مشروع للتحكيم العشائريّ يقوّض سلطة القانون في العراق
بقلم مصطفى سعدون – Al-monitor
بغداد – في وقت تكثر فيه الدعوات داخل العراق إلى ضرورة تعزيز سلطة القانون وتقوية مؤسّسات الدولة العراقيّة، أعلنت وزارة العدل في 28 آذار/مارس عن إطلاق مشروع “التحكيم” العشائريّ الذي يسمح لمجموعة من شيوخ العشائر بالتدخّل في حلّ النزاعات العشائريّة والتحكيم في كلّ ما يمكن أن يحدث من خلافات وصراعات بين العشائر العراقيّة. وستسمّى هذه المجموعة المكوّنة من 47 شيخ عشيرة بـ”العوارف”، وتمّ اختيار أعضائها من قبل وزارة الداخليّة العراقيّة، وسيكلّفون بمهامّ عدّة، أبرزها الحدّ من توسّع النزاعات العشائريّة والتركيز على “إحلال السلم المجتمعيّ في المحافظات العراقيّة”، بحسب بيان لوزارة العدل.
الـ47 محكماً الذين شكّلوا فريق التحكيم واختارتهم وزارة الداخليّة العراقيّة وفق مذكّرة تفاهم مع وزارة العدل، سيكون عملهم بشكل تطوعيّ ولا يحصلون على أيّ رواتب من الدولة العراقيّة، إضافة إلى أنّ أسماءهم التي دقّقتها وزارة الداخليّة عرضت على شيوخ عشائر القبائل العراقيّة للموافقة عليها.
وأشار بيان لوزارة العدل العراقيّة صدر في 28 آذار/مارس الماضي إلى أنّها (وزارة العدل) “اعتمدت كوكبة من المحكمين العشائريّين المعروفين لحلّ النزاعات”.
ووصف البيان المحكمين العشائريّين بـ”صمّام أمان للمجتمع، الذي سيكون له دور كبير في تدعيم الأمن وإحلال السلم المجتمعيّ في عموم محافظات البلاد”.
ودافع رئيس لجنة العشائر في مجلس النوّاب وأبرز الساعين إلى إقرار مشروع التحكيم العشائريّ عبّود العيساوي عن المشروع، الذي قال عنه إنّه: “سيدعم القانون ويحافظ على العشيرة ويمنع الإساءة إليها من قبل شخصيّات ليست لها علاقة بها ولا تعمل وفق معاييرها الدينيّة والاجتماعيّة”.
أضاف في حديث لـ”المونيتور”: “هذا المشروع لن يكون بعيداً عن الشريعة الإسلاميّة ولن يكون مخالفاً لحقوق الإنسان، ونعمل في الفترات المقبلة على أن يكون منظّماً أكثر ومنسجماً مع عمل الدولة العراقيّة”.
ووزّع المحكمون على المحافظات العراقيّة، حيث سيكون في العاصمة بغداد 4 محكمين، وفي الكرخ إثنان، ومثلهما في الرصافة، بينما يتوزّع الآخرون على محكم أو إثنين لكلّ محافظة، ويرتبطون بشكل مباشر بوزارة العدل العراقيّة.
وقال شيخ عشيرة في قبيلة آل فتلة سرحان الفتلاوي لـ”المونيتور”: “إنّ وجود مشروع كهذا يُمكنه أن يلعب دوراً في إبراز دور العشيرة في البناء المجتمعيّ ودعم الدولة العراقيّة، خصوصاً أنّ العشيرة العراقيّة لها إنجازات على مرّ تاريخ البلاد. ولذا، لا نجد أيّ ضرر في مثل هذا المشروع، الذي سيقطع الطريق على من يشجّعون الثأرات العشائريّة”.
أضاف: “هناك تفاقم كبير للمشاكل العشائريّة التي تتطوّر وتصبح نزاعات لأسباب بسيطة وصغيرة، وهذا كلّه بسبب بعض الذين اعتبروا أنفسهم شيوخ عشائر، وهم ليسوا كذلك. نعتقد أنّ مشروع التحكيم العشائريّ سيكون مركزاً أساسيّاً للعشائر، وسيساعد على إنهاء النزاعات والصراعات قبل أن تتطوّر إلى اشتباكات مسلّحة مثل تلك التي تحدث في بعض مناطق جنوب العراق”.
هذا في حين أنّ مشروع القانون يأتي في وقت تشتدّ فيه وتتفاقم الصراعات بين العشائر العراقيّة، خصوصاً في محافظات جنوب العراق التي تشهد في شكل مستمرّ نزاعات عشائريّة تتطوّر إلى استخدام السلاح، ليس الخفيف فحسب، بل المتوسّط والثقيل.
ولم يلق هذا المشروع ترحيباً من قبل المجتمع المدنيّ، حيث اعتبر بمثابة “دعاية” إنتخابيّة لجهات سياسيّة وتقويضاً لعمل مؤسّسات الدولة العراقيّة، بحسب وصف الناشط والمدوّن إبراهيم الفتلاوي، الذي قال أيضاً لـ”المونيتور”: “نحن في بلد معروف أنّه سنّ القوانين منذ 7 آلاف عام، فكيف يمكننا اليوم أن نعيش أو نتعايش مع مشاريع وقرارات تُعزّز سطوة العشيرة ونفوذها داخل مؤسّسات الدولة العراقيّة؟”.
واستغرب إبراهيم الفتلاوي “عدم وجود تحرّك برلمانيّ لنقض ما عملت عليه وزارتا العدل والداخليّة من خلال إطلاق مشروع التحكيم العشائريّ، الذي سيلغي دور القانون شيئاً فشيئاً”.
يخالف مشروع التحكيم العشائريّ الدستور العراقيّ، الذي نصّ في مادّته الـ45 (ثانياً) على “حرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقيّة بما يساهم في تطوير المجتمع ويمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان”. وهنا، تكمن المشكلة في بعض الأعراف العشائريّة، التي لا تتطابق مع القانون ومبادئ حقوق الإنسان.
ومن الأعراف التي لا تتطابق مع حقوق الإنسان، تلك المتعلّقة بـ”النهوة”، وهو مصطلح يمنع بنت العمّ من الزواج بأيّ شخص حتّى وإن أرادته بمجرّد أن يقول إبن عمّها أنّه يريدها، هذا إضافة إلى “الثأر” و”الفصل” الذي يسمح لشيوخ العشائر بتحديد المبلغ الذي يدفع كتعويض من عشيرة الجاني إلى عشيرة المجني عليه في أيّ مشكلة.
وقال كبير الباحثين في الصندوق الوطنيّ للديموقراطية في واشنطن رحمن الجبّوري لـ”المونيتور”: “بعد آلاف السنين من الحضارة العراقيّة، تأتي الدولة بمشروع كهذا يراد منه غايات إنتخابيّة، وليس قانوناً تقرّه الدولة”.
أضاف: “هذا القانون سيّىء. ولذا، على الدولة العراقيّة أن تعمل وفق الآليّات الدوليّة الخاصّة بحقوق الإنسان والعمل المؤسساتيّ، ولا يمكن لمشروع كهذا أن يعزّز دور القانون وسلطته ويجعلنا متساوين أمامه”.
ويبدو أنّ عمل فريق مشروع المحكمين سيكون موازياً لعمل القضاء العراقيّ، حيث ستشكّل لجنة من الـ47 تكون بمثابة هيئة رئاسة، ويمكن للمتخاصمين إمّا اللجوء إلى القضاء وإمّا اللجوء إلى المُحكمين الذين أدخلوا في دورات تدريبيّة حول ضرورة عدم معارضة قراراتها للأحكام الإسلاميّة والقانون العراقيّ.