مياه، ثقافة وفنون، رياضة، وتماسك اجتماعي، هكذا يسعى شباب مدينة قامشلو لتفعيّل دورهم في المدينة التي أعلنوا عن حبهم لها
مبادرة نحن نحب قامشلو، تموز ٢٠١٨
القامشلي، أو قامشلو، المدينة السورية الواقعة في الشمال الشرقي، مدينة الحب كما يسميها أطفالها وشبابها وشيوخها، تتسم بفسيفساء مجتمعية فريدة وتنوع ديني وعرقي جميل وواسع. من هذه المدينة انطلقت المبادرة الشبابية “نحن نحب قامشلو” منذ بداية عام 2017 والتي تعمل على تنظيمها منظمة دوز مع مجموعة من الشباب السوري بهدف التغلب على المشاكل الاجتماعية والثقافية الناجمة عن الحرب الدائرة في البلاد.
استهلت مبادرة “نحن نحب قامشلو” العام ٢٠١٨ بتنظيم ورشة تدريبية حول التماسك الاجتماعي شارك فيها مجموعة من شباب المدينة ومن المناطق المجاورة لها استمرت ثلاثة أيام من شهر آذار. ناقش الحضور سبل التغلب على المشكلات الاجتماعية وتفعيل دور الشباب في المجتمع، وتناول نقاشهم مفهوم التماسك الاجتماعي وأهدافه ودوره في وأد التوتر الطائفي، وكيفية استغلال القيم المشتركة للحفاظ على تماسك المجتمع.
أثمر عن هذا النقاش انبثاق اربعة مجموعات عمل متخصصة ومكونة من الشباب المتطوعين، تهدف إلى مناقشة اهم المشكلات الاجتماعية في المنطقة وايجاد الحلول لها من خلال مجموعة من الأنشطة بحسب التخصص، وهذه المجموعات هي:
1. مجموعة الرياضة ضد العنف.
2. مجموعة الأمن المائي.
3. مجموعة الثقافة والفن.
4. مجموعة سوا أحلى للتماسك المجتمعي.
وفي نشاط مشترك، شارك فريق دوز وبالتعاون مع المتطوعين في هذه المجاميع في حملة “نحو مجتمعات خضراء” والتي استهدفت حديقة روشن في حي الآشورية ضمن المنطقة الشرقية من مدينة قامشلو وقد تضمنت الحملة ترميم الحديقة وتنظيفها وزرع أشجار فيها على مدار يومين بدءاً من 14.03.2018 مشاركاً فيها مجموعة من المنظمات المدنية التي تعمل في مدينة قامشلو. كانت فرصة للمساهمة بعمل مشترك وتبادل الافكار، قبل التوجه لحملات متخصصة.
بعد ذلك توجهت المجموعات الأربعة إلى تنظيم حملات وأنشطة مجتمعية هادفة لبث روح التعايش المشترك والسلم الأهلي، وكل في مجال اختصاصه.
مجموعة الرياضة ضد العنف:
نظمت مجموعة الرياضة ضد العنف حملة بعنوان “الرياضة في مواجهة العنف والتطرف العنيف” وتناولت هذه الحملة مجموعة من الأنشطة منها جلسات شبابية حول العنف والتطرف العنيف، وكيفية ربط الرياضة بالتنمية الاجتماعية ومواجهة التطرف العنيف وقد تخللت هذه الجلسات مجموعة من الأنشطة الرياضية وتم اختتام هذه الجلسات بقيام المجموعة بتنظيم مباراة كرة قدم قد شارك فيها هؤلاء الشباب وذلك في الملعب المغلق في مدينة قامشلو والذي بدورها قد منحت المشاركين في مجموعة الرياضة ضد العنف المزيد من الطاقة والحيوية من أجل الاستمرار في تنظيم المزيد من الأنشطة في المستقبل.
مجموعة الأمن المائي:
بادرت مجموعة الأمن المائي إلى تنظيم حملة تحت عنوان “معاً للحفاظ على الأمن المائي”، تضمنت نشاطات متتالية هادفة إلى الحفاظ على الموارد المائية مدينة قامشلو بشكل خاص وفي بلاد ما بين النهرين بشكلٍ عام. في شهر أيار – مايو نظمت المجموعة جلسة عن أهمية الماء شارك فيها مجموعة من المهتمين من المجتمع المحلي وممثلين عن منظمات المجتمع المدني في قامشلو. وقدم أحد متطوعي المجموعة جلسة تعريف بالماء ومصادره وأهميته وكيفية ارشاد استخدامه ومعه تفاعل ممثلي المنظمات حول أهمية حماية الموارد المائية في مدينة قامشلو.
ونظمت المجموعة جولات ميدانية لزيارة نهر جقجق الذي يمر من وسط المدينة للتعرف على النهر الذي ينبع من منبعين اثنين في هضبة طور عابدين في تركيا ويسير داخل منطقة الجزيرة حيث يندمج مع نهر الخابور ويصب في نهر الفرات وسط سوريا. وتعرفت المجموعة على الدور الاستراتيجي لهذا النهر بالنسبة للمدينة وسكانها، ما يوجب على المجتمع والبلدية الحفاظ عليه من التلوث وحمياته. وفي نفس الجولة تطرقت المجموعة لنهر دجلة الذي ينبع من جبال طوروس، جنوب شرق الأناضول في تركيا ويمر في سوريا 50 كم في ضواحي مدينة قامشلو ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند بلدة فشخابور. وفي ختام هذا النشاط قد وزع المتطوعون لافتات ولوحات تعبيرية ترشد بعدم رمي الأوساخ، وتذكر بعبارات هادفة إلى حماية الموارد المائية والحفاظ عليها، من ضمنها على سبيل المثال حديث نبوي شريف” لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار“
وتواصلت المجموعة بعمل مثل هذه الجولات الميدانية، وتجهيز بروشورات وملصقات توعوية حول إرشاد استخدام الماء. ونشرت المجموعة بعض النصائح للحفاظ على نظافة موارد الماء في مدينة قامشلو في الشوارع الرئيسية من المدينة ومركزها الذي يعد أكبر تجمع للأهالي، كما في الأحياء الفرعية أيضاً بهدف الوصول بالرسالة إلى أكبر قدر ممكن من السكان. الجولات الميدانية هذه اعطت بدورها دافعاً معنوياً أكبر للشباب المشاركين خصوصاً عندما شاهدوا تفاعل الأهالي معهم وتثمين الأهالي لما يقوم بها هؤلاء الشباب من مجهود واع وأهميته بالنسبة لهم ولا سيما إنهم مقبلين على فصل الصيف.
ويعاني عدد كبير من العائلات في مدينة قامشلو من شحة الماء أو عدم توفره، مما يجبرهم على شراء الماء خصوصا في الصيف من أصحاب الصهاريج الخاصة. وعلى إثر هذا النشاط المهم، قامت” هيئة المياه في قامشلو “وهي الجهة الإدارية المشرفة على المياه باللقاء مع هذه المجموعة وقد عبرت بدورها عن أهمية ما يقوم بها الشباب وكيف أنهم من خلال أنشطتهم المتنوعة يتمكنون من مساعدة الهيئة في إيصال الرسائل إلى المجتمع في قامشلو.
مجموعة الثقافة والفن:
بدأت مجموعة الثقافة والفن بتخطيط مجموعة من الأنشطة الفنية والثقافية من خلال المحاضرات التثقيفية والجولات الميدانية، مع مراعاة الإطار القانوني في حالات النزاع. ففي شهر أيار / مايو قد قامت المجموعة وبالتعاون مع فريق منظمة دوز في عامودا بتنظيم محاضرة عن القانون الدولي الإنساني في زمن الحروب والنزاعات وذلك بإشراف المحامي لازكين حاجو، وشارك فيها مجموعة من الشباب ومتطوعي من المنظمات المحلية. وتمكن المشاركون من خلالها معرفة البنود الرئيسية من القانون الدولي الإنساني وكيف يمكن تفعيله في أوقات الحروب والنزاعات.
وفي رمضان باشر شباب المجموعة بتحضير العديد من الأعمال اليدوية الفنيّة مستعينين بالمواد الأولية البسيطة والمتوفرة لدى كل شخص. انتجت المجموعة حصالات للنقود، باستخدام قوارير المياه الفارغة، لتوزعها على أطفال المدينة لاحقا وتزامناً مع عيد الفطر، حتى يستفاد منها الأطفال فيحتفظوا فيها ما يحصلوا عليها من نقود تقدم لهم من أهاليهم بمناسبة العيد.
تابع متطوعي هذه المجموعة أعمالهم في شهر تموز/يوليو فنظموا جلسة عن أخلاقيات العمل وبمساعدة من المختص “حسين ياسين”، حيث تناول فيها أساليب ترسيخ أخلاقيات العمل وأثرها في العلاقات واستقطاب الجمهور. شارك في الجلسة مجموعة من شباب قامشلو، ولاقت بدورها ترحيب وتفاعل من قبل المشاركين وذلك لأهمية هذا الموضوع في الحياة اليومية.
مجموعة سوا أحلى للتماسك المجتمع:
تميز مجموعة سوا أحلى باهتمامها بجمع طوائف وقوميات المدينة تحت سقف واحد، فبدأت أعمال هذه المجموعة بالتعاون مع مجموعة الثقافة والفن بالتجهيز لمبادرة تحت عنوان “جمال قامشلو في معالمها“. تضمنت هذه المبادرة تنظيم محاضرة عن المعالم الأثرية في المدينة، وبمساعدة المختص “عباس اسماعيل”، الذي تناول في محاضرته عن معالم المدينة وتاريخها وتسميتها، بالإضافة إلى أقدم جامع وأقدم كنيسة وأقدم مشفى في المدينة، حيث أوضح إنّ هذه المعالم هي نتيجة مزيج أثرى وتراثي وتماسك مجتمعي بين أبناء المدينة منذ آلاف السنين.
تلت هذه المحاضرة تنظيم هذه المجموعة لجولة ميدانية إلى كنيسة ماريعقوب، والجامع الكبير، وكريشت اليهود، وصوامع قامشلو. واستعانت المجموعة بمتخصص لتقديم لمحة عن كل هذه المعالم، واهميتها كونها تمثل جميع طوائف وقوميات المدينة، وأنها دليل قوي على التعايش السلمي في المدينة مما قد أكسبتها بأحد الأسماء الأخرى “قامشلو مدينة الحب والسلام”
كما أن هذه المجموعة لم تقتصر على تقديم النشاطات فقط، بل إنها تحاول أن تترك بصمة في كل مناسبة، فتزامناً مع بدء شهر رمضان المبارك في منتصف شهر حزيران/يونيو، قام متطوعي المجموعة بتجهيز فوانيس مع كتابة عبارات معايدة عليها، وتوزيعها على أهالي المنطقة، الذين بدورهم رحبوا بهذه المبادرة ولا سيما إنّ الفانوس من أحد الرموز التعبيرية التي يستخدمونها كدلالة شهر رمضان.
تعاون المجموعات مع بعضها البعض وتبادل الخبرات
روح التعاون والعمل الجماعي التي قد خلقتها مبادرة نحن نحب قامشلو بين شبابها، اخذة اليوم بالازدياد، وبدأ الشباب بعملية تبادل الخبرات والقدرات فيما بينهم. ويبادر كل شخص لديه اهتمام ومعلومات كافية حول مجال اجتماعي او ثقافي، بمشاركة خبراته مع أصدقائه الأخرين في المبادرة، كما يقوم بدعوة الشباب المهتمين الأخرين في المدينة ليكونوا مشاركين في عملية تبادل الخبرات والمعلومات. وتتم عملية تبادل الخبرات هذه من خلال جلسات تدريبية او ورش عمل، وعلى سبيل المثال نظمت المجموعة جلسة عن اساسيات الإعلام والتقارير الإعلامية الكتابية منها والمرئية، وجلسة اخرى عن أساسيات استخدام حزمة الاوفيس وكيف يمكن الاستفادة من برامجها في الحياة اليومية المهنية منها والشخصية.
منظمة دوز وبالتعاون مع المتطوعين في مبادرة نحن نحب قامشلو يسعون إلى الاستمرار في تنفيذ أنشطة مختلفة من هذا النوع، والتي من شأنها تعريف الشباب بمعالم المدينة وتاريخها ومكوناتها المختلفة، والمساهمة في تشخيص المشاكل الاجتماعية في المنطقة وإمكانية إيجاد الحلول المناسبة لها. وستواصل المبادرة ومجاميعها نشاطات وحملات اخرى، بالإضافة الى إقامة المهرجان السنوي الخاص بالمبادرة والمخطط له في شهر سبتمبر من عام 2018، والذي سيتضمن مجموعة من الفعاليات التي سيتم العمل عليها من قبل مجموعات العمل ومتطوعي المبادرة.
كل ذلك يأتي ضمن برنامج متكامل عنوانه “مسارات التعايش في بلاد ما بين النهرين” تديره منظمة اون بونتة بير الإيطالية وبدعم من مؤسسة فاي السويسرية.
يسعى هذا البرنامج لتعزيز التعايش السلمي في مدن نهري دجلة والفرات في العراق وسوريا وتركيا، وفي تصور يمثل ارتباط هذه المدن ببعضها البعض عبر شرايين الرافدين دجلة والفرات. ويهدف لترسيخ مفاهيم السلام والبديل اللاعنفي لحل النزاعات، ورفع الوعي المجتمعي بمفاهيم المدنية والمواطنة وتقبل الاخر، حيث يتضمن ورش التدريب وحملات ومهرجانات تخطط لها وتنفذها مبادرات وفرق محلية في هذه المدن.