المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

قيادات دينيّة عراقيّة تتّفق على العمل المشترك تعزيزاً للتعايش السلميّ

Al-Monitor 

بقلم سعد سلوم

كربلاء، العراق – زار وفد رفيع المستوى من رجال الدين الشيعة معبد لالش الايزيدي شمال العراق في 17 من مارس، حيث قدم الوفد تعازي حوزة النجف بمناسبة وفاة الامير الايزيدي تحسين بيك. وجاءت الزيارة ضمن حملة مستمرة من قبل النجف للتواصل مع رجال الدين للاديان الاخرى وحثهم على العمل المشترط لتعزيز الحوار والتعايش والتسامح.

وكانت قد ​اجتمعت قيادات دينيّة رفيعة مسيحيّة وإسلاميّة ومندائيّة وإيزيديّة، صباح الخميس بـ7 آذار/مارس من عام 2019، في رحاب العتبة الحسينيّة بكربلاء – جنوب العراق، التي تضمّ ضريح “الإمام الحسين” المقدّس لدى شيعة العراق. وأجرى المشاركون جولة في رحاب العتبة الحسينيّة في رسالة إلى الشارع الكربلائيّ والجمهور العراقيّ عن اتفاق الزعامات الدينيّة ورغبتها في العمل المشترك من أجل السلام والتآخي بين العراقيّين بمختلف انتماءاتهم الدينيّة. ولدى استقبال وفد القيادات الدينيّة العراقيّة من قبل سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ، وهو ممثّل المرجع الدينيّ الأعلى السيّد علي السيستاني، عرضت عليه نتائج اللقاءات الرفيعة السابقة.

وفي هذا السياق، أكّد عبد المهدي الكربلائيّ أهميّة العمل المشترك العابر للأديان والطوائف، مبيّناً ضرورة ترجمة هذه الحوارات إلى خطّة عمل ترفع إلى السلطات العراقيّة.

لقد اتّخذ اللقاء الرفيع شعار “إنّ الله يحب إشاعة السلام”، وافتتحه عضو مجلس إدارة العتبة الحسينيّة طلال الكمالي بالترحيب بالحضور والتعبير عن الفرح الغامر في أن تضمّ أرض شيعيّة مقدّسة قيادات دينيّة تمثّل المرجعيّات الروحيّة للأديان العراقيّة المختلفة، لا سيّما بعد أن تكرّرت لقاءات عديدة ضمّت أبرز المشاركين في اللقاء الحاليّ، الأمر الذي يشير برأيه إلى رغبة جديّة في العمل المشترك من أجل تعزيز التعايش السلميّ في ظروف خرج فيها العراق من أزمة احتلال “داعش” لمناطق مختلفة من العراق.

وقد ناقش اللقاء الرفيع العديد من المواضيع الراهنة التي تمثّل أبرز التحدّيات الراهنة، من أبرزها: إلغاء بابا الفاتيكان زيارته للعراق وزيارته بدلاً من ذلك دولة الإمارات العربيّة المتّحدة وما تبعها من إصدار وثيقة الأخوّة الإنسانيّة بين المسيحيّين والمسلمين، وإصدار بطريرك بابل للكلدان الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو “وثيقة وطن” لحثّ الرئاسات العراقيّة الثلاث على الاجتماع وحلّ المشاكل العالقة بين مختلف التيّارات السياسيّة العراقيّة، فضلاً عن مناقشة وثيقة “الأمل المندائيّة” التي أصدرتها نخب مندائيّة خارج العراق دقّت جرس الإنذار من واقع انقراض المندائيّين في العراق، وناقش اللقاء خطورة خطابات الكراهيّة السنيّة والشيعيّة أثناء الاحتفال بالكريسمس ودعوتها إلى عدم مشاركة المسيحيّين في الاحتفال بعيد الميلاد. وأخيراً، تناول اللقاء تداعيات ذبح خمسين ضحيّة إيزيديّة في الباغوز بسوريا على يدّ تنظيم “داعش”.

وفي هذا السياق، أكّد مار لويس روفائيل ساكو ضرورة تنظيم حجّ إلى مدينة أور التاريخيّة في جنوب العراق، حيث ولد النبيّ ابراهيم، من قبل القادة الدينيّين من مختلف المكوّنات الدينيّة التي تشترك بالانتساب إلى هذا النبيّ، إظهاراً لعامل الوحدة بين مختلف العراقيّين وتشجيعاً للكرسيّ الرسوليّ في الفاتيكان على زيارة هذا المكان المقدّس والمشحون برمزيّة روحيّة عالية لأتباع الأديان الإبراهيميّة.

وعلى هامش مناقشته وثيقة “الأمل المندائيّة“، أشار زعيم طائفة الصابئة المندائيّين الريش أمة ستار جبار حلو إلى ما تشيّعه هذه اللقاءات من تقارب وتقليل مخاوف الأقليّة المندائيّة التي تواجه خطر الزوال بعد ضمور وزنها الديموغرافيّ ومغادرة ما يقرب من ٩٠ في المئة من أفراد الطائفة خارج العراق، آملاً في التوصّل إلى مقرّرات عمليّة من قبل المشاركين في اللقاء تشجّع من تبقّى من المندائيّين على البقاء في العراق، الأمر الذي يعدّ برأيه أبرز تحدّ يواجه هذه اللقاءات الرفيعة المستوى.

وعلى صعيد متّصل، أعلن مدير دار العلم للإمام الخوئيّ في النّجف الأشرف سماحة السيّد جواد الخوئيّ عن التوصّل إلى نتائج عمليّة في اللقاءات، ومن أبرزها العزم على إصدار كتاب عن الديانات المعترف بها رسميّاً في العراق أعدّته المرجعيّات الدينيّة المعنيّة لكلّ دين، وستتمّ طباعة الكتاب وتوزيع ملايين النسخ منه تعريفاً بالتنوّع الدينيّ بمختلف أطيافه.

وردّاً على خطابات الكراهيّة من قبل مفتي الديار العراقيّة الشيخ مهدي الصميدعي الداعية إلى عدم مشاركة المسيحيّين في الاحتفال بعيد الميلاد، أكّد الشيخ أنس العيساوي أمام الحضرة القادريّة الكيلانيّة في بغداد أنّ هذه الخطابات لا يمكن قبولها على الإطلاق، مبيّناً أنّه لا يوجد لدى سنّة العراق منصب المفتي، داعياً إلى الحذر من فتاوى تصدر مدفوعة من أجندات سياسيّة لا تعبّر عن توجّهات المجتمع السنيّ العراقيّ تجاه مواطنيه من المسيحيّين.

وشهد اللقاء مشاركة نسويّة تمثّلت بامرأة واحدة هي مديرة أوقاف المندائيّين في جمهوريّة العراق والسيّدة العراقيّة الأولى التي تترأس أوقافاً تعود إلى طائفة دينيّة السيّدة نادية فاضل مغامس، التي أشارت إلى أنّ مشاركتها خلال اللقاءات السابقة واللقاء الحاليّ تعبّر عن سعي إلى تعزيز مركز المرأة في الحوار الدينيّ وإضفاء نوع آخر من التنوّع على حوار رفيع تستبعد منه النساء عادة، وأنّها تمثّل من خلال مشاركتها التمييز المركّب الذي تواجهه بوصفها امرأة أوّلاً، وبوصفها تنتمي إلى أقليّة دينيّة ثانياً، وأنه يجب العمل من خلال سلسلة هذه اللقاءات على إنهاء أوجه التمييز الدينيّة المختلفة بين الأغلبيّة والأقليّات.

وفي سياق إشارته إلى اللقاء السابق بين الشيخ عبد الوهّاب السامرائي من المجمع الفقهيّ لكبار العلماء إلى أنّ اللقاء الرابع يعدّ تتمّة للقاءات السابقة، والتي كان أبرزها اللقاء الثالث في رحاب المجمع الفقهيّ العراقيّ في الإمام أبو حنيفة بـ٨ أيلول/سبتمبر من عام ٢٠١٨، شدّد على أنّ هذه اللقاءات أصبحت ضرورة ملحّة لمواجهة أيّ فتنة ممكنة وسط الصراع السياسيّ الذي يشهده العراق.

والجدير بالذكر، أنّ اللقاء الرفيع الأوّل للقيادات الدينيّة عقد في رحاب الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة في الأوّل من آذار/مارس من عام ٢٠١٨، في حين عقد اللقاء الثاني في ضيافة مندي الصابئة ببغداد في ٢٦ نيسان/إبريل من العام نفسه، وتعدّ هذه اللقاءات الأبرز بين القيادات الدينيّة منذ الغزو الأميركيّ للعراق في عام ٢٠٠٣.