المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

الحكومة العراقيّة تنتهك حقوق الإنسان في مشروع جديد للأحوال الشخصيّة!

مهند الغازي – المونيتر

2013-06-12-0001 (2)
مبنى وزارة العدل العراقية

أعلنت وزارة العدل العراقيّة قبل أيام عدّة أنها أرسلت إلى مجلس الوزراء العراقي نسخة من مشروع قانونَي القضاء الشرعي الجعفري العراقي والأحوال الشخصيّة الجعفريّة لغرض المصادقة عليه وإرساله إلى مجلس النواب العراقي. وبهذا تتّجه الحكومة العراقيّة نحو استنساخ النموذج اللبناني لتقسيم المجتمع العراقي على أساس مذهبي وعرقي بصورة كاملة. فبعد إنجاز مسوّدة القانونَين المشار إليهما، لم يبقَ سوى قانون تنظيم شؤون الطائفة الإسلاميّة الشيعيّة في العراق لتكتمل فصول عزل أبناء المذهب الشيعي عن بقيّة مكوّنات المجتمع العراقي بحسب النموذج اللبناني الذي أرسِيَ منذ عشرينيات القرن المنصرم.

يضمّ المشروع 254 مادة جميعها مبنيّة على اجتهادات فقهيّة قد تختلف في المذهب الواحد مع اختلاف آراء المراجع الدينيّة الشيعيّة حولها. ومن المتوقّع أيضاً أن يشجّع هذا القانون المذاهب الاخرى لإصدار قوانين مشابهة، فمن حقّ المكوّنات الدينيّة الأخرى التي تشارك العراقيّين هذه الأرض أن تكون لها محاكمها الخاصة وقوانينها الخاصة لتنظيم شؤون مذاهبها وأديانها ومجتمعاتها. وهذا يعني تفتيت المجتمع بشكل كامل وتقسيمه ضمن مكوّنات منفصلة عن بعضها البعض، في إطار قوانين مختلفة تستند إلى أسس الأحكام الدينيّة وليس إلى أسس القواعد المدنيّة.

وعلى الرغم من أن المؤيّدين لهذا المشروع يستندون إلى أصل الحريات العامة ومنها حريّة ممارسة الشعائر الدينيّة، إلا أن هذه الاستدلالات هي في غير مكانها إذ ما من اعتراضات على إجراء مراسم الزواج والطلاق عند رجال الدين من كلّ المذاهب والأديان. وعليه يحافظ القانون المدني المعمول به حالياً على حريّة العمل وفق الطقوس الدينيّة بصورة رسميّة. فالقاضي يعترف قانونياً بكلّ أنواع عقود القران المتعارف عليها بين المذاهب الإسلاميّة المختلفة ولدى غيرها من الأقليات الدينيّة.

من جهة أخرى، يشمل المشروع الجديد مخالفات كثيرة لمواثيق حقوق الإنسان بخاصة في مجال حقوق المرأة والطفل، ما أثار تخوّفات كبيرة لدى الشارع المدني في العراق. فتنتهك المادة 16 من هذا المشروع الكثير من قوانين حماية الطفل التي تتضمّنها “اتفاقيّة حقوق الطفل العالميّة” التي انضمّ اليها العراق في العام 1994. وتنصّ هذه المادة على جواز زواج الأنثى منذ بلوغها عمر 9 سنوات والذكر منذ بلوغه عمر 15 سنة. كذلك يجيز القانون للقاضي الشرعي أن يعقد الزواج دون هذا العمر بموافقة ولي الأمر، أي الأب أو الجدّ. علماً أن قانون الأحوال الشخصيّة المدنية النافذ حالياً يحدّد العمر القانوني للزواج بـ 18 سنة من دون فرق ما بين الذكور والإناث. وعليه سيفتح هذا المشروع القانوني في حال التصويت عليه، الباب لزواج القاصرات والأطفال وحتى الإتجار الجنسي بهم.

إلى ذلك، يسمح قانون الأحوال المدنيّة النافذ حالياً في المادة 17 منه بزواج المسلم من غير المسلمة من دون أي شرط أو قيد. لكن المادة 63 من القانون الجعفري المقترح تمنع زواج المسلم من غير المسلمة زواجاً دائمياً وتجيز له الزواج منها زواجاً مؤقتاً أي زواج المتعة. وهذا يعني إيقاف عمليّة الزواج بين الأديان التي لم تنته حتى يومنا الحالي على الرغم من صعوبة الأوضاع وهجرة أعداد كبيرة من الأقليات الدينيّة من البلد.

ويسمح أيضاً القانون المقترح بتعدّد الزوجات من دون قيد أو شرط بحسب ما نصّت المادة 104 منه التي فصّلت كيفيّة تقسيم الأيام بين زوجات الرجل بهذا الترتيب: يبيت الرجل في حال وجود أربع زوجات عند كلّ واحدة منهن ليلة واحدة، وفي حال كان متزوّجاً من ثلاث فإنه يبيت مع كلّ واحدة ليلة وله الحقّ في اختيار واحدة يبيت معها ليلة إضافيّة… وهكذا دواليك. وبالطبع هذا مخالف لما نصّت عليه القوانين العراقيّة النافذة التي تنصّ على عدم الزواج بأكثر من واحدة إلا بأذن من القاضي وبشروط معيّنة، بل ويعاقب بالحبس والغرامة كلّ من يخرق هذا القانون.

وقد نصّت المادة 101 من القانون المقترح على حقّ الرجل الاستمتاع بزوجته في أي وقت يشاء وعلى عدم خروج الأخيرة من بيت الزوجيّة إلا بإذنه. وهذا يعني اعتبار الزوجة حاجة للمتعة الجنسيّة بحيث يستطيع الزوج أن يمارس الجنس معها في الوقت الذي يراه مناسباً من دون أخذ رغبات الزوجة الجنسيّة أو حالتها النفسيّة بعين الاعتبار. وهذا ما يُعتبَر أحد انواع الاغتصاب بالنسبة إلى الخبراء القانونيّين والاجتماعيّين، وقد نصّت عليه المادة الثانية من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضدّ النساء. ويأتي هذا في حين أن المادة 25 من قانون الأحوال المدنيّة العراقيّة الحاليّة أعطت أفضليّة للمرأة بعدم مطاوعة زوجها إذا كان الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الإضرار بها أو التضييق عليها، مثل عدم توفير السكن المناسب أو مرض الزوجة وحالات مشابهة أخرى. وأيضاً في سياق النظرة “المتعويّة” للمرأة، تنصّ المادة 126 من مشروع القانون المقدّم على عدم وجوب توفير نفقة للزوجة إذا كانت صغيرة أو كبيرة غير قادرة على توفير المتعة للرجل.

ويبقى أن ثمّة تخوّفات من أن تمرير هذا القانون سيفتح المجال أمام تمرير قوانين أخرى تختصّ بالعقوبات مثل الرجم وقطع أعضاء الجسد وغيرها من العقوبات الجسديّة المخالفة لحقوق الإنسان. إلى ذلك، فإن الحركة في هذا المسار في بلد متعدّد الإثنيات والقوميات مثل العراق، سيمزّق النظام القضائي ويقسم المجتمع إلى كتل لا تربطها أواصر قانونيّة واحدة، ما ينافي منطق المواطنة نهائياً.