«البروبوكاندا» الإيرانية في العراق أقوى من الحقيقة
يلعب الإعلام الإيراني في العراق دوراً كبيراً وهناك تحشيد إعلامي إيراني يرتكز على مجموعة شائعات كاذبة، وأكثرها تأثيراً التي تقول إن طائرات أميركية تقصف ثكنات الجيش و”الحشد الشعبي” وتساعد تنظيم داعش.
غياب الحيادية في تغطية المعارك ضد “داعش” سمح لترويج شائعات عدة يقودها الإعلام الإيراني عبر المئآت من الصحف والقنوات الفضائية والإذاعات المملوكة للأحزاب الشيعية في العراق، بينما تلتزم وسائل الإعلام المستقلة بعدم نشر أخبار تسئ الى “الحشد الشعبي”.
وأبرز تلك الشائعات هي قيام طائرات “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة بقصف قوات الجيش و”الحشد الشعبي”، وبدأت هذه الشائعة عبر مواقع محلية مغمورة لا يُعرف صاحبها وسرعان ما انتشرت لتتناولها قناة “العالم” الإيرانية” وباقي القنوات العراقية المحلية المملوكة للأحزاب الشيعية.
بدأت الشائعة في ديالى حيث قال قادة في “الحشد الشعبي” إنهم شاهدوا طائرات أميركية تقدم الأسلحة والغذاء لعناصر “داعش” بالمظلات، وتبنى نواب في “التحالف الوطني الشيعي هذه الشائعة دون أي أدلة، وأعلنت فصائل شيعية مثل “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” إن مقاتليها شاهدوا الطائرات الأميركية وهي تساعد “داعش”.
ومع مرور الأيام تزايدت الشائعات في تكريت وسامراء التابعة لمحافظة صلاح الدين، و”الكرمة” و”الرمادي” التابعة لمحافظة الأنبار، عندها نفذ صبر الحكومة على هذه الشائعات وأعلنت تشكيل لجنة لمعرفة الحقائق.
وفي لقاء لرئيس الوزراء حيدر العبادي مع مجموعة من الصحافيين العراقيين في 23 شباط (فبراير) أعلن العبادي إنه حقق بنفسه عن هذه الأخبار وتبيّن إنها كاذبة، وقال إن “هذه الكذبة تسعى لتحقيق أهداف معينة”.
كما أصدرت السفارة الأميركية في بغداد أكثر من بيان رسمي تنفي هذه الأخبار، بالإضافة إلى قادة في الجيش والشرطة، ومسؤولين كبار بينهم وزير الخارجية إبراهيم الجعفري ووزير الدفاع خالد العبيدي الذين أكدوا إنها شائعات فقط.
المفارقة إن غالبية العراقيين ما زالوا يصدقون هذه الشائعة ولا يصدقون كلام الحكومة، بسبب نجاح الإعلام المتعاطف مع إيران بإقناع العراقيين إن الطيران الأميركي يقتل الجنود ويدعم “داعش” ويمنع “الحشد الشعبي” من تحرير المدن.
وليست هذه الشائعة الوحيدة، فهناك العديد من الشائعات الأخرى التي تتداولها وسائل الإعلام الشيعية دون أدلة ويصدقها المتابعون بشكل مطلق حتى بدأت تؤثر على العراقيين فيما بينهم، وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي شتائم فيما بينهم، فالذي لا يصدق هذه الاخبار يعد خائناً ويؤيد “داعش”.
ومن هذه الشائعات التي انطلقت مع بداية المعارك ضد تنظيم “داعش” في تكريت بداية آذار (مارس)، تقول إن “ابنة الرئيس العراقي السابق رغد صدام حسين موجودة في تكريت وتدعم داعش، وطلبت رغد من “الحشد الشعبي” السماح لها بمغادرة المدينة مقابل أموال طائلة كانت بحوزتها”.
ويبدو إن هذه الشائعة مدروسة بشكل جيد، فالعراقيين يعرفون جيداً إن تكريت هي موطن ولادة صدام حسين، ولأن الشيعة في العراق يكرهونه ويرغبون بالانتقام من عائلته انتشرت الشائعة بسرعة كبيرة، ويصدقها الكثيرون على الرغم من إن ابنة صدام حسين متواجدة في الأردن منذ سنوات.
ومن الشائعات الأخرى إن “حزب البعث بقيادة نائب رئيس الجمهورية السابق عزت الدوري يقود جيشاً في تكريت والموصل ويستعد للهجوم على قوات “الحشد الشعبي”، ويتم دعم هذه الشائعة بأخبار غير موثقة عن تمكن “الحشد الشعبي” من اعتقال سائقه الدوري أو أحد أقربائه وأصدقائه.
وسائل الإعلام الشيعية لم تكتفِ بنشر هذه الشائعات فقط، بل قامت بمهام أخرى، على سبيل المثال تحويل شخصيات وقادة في “الحشد الشعبي” إلى كاريزما محبوبة بين العراقيين خصوصاً الشيعة منهم، أو تشويه سمعة سياسيين ونواب سنة واتهامهم بدعم “داعش”.
كما جعلت وسائل الإعلام من قائد “الحرس الثوري الإيراني” قاسم سليماني بطل وصاحب كاريزما وتستعمل صور إلتُقطت له وهو بين صفوف “الحشد الشعبي” إلى جانب قادة عراقيين مثل هادي العامري زعيم منظمة بدر.
سليماني والعامري وأبو عزرائيل أصبحوا بنظر بعض العراقيين منقذين، ويتداولون فيما بينهم قصص لهؤلاء في المعارك، فيما يقوم عراقيون آخرون بوضع صورة سليماني كصورة شخصية في حساباتهم على “فيس بوك”.
وسائل الإعلام هذه تستطيع ترويج أي فكرة حتى لو كانت غير حقيقية، وعلى سبيل المثال هي تبث أخباراً أثناء المعارك عن تحرير مدن كبيرة وقتل المئآت من عناصر “داعش” ويتبيّن فيما بعد إنها كذبة ومثل هذه الأخبار خلقت الإرباك بين العراقيين.
وهناك حملة إعلامية واسعة تقلل من أهمية الجيش والشرطة في الدفاع عن البلاد، وتعطي أهمية كبيرة لقوات “الحشد الشعبي” الذي هو فصائل شيعية عديدة غالبيتها موالية لإيران ويقودهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني، وهي حملة تقودها وسائل الإعلام الشيعية ذاتها.
المشكلة في انتشار الشائعات بدأت منذ تشكيل قوات “الحشد الشعبي” في حزيران (يونيو) الماضي، وفي ذلك الوقت حصل تحشيد عام لوسائل الإعلام العراقية المحلية، وغالبيتها وقعّت على مواثيق تؤكد على ضرورة تأييد الجيش و”الحشد الشعبي” ضد تنظيم “داعش”، ولهذا أُخفيت العديد من الحقائق.
ومع اشتداد المعارك بين قوات الجيش المنهارة وحليفه “الحشد الشعبي” ضد تنظيم “داعش” الذي استطاع عبر ترسانة إعلامية واسعة من الاستحواذ على الجانب الإعلامي، تغيَّر خطاب وسائل الإعلام العراقية، وتخلّت العديد من الصحف والفضائيات عن حياديتها تحت ضغوط عدة.
العشرات من المراسلين الحربيين لوسائل الإعلام المحلية التي رافقت قوات الجيش و”الحشد الشعبي” لم يستطيعوا نقل أخبار حرق منازل واعتقال وقتل أبرياء على يد عناصر من “الحشد الشعبي”، وكانت مهمة هؤلاء الصحفيين نقل انتصارات الجيش و”الحشد الشعبي” فقط، بينما حاولت وسائل إعلام شيعية إظهار مقاطع فيديو لعناصر من “الحشد الشعبي” وهو يعاملون السكان المحليين بشكل جيد ويعطونهم الطعام.