رمزية (المظروف المغلق) في احتوائه على التشكيلة الوزارية التكنوقراطي!
فارس كمال نظمي
قراءة اولية لما حدث اليوم في مجلس النواب العراقي؟!
رئيس مجلس الوزراء في أدائه اللفظي والجسدي أمام مجلس النواب، قد تقمص دور “مدير مفوض” لشركة مفلسة، إذ كان يبدو مرهقاً ويائساً، وهو يحاول أن يبرئ ذمته أمام المستثمرين الذين نصّبوه مديراً، بأن وضع “رؤيته” لإصلاح الشركة في مظروف مغلق دون أن يجرؤ على تلاوة أسماء المرشحين علناً أمام المجلس والرأي العام، وقال لهم: أنتم أحرار في قبولها أو رفضها أو تعديلها. وسارع بالخروج تاركاً أصحاب الشركة يواجهون إفلاسهم وحدهم!
ومع ذلك، فالتشكيلة التكنوقراطية المقدمة للبرلمان، تشكّل أول شرخ جدي (لا يُعرف عمقه بعد) في جدار التقاسم الغنائمي للسلطة الذي لم تتوقف شهيته منذ 2003، إذ يجري للمرة الأولى في أروقة البرلمان المكتظة بمفاهيم الطائفة والعِرق، تداول فكرة الاستعانة بـ”الخبير المهني المستقل” بديلاً عن فكرة “السياسي المتأسلم” منتهي الصلاحية!
ولكن في منظور علم السياسة، فإن رئيس مجلس الوزراء رمى بطوق نجاة إلى النخب السياسية الحاكمة، ليستعينوا بما يحتويه هذا المظروف المغلق في ترميم صورتهم الرثة في أذهان الناس المتلهفين للتغيير والباحثين عن نمط جديد مغاير تماماً من سلطةٍ تحترم حقوق المجتمع وكبريائه.
ولذلك فحدث اليوم يمكن قراءته أيضاً من أحد أبعاده المحتملة المتعددة على أنه فرصة (قد لا تتكرر أبداً مرة أخرى) لتديم السلطةُ وجودها، وتستعيد شيئاً من شرعيتها المتآكلة، وتعيد إنتاج هيمنتها على الأحداث عبر تضحيتها بالجزء (أي قبول تكنوقراط تنفيذيين) مقابل الاجتماعي الحاد عبر وسائل التخدير التي أصبحت تجيدها بفعل خبرة الاستبداد والفساد.
الاستنتاج الأولي لما وراء حدث اليوم: الحراك المدني، ومن بعده الحراك الصدري، نجحا في نقل المناخ السياسي المجتمعي والسلطوي خطوة مهمة ولكن محدودة وابتدائية، نحو التفكير الجدي بدولة المواطنة المنتظرة، على دربٍ طويل وعسير ومتشعب إسمه درب نقل السلطة سلمياً من لصوصية الإثنيات السياسية إلى نزاهة الخيار المدنياتي الحر. لكن هذه النقلة ستبقى عقيمة أو تفرغ من محتواها إذا لم يتم تدعيمها سريعاً بخطوات إصلاحية نوعية متلاحقة تحت ضغط الحراك الاحتجاجي الذي أصبح اليوم مطالباً ليس بالاستمرار احتفاظها بالكل (أي سلطة التشريع والرقابة والقضاء)، بقصد امتصاصها للاستياء فحسب بل بتوسيع تكتيكاته وخططه وتحالفاته أيضاً!
سقف المطالب الشعبية يجب أن يرتفع، إذ أن أي استرخاء أو تهاون أو انتظارات طويلة لسلحفاة البرلمان البارعة في التدليس، سيعني اختلال بوصلة الأمل المتنامي، ودخول البلاد في سبات عقلي جديد يشبه (المظروف المغلق) الذي انتظرنا وصوله إلى مجلس النواب ثلاث عشرة سنة!!