جيش اليتامى في الأنبار!
عمر الجفال – المونيتر
فقدت نعيمة إبراهيم (36 عاماً) زوجها أثناء القصف على مدينة الفلّوجة قبل نحو 4 أشهر، وكانت السيدّة التي تعيل الآن ثلاثة أطفال، تنوي الهرب مع زوجها من المدينة، بعدما أصبحت تحت سيطرة مسلّحين ينتمون إلى “الدولة الإسلاميّة”، وبضعة مجموعات قبليّة أخرى، لكنّ القصف أدّى إلى موت زوجها أثناء ذهابه لشراء الطعام لها ولأطفالها.
موت زوج نعيمة أجبرها على البقاء في الفلّوجة، وهي تعيش وأطفالها ممّا يمنحه لها إخوتها وجيرانها من مال، إضافة إلى ما تقدّمه إليها منظّمات إنسانيّة في المحافظة من مساعدات.
يضع أحد أعضاء منظّمة الخير والأخيار في الأنبار علي الحيالي على عاتقه مساعدة الحالات المشابهة لنعيمة.
ويقدّر الحيالي انضمام نحو 400 يتيم إلى قافلة الأيتام في المحافظة، منذ بدء العمليّة العسكريّة الحكوميّة على المجموعات المسلّحة في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.
ويشير الحيالي، الذي يحاول مع مجموعة من منظّمات مدنيّة وإنسانيّة أخرى، إحصاء حجم الدمار الذي لحق بالمدينة، إلى صعوبة الوصول إلى احصاء دقيق لعدد الأيتام بسبب القصف المتواصل، وتقطيع أوصال الطرق بين مدن المحافظة.
لكنّ الحيالي، الذي استطاع الوصول إلى أرامل، ومنحهنّ مساعدات تتلخّص في رزم من الطعام، يقول في اتّصال مع “المونيتور” إنّ “الحكومة المحليّة في الأنبار تكتفي بتسجيل اليتامى والأرامل في سجلاّتها… وهي لا تساعدهم”.
ويقرّ الحيالي بالصعوبة التي تقع على عاتق حكومة الأنبار في الالتفات إلى الأيتام والأرامل، بسبب تفاقم الأزمات وسوء الوضع الأمنيّ والعمليّات العسكريّة المتواصلة. ويقول أيضاً إنّ “أغلب الموظّفين في الدوائر المعنيّة مهجّرون”.
ويعترف رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت بأنّ “ما يجري من عمليّات عسكريّة وقصف عشوائيّ للجيش والمسلّحين خلّف أعداداً كبيرة من القتلى، ممّا يعني ازدياد نسبة الأيتام”.
لكن حكومة الانبار ليس لديها احصائية محدّدة بعدد هؤلاء الأيتام بسبب الضعف الإحصائي لديها، وهذا ما يفاقم الأزمة في مساعدتهم في المستقبل.
ويشدّد كرحوت في اتّصال بالـ”المونيتور” أنّه “لا بدّ من إيقاف عمليّات القصف العشوائيّ”.
ووفقاً لرئيس مجلس الأنبار، فإنّ “الأنبار طلبت من حكومة بغداد إيقاف عمليّات القصف العشوائيّ ، والعمليّات العسكريّة الدائرة في المحافظة لأكثر من مرّة، لكنّها لم تستجب”.
ويشير كرحوت إلى أنّ “مجلسه حاول مراراً إيجاد حلول سلميّة للخروج من الأزمة بدلاً من الحلول العسكريّة”، لكنّه يستدرك بالقول: “مطالبنا لم تجد آذاناً صاغية”.
ويدعو كرحوت الحكومة الجديدة إلى “إيقاف المعارك والعمليّات العسكريّة وإيجاد طرق للتواصل مع العشائر للخروج من هذه الأزمة بأسرع وقت”.
وفي 13 أيلول / سبتمبر، أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي إصداره أوامر بإيقاف القصف على جميع المدن التي يوجد فيها مدنيين حتى وإن وجد فيها “داعش”، وشدد على أن حكومته لا تريد “المزيد من الضحايا الأبرياء”، لكن بعد يومين من قرار العبادي قالت مستشفى الفلوجة أنها تعرّضت إلى القصف بقذائف هاون مجدداً.
ومنذ غزو العراق من قبل القوّات الأميركيّة في نيسان/أبريل عام 2003، تسجّل المنظّمات المحليّة والدوليّة ارتفاعاً في عدد الأيتام والأرامل بسبب تفاقم الوضع الأمنيّ في البلاد، الذي لم يشهد استقراراً طوال السنوات العشر الماضية، وبات هذا يرمي بظلاله على المجتمع.
وفي عام 2011، قدرّت منظمة اليونسيف عدد الايتام الذين فقدوا أحد الوالدين، أو الاثنين مع بعض، بحوالي 800 ألف يتيم، ولا بد أن يكون هذا الرقم قد تصاعد مع حدّة الهجمات التي تعرّض لها العراق في العامين الأخيرين، ولاسيما عام 2013 الذي عدّته بعثة الأمم المتحدة “اليونامي” من “الاكثر دموية منذ خمس سنوات” على البلاد.
وتعتبر الباحثة في علم الاجتماع إخلاص الدليمي أنّ “ارتفاع عدد الأيتام في الأنبار هو نتيجة الحروب”.
وبنبرة يائسة، تقول الدليمي إنّ “تفاقم حالات الأيتام ستنعكس سلباً على المدى البعيد على المحافظة”، وتعلّل ذلك بالقول إنّ “الأيتام سيجبرون على العمل لإعالة عائلاتهم بعد ترك الدراسة”.
وتضيف في حديث إلى “المونيتور”: “في المستقبل، سنجد آلافاً من الشباب غير المتعلّمين الذين يعانون البطالة، وسيصير اصطيادهم من قبل التنظيمات المسلّحة التي تسعى إلى خلخلة الدولة، أمراً في غاية السهولة”.
بالمقابل، لا يبدو أن الحكومة العراقيّة لديها ستراتيجية واضحة لمعالجة هذه القضيّة التي تشكّل في المستقبل أزمة متفاقمة، إذ تشخّص المنظمات المدنية خللاً في التشريعات التي تمنح هؤلاء الأيتام حقوقهم، كما أن الدور المخصصة لهم تعاني من الأهمال وهي لا تتعدى الـ23 داراً، وليس فيها تعليماً واهتماماً كافياً لدمج الأيتام في المجتمع بعد تعديّهم السنّ القانونية التي تسمح لهم الدخول إلى سوق العمل، ما يعني أن البقاء على هذه الحال سيجعلهم ينضمون إلى طابور البطالة، أو استغلالهم من الميليشيات التي يتنامى دورها يوماً بعد آخر.