افلات المغتصب وتزويجه للضحية، جريمة،و يجب تغيير القانون!
محمد حسن السلامي
سكرتير الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان في العراق
بمناسبة عيد المراة العالمي – اذار 2014
تعاني النساء والفتيات خصوصا، من تنامي ظاهرة التحرش الجنسي في العراق. ويشمل ذلك التحرش لفضا او بحركة مباشرة او غير مباشرة. وتزيد معاناة النساء تعرضهن للعنف الجسدي والنفسي من العائلة لأسباب ذات صلة بالتحرش. وباعتقادي ان اساس ذلك يتأتى من نقطة هامة وجوهرية وهي عدم احترام حرية الاخر .
فالمرأة العراقية عانت طويلا من فقدانها حقوقا الاساسية وحرياتها الشخصية، وحتى في تحديد مستقبلها أو في اختيار شريك حياتها ورب اسرتها،الاب المستقبلي لأبنائها. كل ذلك تحت غطاء الدين او التقاليد. والأمثلة كثيرة بعضها معلوم، والبعض الاخر يبقى مخفي في زوايا مجتمعات الريف او البادية. فعلى سبيل المثال تستمر ظاهرة زواج الفتاة وربما الطفلة، بقرار من ولي امرها بدافع اقتصادي او اجتماعي او بدافع انهاء صراع او مشكلة عائلية. ويشمل ذلك زواج “الكصة بكصة” ، و زواج “الهبة” حيث توهب الفتاة لشخص ذو نفوذ ديني “السيد”، و فرض زيجة ابن العم ، ومنع زواج غير الاقارب “النهوه”.وغيرها كثير. يضاف الى ذلك الزواج خارج المحاكم وعلى يد رجال الدين ومعظمهم لا يمتلك مؤهلات قانونية او خبرة حقوقية.
والأدهى من ذلك ان يبقى القانون العراقي متراجعاً عن المعايير الدولية التي تطالب بمنع التمييز ضد المراة وبمساواتها مع نظيرها الرجل، وكمثال على ذلك نأخذ الطريقة التي يتعامل بها قانون العقوبات العراقي مع جريمة الاغتصاب. فالمادة 398 ، حيث توقف الاجراءات القانونية بحق مغتصب الفتاة، في حال تزوج المغتصب ضحيته.
فقد بين قانون العقوبات العراقي تحت الباب التاسع جرائم مخلة بالأخلاق والآداب العامة، وذكر فيه عدد من الجرائم مثل : الاغتصاب واللواط وهتك العرض . وعاقب القانون في المادة 393 -اولاً بالحبس المؤبد او المؤقت كل من واقع انثى بغير رضاها.وكذلك فإن المواد من 394 الى 397 فصلت حالات الجرائم هذه من حيث العمر، او حصول الحمل، وكذلك ازالة غشاء البكارة او موت المجني عليها، لبيان الظروف التي تؤدي الى التشديد او التخفيف من العقوبة عن هذه الجرائم .غير ان المادة 398 تسجل تراجع في معاقبة الجاني عن جريمة الاغتصاب، فتوقف كل الاجراءات العقابية من ملاحقة وتحريك الدعوى او التحقيق فيها وحتى في حالة صدور حكم في القضية. كل ذلك يتوقف عندما يتزوج الجاني (المغتصب للمرأة )، ضحيته (المرأة المغتصبة ). فتنص المادة 398 ( إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجني عليها اوقف تحريك الدعوى …التحقيق … الاجراءات الاخرى … تنفيذ الحكم ).
ويبدو من القراءة الأولية للمادة 398 اعلاه، وكان المشرع قد تناول هذه الجريمة على الاسس التالية :-
1- اعتبار ان الجريمة ذات بعد اخلاقي وفي إطار مجموعة الجرائم ضد الاداب العامة .
2- لم يعر القانون اي اهتمام لأثار الجريمة على الفتاة المغتصبة نفسيا او اجتماعيا او جسدياً، من جراء اقتراف جريمته .
3- ان مجرد الزواج واستمراره بالفتاة المغتصبة يلغي تطبيق المواد من 393 الى 397 .
لو سئلنا المشرع عن فلسفته في ايقاف تنفيذ العقوبات القانونية بعد زواج المغتصب للفتاة المغتصبة فإن جوابه يتأسس على افضلية هذا الحل عن كل الحلول الاخرى. ونحن نقول ان الموضوع فيه غبن كبير للضحية ، فهو يستند لدى على ما يسمى “بالأساس الاخلاقي الادبي” للجريمة ، فالحل لا يعدو ان يكون اتفاق بين عائلة الجاني وعائلة المجني عليها ،وفقا للعرف العشائري، وبغرض التغطية على جريمة بحق المرأة. وتبقى الضحية بدون منصف ، لا صوت لها في هذا الزواج ، ولا مراعاة لوضعها النفسي او الاجتماعي.
ومن زاوية الفلسفة الحقوقية أجد ان الموضوع يخرج عن الدائرة الاخلاقية الادبية ويدخل في فلسفة الحق والحرية حيث ان هنالك بإقرار القانون ( عدم الرضا ) اي بمعنى استلاب الحرية وفرض ارادة وعنف ضد الفتاة، وبهذا المعني الحقوقي تتشكل الجريمة وهنا يكمن اسها وجوهرها، وبالتالي لا بد من ان يأخذ القانون موقفه من مفهوم حقوق الانسان ، فيكون الاولى عقاب مغتصب الفتاة على جريمته وتوفير الحماية والرعاية للضحية.
وفي الحقيقة لم تغب عن الحركة النسائية العراقية والمدافعون عن حقوق الانسان والمرأة ، طيلة الفترة الماضية، الدعوة لإلغاء وتغيير المادة 398 من قانون العقوبات العراقي، بحيث لا يفلت من العقاب مقترفو جريمة الاغتصاب.وبحيث لا يتم غبن الضحية وتامين انصافها بشكل يضمن حريتها وأرادتها. كما ان هناك تجارب في المنطقة العربية في رفض مواد قانونية مماثلة ، ومنها المغرب العربي حيث تمكنت الحركات الحقوقية من تغيير مواد قانونية مشابه للمادة 398 بمواد اكثر انصاف للمرأة. لذلك ادعو مساندي حقوق الانسان وحقوق المراة للتشديد على الغاء المادة 398 او تعديلها وفقا لما ذكر اعلاه كخطوة من خطوات ملائمة القانون العراقي مع معايير حقوق الانسان بشكل عام وحقوق المراة بشكل خاص.