المعارضة البرلمانية في العراق: صورة مشّوهة!
نقاش | بغداد
في العراق وعلى النقيض من الدول الديمقراطية، لا توجد كتل سياسية معارضة للحكومة داخل البرلمان، فجميع الكتل ترفض أن تكون في المعارضة، وتسعى للحصول على وزارات ومناصب في الحكومة، فما السبب؟.
من أبرز الانتقادات التي توّجه إلى رئيس الوزراء نوري المالكي المنتهية ولايته أنه عمل على تشويه مفهوم المعارضة البرلمانية في البلاد، لأن تهمة الخيانة تلحق بأي كتلة تنتقده، ما جعل جميع الكتل البرلمانية ترغب في المشاركة في الحكومة بدلاً من تشكيل كتلة للمعارضة.
وبحسب نظام المحاصصة السياسية في توزيع المناصب بعد 2003، فإن جميع الكتل البرلمانية تشارك في الحكومة، ولم تعلن أي كتلة رغبتها أن تكون ضمن المعارضة البرلمانية، ففي العمل السياسي في العراق أثبتت التجربة إن الانضمام للحكومة أفضل من معارضتها لأن أصوات المعارضة تم تجاهلها من الحكومة بسهولة في السنوات الماضية.
الشئ اللافت إن المادة الأولى من الدستور العراقي تنص على إن: “جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”.
وهذا يعني إن النظام السياسي في العراق يستند على البرلمان وهو أعلى سلطة سياسية في البلاد، فالبرلمان هو الذي يختار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ويعين القضاة وقادة الجيش والشرطة ورؤساء الهيئات المستقلة ويحاسب جميع المسؤولين.
ولكن رئيس الوزراء نوري المالكي الذي حكم البلاد خلال (2006 – 2014) وانتهت ولايته قبل أيام، قام بتصغير دور البرلمان وسرق صلاحياته وتجاهل قراراته ا في العديد من القضايا.
ابرز هذه القضايا التي تجاهلها هو قيام البرلمان ومن خلال العديد من الكتل النيابية بتوجيه العشرات من الطلبات إلى المالكي للحضور إلى البرلمان لمناقشته عن الأوضاع الأمنية والإدارية المتأزمة في البلاد طيلة فترة حكمه.
ويقول موظف في البرلمان يعمل على إعداد جدول أعمال الجلسات البرلمانية لـ “نقاش” إن “هناك أكثر من عشر طلبات وجهها البرلمان إلى المالكي للحضور إلى البرلمان، وجميعا مستندة إلى الدستور العراقي والقوانين ولكن الحكومة تقوم بإرسال رسائل إلى البرلمان برفضه الحضور، وتبرر ذلك بانشغاله أو باتهام النواب بمحاولة إسقاط الحكومة”.
وتؤكد الفقرة السابعة من المادة (61) من الدستور على إمكانية استدعاء رئيس الحكومة حيث جاء فيها “يستطيع عضو البرلمان أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، أسئلة في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، ولكلٍ منهم الإجابة عن أسئلة الأعضاء، وللسائل وحده حق التعقيب على الإجابة”.
وأيضا “يجوز لخمسةٍ وعشرين عضواً في الأقل من أعضاء البرلمان، طرح موضوع عام للمناقشة، لاستيضاح سياسة وأداء مجلس الوزراء أو إحدى الوزارات، ويقدم إلى رئيس البرلمان ويحدد رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء موعداً للحضور أمام مجلس النواب لمناقشته.
وتتضمن هذه المادة الدستورية أيضاً إن “لعضو البرلمان وبموافقة خمسةٍ وعشرين عضواً، توجيه استجوابٍ إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه”.
وعلى سبيل المثال في التاسع نيسان (ابريل) 2013، قدم البرلمان طلباً إلى الحكومة يتضمن وجوب حضور المالكي للجلسة ومناقشة تدهور الأمن في البلاد، لكنه خرج على شاشات التلفاز وأعلن رفضه الحضور واتهم النواب الذين وقعوا على طلب حضوره بأنهم يريدون إسقاط الحكومة والعملية والسياسية.
وأيضا قام المالكي بحماية الوزراء والمسؤولين وقادة الجيش من المراقبة البرلمانية، إذ إن حضور أي مسؤول إلى البرلمان يحتاج إلى موافقة أولا من قبل رئيس الوزراء، وكان المالكي لا يوافق على ذلك رغم إن بعض هؤلاء المسؤولين متهمين بفساد إداري ومالي.
الصيف الماضي طالب عدد من النواب بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي الأديب إلى البرلمان لمناقشته حول عدد من القضايا التي تخص وزارته، ولكن المالكي ساعد الأديب على التملص من الذهاب إلى البرلمان.
والأمر ذاته حصل مع وزير الشباب والرياضة جعفر محمد جاسم، إذ إن الوزير الأديب وجعفر كلاهما أعضاء في “ائتلاف دولة القانون” الذي يتزعمه المالكي.
من الخروقات الأخرى التي قام بها المالكي والتي أضعفت دور البرلمان انه يقوم بتعيين وزراء ومسؤولين وقادة في الجيش دون موافقة البرلمان، كما أنه لم يعرض برنامج حكومته على البرلمان أبداً في السنوات الأربع الماضية.
ويقول النائب الكردي عن كتلة “التحالف الكردستاني” شوان طه لـ “نقاش” إن “الحكومة أضعفت البرلمان لأنها تمنع النواب من تنفيذ المهام الأساسية لعملهم وهو مراقبة عمل الحكومة وتتجاهل طلبات البرلمان لمساءلة الوزراء والمسؤولين وقادة الجيش”.
الفقرة الخامسة من المادة (61) من الدستور العراقي تقول إن من صلاحية البرلمان الأساسية الموافقة على تعيين “رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، باقتراح من مجلس الوزراء، ومنصب رئيس أركان الجيش، ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة في الجيش فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات، بناءاً على اقتراحٍ من مجلس الوزراء”.
كما تنص الفقرة الرابعة من المادة (76) على أن “يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً على ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالغالبية المطلقة”، ولكن المالكي لم ينفذ ذلك أبداً.
وبسبب هذا التجاهل من قبل الحكومة لقرارات البرلمان، أصبحت جميع الكتل ترغب بالانضمام للحكومة ولا تريد تشكيل كتلة معارضة للحكومة لأن النواب المعارضين لا أحد يستمع لهم بل على العكس تقوم الحكومة باتهام النواب المعارضين بأنهم خونة وفاسدين.
وكان المالكي يسعى لتشكيل حكومة غالبية سياسية بعد الانتخابات التي جرت في آذار (مارس) الماضي وفاز فيها بـ (95 مقعدا)، وقال في أكثر من حديث على شاشات التلفاز إن هناك حاجة لإنهاء نظام التوافق السياسي، ويجب تشكيل حكومة من الحزب الفائز، وأما باقي الأحزاب فتكون معارضة في البرلمان.
ولكن مراقبين يقولون إن المالكي وقع في فخ صنعه بنفسه، لأنه طالب بتشكيل حكومة غالبية ويقابلها معارضة، لكنه في الواقع عمل خلال السنوات الثمانية من حكمه على تجاهل المعارضة ورفض الاستماع لهم، ما جعل الكتل ترفض أن تكون في المعارضة وتفضل المشاركة في الحكومة وتقوم بمعارضته من الداخل.