الوجه المشرق لأزمة كورونا
مع كل ما تحمل ازمة وباء كورونا العالمية من مشاكل صحية واقتصادية واجتماعية، الا ان الأزمة تخفي ايضاً وجه إيجابي، يتمثل بالانتعاش البيئي الملحوظ على مستوى العالم، وتراجع معدلات الانبعاث للغازات الدفيئة والسموم العضوية الناتجة عن العمليات الصناعية والنشاط السكاني بمختلف اشكاله. نستعرض في المقال ادناه أبرز اشكال هذا الانتعاش، وبعض العوامل التي ساهمت بذلك. نقدم هنا محاولة للتنبيه ان الإنسانية يجب ان تستفاد من الأزمة باتجاه تقويم السلوك بشري وتحسين طريقة تعاملنا مع البيئة.
انحسار الملوثات الصناعية
لأن الصين عايشت تجربة ازمة كورونا قبل كل دول العالم، حيث بدأت أولى الإصابات بالفايروس فيها، لذا فإن عامل الاسبقية يوفر فرصة أكبر لقراءة المتغيرات البيئية في هذا البلد أكثر من غيره، وباستخدام الحالة الصينية نستطيع الحصول على تصور اشمل عن تأثير الأزمة بيئياً على الكوكب، مع وجود فوارق بسيطة بين البلدان بهذا الخصوص.
تعتبر الصين من أكبر الدول على مستوى العالم تأثيراً على للبيئة وانتاجاً للغازات الدفيئة المساهمة بشكل حاد في ازمة التغير المناخي بحسب اخر رصد صادر عن موقع “الاستدامة للجميع“، حيث تنتج شهرياً ما يقارب ٨٠٠ مليون طن من الانبعاثات الحرارية بحكم الطبيعة الاقتصادية الضخمة وتواجد المصانع والمعامل والتعرض المستمر للضباب الدخاني وايضاً بسب الطابع السكاني الكثيف الذي يمتاز به هذا البلد.
في الآونة الاخير ومع تفشي فايروس كورونا (COVID19) وإيقاف العديد من النشاطات الصناعية، بدأت مستويات الغازات الدفيئة بالانخفاض تدريجياً، حيث سجلت ناسا (NASA) ووكالة الفضاء الاوربية (ESA) انخفاضًا كبيرًا في تدفقات ثاني أوكسيد النيتروجين (NO2) فوق الصين وهذا دليل واضح أن التغيير الحاصل مرتبط جزئيًا على الأقل بالتباطؤ الاقتصادي بعد انتشار الفايروس. تظهر الخرائط ادناه تركيزات ثاني اوكسيد النيتروجين وهو أحد الغازات الدفيئة الضارة المنبعثة من السيارات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية. تُظهر هذه الخرائط قيم الـ NO2عبر الصين خلال الفترة السابقة للحجر الصحي والفترة الحاصلة اثناء الحجر الصحي وتم التقاط هذه الخرائط بواسطة القمر الصناعي sentinel-5 التابع لـ وكالة الفضاء الاوربية.
من جانبه قال فاي ليو، وهو باحث مختص بجودة الهواء في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا “هذه المرة الاولى التي ارى فيها انخفاضاً كبيراً في مثل هذه المساحة لحدث معين”. ويذكر ليو انه شاهد انخفاضاً لغاز الـ NO2 في العديد من البلدان خلال الركود الاقتصادي الذي بدأ في عام ٢٠٠٨، ولكن الانخفاض كان تدريجياً كما لاحظ العلماء ايضاً انخفاضاً ملحوظاً حول بكين خلال دورة الالعاب الاولمبية لعام ٢٠٠٨ وتم تحديد التأثير في الغالب حول تلك المدينة وعاودت مستويات التلوث ارتفاعها تدريجياً بعد انتهاء الدورة.
تراجع حركة الملاحة الجوية
تضاف أيضا حركة الطيران الجوي حول العالم الى قائمة الملوثات الرئيسية للجو بسبب محركات الطائرات التي تصدر الحرارة والضجيج وجزيئات غاز ثاني اوكسيد الكاربون CO2، اضافه الي اوكاسيد الرصاص والكاربون الاسود وغيرها من الغازات والملوثات الصادرة من محركاتها والتي تتفاعل مع نفسها ومع الغلاف الجوي مسببة ضرراً كبيراً للبيئة. وبات التلوث الناتج عن حركة الملاحة الجوية في تزايد مستمر بمؤخراً، بسبب النمو السريع والحركة الاقتصادية التي تتنامى يوما بعد يوم.
وبسبب الأحداث الراهنة وانتشار الوباء على نطاق واسع حول العالم بأكمله، انخفضت حركة الطيران بشكل كبير نسبيا بينما توقفت تماماً في بعض البلدان، مما ادى ايضاً الى انخفاض ملحوظ في التلوث الهوائي في عدة أماكن حول العالم وخاصه تلك التي توقفت فيها حركه الطيران.
انخفاض الاستهلاك المسرف للموارد
لقد نبهت الازمة الحالية العالم اجمع بضرورة تغيير أنماط الاستهلاك، خصوصاً فيما يتعلق بالاستهلاك الغذائي، حيث بات واضحاً ان السلوكيات الغذائية المتطرفة، وإدراج أغذية غير مناسبة على قوائم الغذاء اليومية، كانت بالتأكيد سبباً وراء انتشار الوباء. ودار حوار عالمي جاد مؤخر ان هذا النمط من التغذية يجب ان يتوقف، وخاض العلماء والباحثين حوارات مكثفة باتجاه حث المجتمعات على الالتزام بالهرم الغذائي المعتمد والمكون من عناصر غذائية صديقة للبيئة غير ناقله للأمراض والأوبئة والذي صمم من قبل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية (HHS).
كذلك ينتبه العالم واجمع ان التكنولوجيا والتقدم العلمي والصناعي لن تحمي البشرية من اخطار التغيرات البيئية والمناخية الحادة، مالم يتم اعتماد مبادئ اكثر استدامة لأنماط الاستهلاك ونهج الانتفاع من الموارد الطبيعية مقابل تعزيز حمايتها.
حسام صبحي وعلي الكرخي – حماة دجلة
المصادر
2- ويكيبيديا – الأثر البيئي للطيران
3- هارت لاستراتيجيات الصحة HHS