازلهم ومزارعهم التي يعيشون عليها، وفقدوا ممتلكاتهم، فيما قرر آخرون السكن في إقليم كردستان والأنبار.

يقول حامد لـ”نقاش”: “مدينتنا تحررت من الإرهابيين قبل ثلاثة أعوام، ولكن حتى الآن لم يسمح لنا بالعودة، يتهمنا الجميع بأننا إرهابيون، بينما نحن سكان عزّل نعتاش على الزراعة، عاد النازحون الى مدينة الفلوجة التي يسميها السياسيون بعاصمة داعش، وكذلك الحال في الموصل وصلاح الدين، ولكننا ممنوعون من العودة”.

الخميس الماضي اتخذ مجلس محافظة بابل قراراً يتضمن مقاضاة السياسيين الذي يطالبون بعودة الآلاف من سكان بلدة “جرف الصخر” الواقعة شمال بابل إلى منازلهم، وهو ما أثار موجة استياء من قبل القوى السياسية السنية، كما خاب أمل عائلة حامد الجنابي وباقي النازحين من إمكانية العودة لمسقط رأسهم.

قوات الأمن العراقية ومعها الفصائل الشيعية سبق واستعادت البلدة من تنظيم “داعش” في تشرين الاول (اكتوبر) عام 2014 بعد معارك شرسة، وقرر المنتصرون حينها تغيير اسم البلدة إلى “جرف النصر”، في إشارة الى الانتصار على المتطرفين.

ولكن على خلاف باقي المدن التي حررتها قوات الامن العراقية طيلة السنوات الثلاثة الماضية، لم يسمح لسكان “جرف الصخر” بالعودة الى منازلهم، وبقيت البلدة مدينة أشباح بلا سكان باستثناء الفصائل الشيعية التي تنتشر فيها وأبرزها “بدر” و”عصائب أهل الحق”، وترفض هذه الفصائل ومعهم أعضاء في مجلس محافظ بابل عودة السكان.

عضو لجنة المهجرين والمهاجرين في البرلمان النائب رعد الدهلكي يقول لـ”نقاش” إن “منع سكان جرف الصخر من العودة الى مدينتهم جزء من محاولات إجراء تغيير ديموغرافي في البلاد كما يحصل في ديالى وصلاح الدين وضواحي بغداد وحتى في نينوى”.

ويضيف ان سكان “جرف الصخر ما زالوا نازحين منتشرين في إقليم كردستان والانبار، ولم يرجع اي منهم الى منزله على الرغم من تحرير المدينة منذ ثلاثة أعوام، اما ما تبقى من سكانها الذين نزحوا الى بلدات مجاورة لجرف الصخر يتعرضون بين الحين والآخر الى الاختطاف والاعتقال”.

موقع استراتيجي
تقع بلدة “جرف الصخر” شمال محافظة بابل وترتبط بأرض منبسطة مع مدينة الفلوجة في الأنبار، وتبعد (60 كلم) عن العاصمة بغداد، وكان يقطن البلدة قبل هجوم “داعش” نحو ثلاثين ألف شخص غالبيتهم من السكان السنّة يغلب عليهم الطابع العشائري ويمتهنون الزراعة مستفيدين من وقوعها على نهر الفرات وتكثر فيها زراعة النخيل وأشجار الفواكه.

عندما هاجم تنظيم “داعش” العراق في صيف العام 2014 واحتل ثلث مساحته شملت نينوى والانبار واجزاء واسعة من صلاح الدين، وصل المتطرفون الى ضواحي بغداد الجنوبية بينها بلدة “جرف الصخر” ضمن خطة كانت تتضمن احتلال بغداد، وفقا للقائد الميداني في قوات “الحشد الشعبي” مجيد السهلاني.

يقول السهلاني الذي يقود مجموعة من المقاتلين شمال بابل، لـ “نقاش”: “عندما عمت الفوضى في البلاد بعد انهيار قوات الجيش في البلاد، خطط داعش لاحتلال بغداد، ولتحقيق ذلك سيطر الإرهابيون على جرف الصخر القريبة من الطريق السريع الذي يربط بغداد مع المحافظات الجنوبية، وكان يسعى لقطع هذا الطريق لمنع قوات الحشد الشعبي من إنقاذ العاصمة”.

ويضيف أن “الحشد الشعبي تمكن من تنفيذ عملية عسكرية كانت من أصعب وأكثر المعارك تعقيدا لاستعادة السيطرة على هذه البلدة المهمة وشارك فيها غالبية فصائل الحشد الشعبي حتى تمكنا من طرد الإرهابيين”.

وعن أسباب منع سكانها النازحين من العودة الى منازلهم، يقول السهلاني “بصراحة هناك مخاوف من تسلل الإرهابيين مجددا الى المدينة، قدمنا عشرات الشهداء والجرحى لتحريرها ولن نسمح بتكرار ما جرى، وهناك العشرات من سكانها انضموا الى داعش وقبلها الى تنظيم القاعدة والفصائل المسلحة المحلية بعد عام 2003، نحتاج الى بعض الوقت للتأكد من الوضع الأمني”.

قرار مثير للجدل
بلدة “جرف الصخر” عادت الى واجهة الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، وبدأت القصة منذ مطلع الشهر الحالي اذ اعلنت قوات الامن العراقية عن حدوث هجمات إرهابية متفرقة تعرضت لها البلدة ومصدرها الصحراء المجاورة لها في الانبار، كما أعلن رئيس مجلس محافظة بابل رعد الجبوري ان عشر عمليات إرهابية حصلت في “جرف الصخر” خلال شهر واحد.

ولكن النائب في البرلمان العراقي كامل الغريري اعتبر تصريحات الجبوري غير صحيحة وتهدف الى منع عودة النازحين، وقال في بيان رسمي “كيف تحدث عمليات إرهابية في منطقة خالية من السكان تماما ومقطوعة عن العالم الخارجي، وتنتشر فيها القوات الامنية فقط”.

ويضيف أن “الهدف من تلك التصريحات إيجاد تبريرات لعدم إعادة نازحي جرف الصخر تحقيقا لأهداف سياسية تتعلق بإجراء تغيير ديموغرافي يعمل عليه من خلال تغيير العقود الزراعية لأشخاص آخرين من خارج الناحية حسب المعلومات التي تردنا”.

ومنذ أيام يتبادل المسؤولون الشيعة والسنة الاتهامات حول “جرف الصخر”، وتطورت القضية حتى اصدر مجلس محافظة بابل الذي يسيطر عليه “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الخميس الماضي قرارا يتضمن مقاضاة السياسيين الذي يطالبون بعودة النازحين الى “جرف الصخر”، وهو ما أثار موجة استياء من قبل القوى السياسية السنية، حتى أن الأمم المتحدة انتقدت القرار.

ويقول النائب محمد الكربولي عن “اتحاد القوى العراقية الوطنية” (وهو تحالف يضم جميع الأحزاب السنية في البلاد) لـ “نقاش” إن “القرار انتهاك للحقوق المدنية للمواطن العراقي، الهدف منه تنفيذ مشاريع التغيير الديموغرافي المبنية على دوافع طائفية”.

الكربولي أضاف ان “غالبية أهالي جرف الصخر لم يتعاونوا مع الإرهاب حالهم حال سكان الفلوجة والرمادي وصلاح الدين الذين عادوا الى منازلهم، ولكن لماذا لا يعود سكان جرف الصخر أيضاً”، الكربولي طالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتدخل في هذه القضية وإعادة النازحين الى منازلهم.

حتى أن بعثة الامم المتحدة في العراق (يونامي) انتقدت قرار مجلس محافظة بابل، وقالت في بيان رسمي ان “القرار يمثل محاولة لترهيب السياسيين العراقيين لمنعهم من أداء واجبهم في العمل من أجل تحسين أوضاع المواطنين، والذين قاسى الآلاف منهم ظروفاً صعبة لشهور عديدة بعيداً عن ديارهم ومصادر رزقهم، وبعيدا عن عائلاتهم في كثير من الحالات”.