“تشرينيون” نزحوا الى أربيل: هناك من باعنا لأحزاب السلطة
خرج شباب عراقيون، في الاول من تشرين الاول عام 2019، أي قبل نحو عامين، مطالبين الحكومة بتوفير الخدمات الاساسية، وكانت الانطلاقة الاولى في ساحة التحرير وسط بغداد، وسرعان ما بثت روح الانتفاضة في غالبية المحافظات الوسطى والجنوبية، وبدعم كبير من العراقيين، لتتحول حركة تشرين الى ما يشبه الانتفاضة عندما اعتصم عشرات الالاف من العراقيين في ساحة التحرير، ومع اتساع التظاهرات الاحتجاجية والدعم الشعبي الكبير صعد “التشرينيون” من سقف مطالبهم مناشدين بالتغيير الجذري لنظام الحكم.
شباب تشرين، سواء في بغداد او بقية المحافظات، لم يكونوا في نزهة، ولم يدعمهم سوى غالبية من العراقيين، وقد كلفتهم هذه الانتفاضة اكثر من الف شهيد و25 الف جريح بينهم 5 الاف معوق، على ايدي الاجهزة الامنية والفصائل المسلحة، وما اطلقت عليهم الحكومة وقتذاك تسمية (الطرف الثالث)، لكن هل تحققت مطالبهم او في الاقل جزء منها؟ هذا ما اجاب عليه التشرينيون في احاديث منفصلة لشبكة رووداو الاعلامية.
صفا جمال، من بغداد، التحقت بالتظاهرات في ساحة التحرير بعد اربعة ايام من انطلاقتها، ونصبت خيمة (سومريات) االتي تصفها بانها “كانت بمثابة منصتنا ومحل لقائنا حيث نجري الاحاديث والندوات المختصرة، ونتبادل فيها الاراء، كما كنت اهيء (أطبخ) الطعام لزملائي المشاركين في الانتفاضة ونخزن فيها المواد الغذائية والطبية، ولانني خريجة قسم الفنون التشكيلية في كلية الفنون الجميلة فقد كنت غالبا ما ارسم او اكتب عن يوميات الانتفاضة”.
صفا بالرغم من صغر عمرها الا انها بقيت، حسب ايضاحها، حتى نهاية الانتفاضة وتخريب الخيام، تقول: “لقرب بيتنا في الكرادة، وسط بغداد، فقد كنت اذهب يوميا منذ الصباح الباكر وحتى وقت متاخر من الليل او ابقى هناك في الاوقات الحرجة التي يحتاجون فيها الى الاسعافات خلال شن الهجومات علينا”، مشيرة الى ان “عائلتي لم تكن تعرف، وحينما عرفت امي بمشاركتي انضمت الينا مع اخي حتى آخر يوم في الانتفاضة، فانا اردت ان اشارك بفاعلية في هذه الانتفاضة من اجل التغيير الشامل وكي يستعيد العراقي كرامته داخل العراق وخارجه، والا من المعيب ان يأتي جواز السفر العراقي كثاني اسوأ جواز”.
ولفتت الى ان “الاحقاد بين افراد الشعب العراقي نتيجة الطائفية والتخلف الذي ساد المجتمع بعد 2003، طفت على السطح نتيجة الازمات وتصرف احزاب الفساد، وانا مؤمنة بان العراق موطن الحضارات والعلماء والمبدعين لا يستحق ذلك”.
صفا غير نادمة على مشاركتها بهذه التظاهرات “بل على العكس تماما لقد حققنا اموراً كثيرة وان كانت جزئية، فما زلنا نعمل من اجل التغيير الشامل للنظام واسقاط احزاب الفساد واعادة العراق الى العراقيين، وعلى المستوى الشخصي كسبت صداقات كثيرة مع زملائي الذين تعرفت عليهم في ساحة التحرير، هؤلاء اصدقاء الدم والتضحية الذين لن انساهم، وعندما تعود الانتفاضة ساكون في مقدمة المشاركين”، مشيدة بـ”دعم العراقيات والعراقيين لنا ماديا ومعنويا”.
صفا تتمنى “العودة الى بغداد، الى بيتنا، فنحن، امي وانا هجرنا الى اربيل التي نشعر بها بالامان والاستقرار خشية ملاحقة الميلشيات لاننا، امي وانا واخي كنا فاعلين في انتفاضة تشرين”.
كما شارك هشام السامر، من محافظة البصرة، في الاحتجاجات بساحة التحرير في بغداد، وفقد عينه اليمنى جراء اصابته بقنبلة دخانية كادت ان تهشم راسه، لكنه يقول: “لست نادما على مشاركتي في الاحتجاجات لاننا كنا وما نزال على حق”، مستدركا: “هناك خيبة أمل كبيرة من بعض العراقيين، وخاصة من بعض التشرينيين الذين تواطئوا مع الاحزاب السياسية للمتاجرة بتضحياتنا”.
يقول السامر: “اشعر بخيبة أمل حتى من بعض المقربين الذين اتهمونا باننا نريد القضاء على الحكم الشيعي في العراق بدعم من قبل السفارات الغربية، وأشعر بخيبة أمل من الموظفين والتجار الذين هاجمونا لاننا قطعنا حركة السير في ساحة التحرير والخلاني واثرنا على مصالحهم الاقتصادية، واشعر بخيبة امل من شيوخ العشائر الذين وضعوا ايديهم بايدي الاحزاب الفاسدة ضدنا، ومع كل هذه التضحيات وانا اليوم في اربيل ولا استطيع زيارة عائلتي في البصرة لانني مهدد من قبل الميلشيات المسلحة هناك”.
أحمد آل وشاح، من بغداد، احد قياديي حركة تشرين، يؤكد انه “رغم خيبات الامل، الا ان هناك قفزة كبيرة حققتها انتفاضة تشرين في كسر حاجز الخوف عن العراقيين”، مشيرا الى ان “التشرينيين كشفوا زيف العمامة السياسية وان لا قدسية لاصحابها، وفساد النظام الحاكم واسلوبه القمعي وبشاعته، واعادوا للعراقيين اعتزازهم بالروح الوطنية”.
يعترف آل وشاح: “نعم هناك خذلان وخيبة أمل من الشعب العراقي، نحن اليوم في موقف محرج، عندنا شباب مهجرين في المحافظات، وفي اقليم كوردستان خاصة وهم بأمس الحاجة الى الدعم، وجرحى ومعوقين بحاجة للعلاج داخل العراق او خارجه، وهناك خيبة امل من الاعلام المضاد الذي شوه الحقائق واتهمنا بشتى الاوصاف”.
مع ذلك يصر على “اننا نتحرك للاستمرار بتضحياتنا من اجل تنفيذ مطالبنا المشروعة، وسنعلن قريبا عن تشكيل قيادة لتنظيم كبير وقوي يضم شباب تشرين، ونعتبر الاحزاب السياسية والميلشيات المسلحة في مقدمة اعدائنا”، ساخرا من “ادعاء زعماء احزاب الفساد بدعم مطالبنا والمتاجرة بتضحياتنا مع ان ميلشياتهم من فتحت النار نحونا”.
علي الحبيب، من واسط، يقول إنه “على المستوى الملموس لم نحقق شيء يذكر، وأعني تحقيق مطالب العراقيين بالتغيير الجذري ومحاربة الفساد والسلاح المنفلت، لكننا غيرنا في وجهة نظر الرأي العام”، مشيرا الى ان “الانقسامات داخل خيمة تشرين وظهور ثيادات متعددة شكلت خيبة امل كبيرة بالنسبة لي، وكشفت ان جمع العراقيين حول كلمة وقيادة واحدة موضوع صعب للغاية”، مشيرا الى”اني، وعلى المستوى الشخصي اشعر بالندم على الدماء التي سالت في عموم العراق، والتضحيات الكبيرة بارواح الشباب ولم نحقق ما خرجنا من اجله”.
ويضيف الحبيب: “لقد خذلنا شعبنا للاسف بسبب الشعور بالخوف وضغوط الاحزاب السياسية التي تاجرت بقضيتنا، لكن ما يجعلنا صامدين هو اننا خرجنا على حق”، مؤكدا “العمل حاليا للاستعداد للانطلاق باكبر تظاهرات احتجاجية في بداية شهر تشرين الاول لمرور عامين على انطلاق انتفاضتنا”.
مها الناصر، من الديوانية، قالت: “أنا المرأة الوحيدة التي كانت تتظاهر ضد احزاب الفساد في الديوانية، مما ادى الى تهديدي وعائلتي وتعرضي للضرب كانذار لكي اتخلى عن نشاطاتي واترك الديوانية”، مبينة: “انا اليوم مهجرة مع ابنتي وابني في اربيل بعد ان خسرت عملي في اذاعة (زهرة الديوانية)، وتخليت عن منظمتي (هن لحقوق الانسان) على مستوى المحافظة، بسبب خروجي في التظاهرات الاحتجاجية وكتابتي وبرامجي ضد الفساد والمطالبة بالتغيير”.
تصمت مها، وكأن شعوراً بالندم يتسرب الى روحها، ثم تستطرد قائلة “اشعر بخيبة امل كبيرة من العراقيين الذين لم يقفوا معنا كما يجب، وبعضهم خانتهم الشجاعة للاسف”.
علي الخيال، من بغداد، يشعر اليوم “بخيبة أمل كبيرة من العراقيين”، مضيفاً ان “أشد ما علينا وما فينا هو ان هناك من باع ذمته وصار اداة لشراء ذمم لغيره للسياسيين الذين تسللوا بيننا وساوموا علينا وتاجروا بنا وبالظروف الصعبة التي عاشها المشاركون في الانتفاضة”، وقال: “لمرات عديدة شعرت، للاسف، بالندم”.
رغم كل هذا يؤكد الخيال بأن “النتائج التي حققها شباب تشرين عالقة في ضمير التاريخ، وأن اية حكومة قادمة سترعبها تضحياتنا وسوف تحترم مطالب الشعب العراقي وتعتبرها خطاً احمر لا يمكن تجاوزه، ولهذا نحن نستمر بانتفاضتنا حتى يتحقق التغيير المنشود”.
هاني محمد، من محافظة ديالى، ترك مدينته والتحق في انتفاضة تشرين بساحة التحرير في 26 تشرين الاول 2019، من أجل “أحداث التغيير الشامل في نظام الحكم وتنفيذ وطالب شعبنا المشروعة، حسب قوله، مشيرا الى ان “الاعلام المضاد، واحزاب الفساد عملت كل ما في وسعها لخلق فجوة من الثقة بيننا وبين قطاعات من شعبنا الذي دعمنا في البداية بقوة، لكن للأسف سرعان ما شعر العراقيون بالملل وعدم المواصلة”.
وأوضح ان “الشعب العراقي وعلى مدى اكثر من 50 عاماً مر بظروف صعبة من حروب وحكم دكتاتوري وازمات اقتصادية وامنية، وبات لا يؤمن بالتغيير بالاساليب السلمية التي اتبعناها في انتفاضتنا، وبعض الاصدقاء كانوا وما زالوا يلوموننا لاننا اتبعنا النهج المسالم ولم نرفع السلاح بوجه من كان يقتلنا”.
مع ذلك يؤكد محمد بانه ليس نادما: “لن اندم على مشاركتي في هذه الانتفاضة الشعبية الجبارة التي اعتبرها خطوة مهمة نحو التغيير”.
جدير بالذكر أنه ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق في تشرين الأول 2019، تعرّض أكثر من 70 ناشطاً لعمليات اغتيال أو محاولة اغتيال، في حين اختطف عشرات آخرون لفترات قصيرة.