نشطاء المياه يزورون الاهوار في نشاط تبادل ثقافي بين شمال العراق وجنوبه
في حدث غير مسبوق، تم تنظيم نشاط تبادل ثقافي فريد بين ناشطي المياه العراقيين والكرد بين الشمال والجنوب، في إطار حملة انقاذ نهر دجلة للفترة من 23 إلى 27 مارس 2018 في جنوب العراق. إذ قام وفد كردي بناء على دعوة من ناشطين عراقيين من حماة دجلة بجولة في أهوار العراق، والتقى الوفد بالشباب والناشطين وزعماء القبائل المحليين. بالنسبة لبعضهم كانت هذه هي المرة الأولى لزيارة الأجزاء الأخرى من العراق خارج إقليم كردستان. يذكر الأهوار ، التي تقع بين دجلة والفرات ، قد تم تسجيلها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2016 كجزء من أهوار العراق.
على الرغم من أن العلاقات بين بغداد وأربيل يتم العمل على إصلاحها في الوقت الحالي بعد تصدعها في وقت سابق، إلا أنها لم تستعد بعد وضعها الطبيعي ولا تزال هناك فجوة بين الطرفين. يذكر انه في احداث سابقة قد هددت بعض المناطق والمحافظات داخل العراق بقطع إمدادات المياه عن بعضها البعض، وما زال توزيع حصص المياه موضع خلاف حاد. في غضون ذلك، تظل حماية النظام البيئي لنهر دجلة والفرات ضرورة ملحة للمنطقة برمتها بصرف النظر عن السياسات المتبعة. تواجه الأهوار العراقية التحدي المتمثل في الحفاظ على إمدادات المياه في مواجهة الجفاف والسدود مثل إليسو في تركيا. في إقليم كردستان ، قامت السدود الإيرانية بقطع التدفق عن المناطق الحدودية بشكل متكرر. يصل تأثير النفايات على جودة المياه إلى مستويات الذروة اليوم في كلا المنطقتين.
ولذلك كان الهدف من هذه الزيارة هو قيام وفد من الشمال بالتعرف على مواقع التراث الطبيعي الرئيسية، والتحديات التي يواجهها الناشطون البيئيون في جنوب البلاد، وبناء علاقة أقوى مع زملائهم الجنوبيين. تألف الوفد من خمسة نشطاء من مجموعة العمل المعنية بحقوق المياه في كردستان، برفقة ناشطين من المجموعة الموازية في بقية أنحاء العراق. في اليوم الأول زار الوفد الأهوار الوسطى في قضاء الجبايش والتقىوا بمجتمعات السكان الأصليين في الأراضي الرطبة، وزعماء القبائل في الجبايش الذين يتجمعون يومياً بشكل تقليدي في المضيف. وقال الشيوخ للوفد إن كلا من إقليم كردستان وجنوب العراق مهملين، وكلاهما بحاجة إلى دمج جهودهما لتحسين الوضع. كما ناقش ناشطون بيئيون محليون من منظمة طبيعة العراق ومنظمات أخرى إمكانية التعاون معًا في أنشطة المدافعة المستقبلية في الأهوار، والتي ستساعد في التأكيد على البعد الإقليمي للتحديات التي تواجهها الأراضي الرطبة.
بعد اقامة لمدة يومين في قضاء الجبايش، انتقل الوفد إلى مدينة الناصرية، حيث زاروا مركز مشحوفنا الثقافي. تم افتتاح هذا المركز مؤخراً من قبل المنتدى الاجتماعي العراقي و منظمة جسر الى الايطالية، ويعمل كقاعدة انطلاق للعمل المشترك بين منظمات المجتمع المدني التي تركز على حقوق الإنسان والبيئة، مع التركيز القوي على قضايا التراث العراقي. التقى الوفد مع المتطوعين الشباب من المركز ومنتدى انا احب ذي قار لمعرفة المزيد عن بعضهم البعض. قدم نصير باقر (مركز مشحوفنا) فكرة عن عمل المركز ونشاطة في محافظة ذي قار، في حين قدم سلمان خيرالله (حماة دجلة) الوضع الحالي في الأهوار العراقية والتحديات التي تواجهها هذه الأراضي الرطبة، عن طريق الخرائط والصور. قدم علي الكرخي وتون بايننس (حملة إنقاذ دجلة) لمحة عامة عن حملات المياه الأخيرة في جميع أنحاء البلاد. بعد ذلك تحدث كل من نبيل موسى وروزان فريدون (Waterkeepers Iraq) عن نشاط منظمات المجتمع المدني في إقليم كردستان للحفاظ على أنهارها. في الناصرية ايضاً، ذهبت المجموعة إلى متحف الحضارة في المدينة لرؤية بعض الكنوز الأثرية في بلاد ما بين النهرين. ثم انضموا إلى مجموعة من 20 شابًا عراقيًا لزيارة مدينة أور القديمة كجزء من نشاط نظمه مركز مشحوفنا الثقافي. أور واحدة من المواقع الأثرية الثلاثة المدرجة ضمن ملف أهوار العراق على لائحة التراث العالمي. ولاحظ الوفد أن المواقع الأثرية تتطلب مزيدا من الخرائط والحفظ. في نهاية اليوم، قام الشباب بعزف أغاني عراقية تقليدية على الآلات الموسيقية العربية بينما كانت الشمس تغرب على أور.
في اليوم الأخير من الزيارة ، انتقل الوفد إلى مدينة العمارة ، حيث انضم إليهم الناشط البيئي أحمد صالح نعمة (الذي هو جزء من مجموعة العمل المعنية بحقوق المياه ومقرها بغداد) للقيام بجولة في هور الحويزة، الذي يعد احد الاهوار الاربعة الابرز في جنوب العراق، ويقع على الحدود العراقية الإيرانية. وتتمثل التحديات الرئيسية هنا في التخلص من تصريف المياه من الجانب الإيراني وآثار التلوث الناجم عن استخراج النفط القريب. بين هذه الزيارات والجولات بالطبع كانت هناك العديد من الفرص للتنمية الاواصر الاجتماعية ووضع الاستراتيجيات المشتركة. أثناء تنقلهم على الطرق الخارجية بين المدن والاقضية، تشارك الوفد الأغاني العراقية القديمة والطعام والمرح والرؤية المشتركة لتراث البلاد.
السدود الكبيرة ، والتلوث ، والجفاف هي تهديدات تتخلل الانقسامات الثقافية والسياسية؛ يشترك نشطاء المياه والانهار في كردستان وبقية العراق في نفس الصراعات التي لا تتطلب الحلول المحلية فحسب بل الإقليمية ايضاً. أظهر المجتمع المدني العراقي والكردي من خلال هذه الزيارة أن التعاون يمكن ان يكسر قيود الانقسامات السياسية والثقافية. من الجدير بالاشارة ان هذه الزيارة ستتكرر في وقت لاحق من هذا العام عندما يزور وفد من نشطاء الجنوب إقليم كردستان.