الاتحاد الأوروبي يدعم المجتمع المدني في العراق وسوريا.. في مواجهة الطائفيّة
جرّب المجتمع الدولي مقاربات مختلفة في مواجهة النزاعات الإثنيّة في بلدان الشرق الأوسط. ففي حين اكتفت الجهات الدوليّة أحياناً بمجرّد إصدار بيانات استنكار في حال انتهاك حقوق الإنسان، قامت في أحيان أخرى بدعم أطراف سياسيّة في مقابل أطراف أخرى وقد ركّزت على الفئات الضعيفة مثل الأقليات، متناسية في مواقفها أفراد الأغلبيّة الذين غالباً ما يواجهون الانتهاكات ذاتها لحقوقهم.
وفي الأعم الغالب، كانت مقاربات المجتمع الدولي عديمة التأثير أو ذات نجاح ضئيل في ما خصّ تحسين الأوضاع الإنسانيّة لشعوب الشرق الأوسط.
لكن هذه المرّة استمع الاتحاد الأوروبي إلى ممثلين من المجتمع المدني العراقي والسوري، لجهة دعمهم في مواجهتهم الطائفيّة المنتشرة في بلادهم. وتمّ ذلك في إطار حملة بعنوان “كلنا مواطنون” توجّه من خلالها الوفد العراقي والسوري إلى الاتحاد الأوروبي في جولة شملت بروكسل وجنيف وروما، فكانت لقاءات مع مؤسسات صنع القرار المهتمّة بتعزيز الحوار ومواجهة النزاع الطائفي في المنطقة.
ضمّ الوفد ناشطين ورجال دين مدنيّين من مؤسسات المجتمع المدني في العراق وسوريا، أبرزها المجلس العراقي لحوار الأديان ومؤسسة مسارات المختصة بشؤون الأقليات. ومن أبرز الشخصيات الدينيّة رفيعة المستوى من مختلف ديانات العراق التي ضمّها الوفد، الترميذا علاء عزيز طارش وكيل رئيس الصابئة المندائيّين في العراق والعالم، والأب أمير ججي الدومنيكي مستشار المجلس البابوي للحوار الإسلامي-المسيحي. وقد دعمت منظمة “باكس” الوفد للوصول إلى صنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن “المونيتور” حصل على تفاصيل الزيارة واللقاءات من خلال تقارير منفصلة من قبل الجهات المذكورة آنفاً.
وقد التقى الوفد بفريق عمل “حريّة الدين أو المعتقد” في برلمان الاتحاد الأوروبي في 12 شباط/فبراير الماضي، فعرض في خلال الاجتماع أول تقرير سنوي للبرلمان لحريّة الدين أو المعتقد في العالم. وقد ركّز التقرير على العراق وسوريا من ضمن الدول الخمسة عشر الأكثر تضرراً جرّاء فقدان أو تهديد حريّة الدين والمعتقد. وقد أشار التقرير إلى اتفاقيّة التعاون والشراكة الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي والعراق، وأوصى البرلمان الأوروبي ببذل جهود أكبر لمنع تحويل حقل حقوق الإنسان في هذه الاتفاقيّة إلى مجرّد حبر على ورق. وقد اعترف المقرّر الخاص للأمم المتحدة الدكتور هاينر بيليفيلدت في هذا الاجتماع بأن دور الأمم المتحدة في العراق بخصوص مواجهة الطائفيّة وحماية حقوق الإنسان ضئيل جداً. وقد أشاد من جهة أخرى بالدور المميّز للمجلس العراقي لحوار الأديان.
وفي 13 شباط/فبراير الماضي أي في اليوم التالي، التقى الوفد في بروكسل بعدد من صنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي وبممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني الأوروبي. وقد خلص الاجتماع إلى أن الطريقة السليمة لمواجهة الطائفيّة في العراق وسوريا هي دعم مشروع المواطنة بوصفها قاعدة أساسيّة يجتمع عليها مختلف فئات الشعب، ومن خلال ذلك يمكن تحقيق الأهداف الأخرى مثل ضمان احترام حقوق الإنسان وحماية الأقليات.
وفي حديث إلى “المونيتور”، أوضحت مديرة برنامج العراق في منظمة “باكس” ثيرزا دي فريس، أن مشروع “كلنا مواطنون” يهدف إلى “تغيير شامل وطويل الأمد في المنطقة عبر العمل على مستويات مختلفة: تدريب وتعليم الأجيال الجديدة على قيم المواطنة من خلال إصلاح المناهج التعليميّة وإقامة دورات تدريبيّة، وتقريب القادة الدينيّين ضمن مؤسسات الحوار بين الأديان، والعمل على إصلاح القوانين وجعلها أكثر تأثيراً في مواجهة الطائفيّة ودعم حقوق الإنسان. وعليه يتوجّب على الأطراف العالميّة ومنها الاتحاد الأوروبي القيام بدور فعال ومكثف في المجالات المذكورة”.
أضافت دي فريس أن الأعضاء المشاركين في اجتماع بروكسل أيّدوا خطة دعم مشروع المواطنة، وذلك بعد دراسة خطط بديلة أخرى منها إنشاء منطقة محميّة خاصة للأقليات في المنطقة، وعلى سبيل المثال محافظة سهل نينوى في العراق. وقد أقرّ الجميع بأن الخطط البديلة لا يمكنها أن تقدّم حلاً وطنياً ناجحاً بعيد المدى، بل من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع أكثر مما هو عليه الآن. وفي هذا السياق يصبح دعم مشروع المواطنة أفضل إستراتيجيّة يمكن دعمها من قبل الاتحاد الأوروبي.
إلى ذلك، استضاف مجلس الكنائس العالمي الوفد العراقي في مقرّه في جنيف في 15 شباط/فبراير الماضي. وقد طالب أعضاء من الوفد بضرورة اشتمال الحوار المسكوني على موضوع الحوار الإسلامي ضمن السياق العام للأديان الإبراهيميّة الغالبة على منطقة الشرق الأوسط. وكان الوفد قد قام قبل ذلك بزيارة للمجلس البابوي للحوار بين الأديان في روما بهدف التعرّف، وقد طرحت في خلال الزيارة فكرة تحقيق شراكة مستقبليّة لتعزيز التعاون بين الجانبَين.
ويبقى أن مقاربة المجتمع الدولي لمسألة الطائفيّة في المنطقة تتضمّن نقاط قوّة تجعل منها مشروعاً ناجحاً بخاصة على المدى البعيد. فهي تؤسّس لحلول داخليّة مبنيّة على أسس قويمة لبناء مجتمع مدني متحضّر تدريجياً. وهو ما يدعو الجهات العالميّة الأخرى لتبنّي مثل هذه المقاربات من أجل تعزيز التعدديّة وحقوق الإنسان في بلدان الشرق الأوسط.
المصدر: المونيتور