شهادة عن التحديات التي تواجه الإعلام في العراق بعد أنتكاسة الموصل!
الاعلامي سعدون محسن ضمد
مؤسسة مدارك
شهادة مقدمة لمؤتمر مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي ICSSI
اوسلو – النرويج – اكتوبر ٢٠١٤
مقدمة:
قد يكون الكلام عن حرية التعبير وبالذات عن التحديات التي تواجه الإعلام في العراق، بعد ما يسمى بـ”انهيار الموصل” في 10-6-2014، نوعا من أنواع الترف، باعتبار أننا صرنا نواجه تهديدات مباشرة وخطيرة للحق بالحياة، الذي باتت داعش تسلبه بشكل علني وسافر، في تحد واضع للدولة وقوى المجتمع. مع ذلك تبقى عملية رصد وتوثيق ما له علاقة بالإعلام ومهنيته وقدرته على رصد الحقيقة وإيصالها، ضرورية لأن الإعلام بمثابة الساتر المتقدم بمواجهة التهديدات التي تطال الحقوق والحريات الأخرى. وفي هذا الصدد لا بد من الكشف ولو بصورة أولية عن أهم التحديات والعراقيل التي باتت تحول بين الإعلام وبين تحقيق وظيفته الاجتماعية والسياسية وحتى المدنية.
التحديات:
اول التحديات: تمثلت بضياع البوصلة التي كان الاعلام يسترشد بها في خطابه الموجه خلال هذه الأزمة، ففي ظل الغياب التام للمعلومة لم يعد باستطاعة هذا الاعلام، لا أن يحدد المسؤول الحقيقي عن أكبر انهيار امني يواجه العراق في تاريخه الحديث، والمتمثل بسقوط ثلاث محافظات ووصول قوى الإرهاب إلى الحدود القريبة من العاصمة بغداد. ولا أن يحدد إن كان بمواجهة هجمة إرهابية تقودها قوى تكفيرية قادمة من خارج الحدود أم بمواجهة انتفاضة جماهيرية تقودها قوى اجتماعية ناقمة على سياسة الحكومة. ومن هنا فقد اشتبكت خيوط الواقع وصار تلمس الحقيقة صعب إلى درجة مخيفة، وصارت عملية توجيه الخطاب المهني المعتدل أشبه بالنكتة وسط هياج طائفي تشكيكي هائل.
التحدي الثاني: تمثل بحجم وتعدد اشكال الجرائم التي ارتكبتها داعش، والتي توزعت بين جرائم الإبادة التي توجهت الى اعراق وطوائف محددة، وجرائم القتل المنظم والاغتصاب والاختطاف والتهجير. إن تنوع الجرائم والأعداد الهائلة من المواطنين ممن وقعوا ضحايا لها، جعل الإعلام في العراق بمواجهة تحد لم يكن بمستوى مواجهته، لا من حيث وجود مؤسسات مهنية حيادية بدرجة كافية، ولا من جهة وجود خبرات سابقة في هذا الإطار، أقصد في إطار تغطية ميادين الحروب، وهذه مفارقة غريبة أن يعجز الاعلاميون الذين يعيشون داخل أكثر البلدان عرضة للحروب والنزاعات عن مواجهة مثل هذا التحدي. لقد تعرض آلاف المواطنين العراقيين إلى جرائم خطيرة دون أن يعلم بهم أحد، ودون ان يستطيع الإعلام في العراق وحتى في خارجه، عن أن يغطي معاناتهم.
وإلى الآن لا أحد يستطيع أن يعرف ما حدث بالضبط في مدينة الموصل لحظات الإنهيار الأولى ولا ما حدث إثر ذلك وبسببه، في تل اعفر وسهل نينوى وسنجار وبقية الأقضية والنواحي، ولا أحد يستطيع أن يعرف مقدار المذابح التي طالت الشيعة التركمان، أو الإيزيدية أو الشبك، وهي مجموعات استهدفتها داعش بشكل مقصود ومنظم.
ومن خلال عملي في الإعلام وتجوالي في بعض المحافظات ولقاءاتي مع المسؤولين الكبار لم استطع أن أحصل على معلومات تغطي علامات الاستفهام الكبيرة لدي ولدى المشاهدين. وفي إطار ملاحقة المعلومات المتعلقة بما واجهه الايزيديون كنت قد التقيت بالسيدين (عيدو بابا شيخ) مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الايزيديين وأخو كبير طائفة الايزيديين وكذلك التقيت بمحافظ دهوك السيد (فرهاد اتروشي) باعتبار أن هذه المحافظة شهدت نزوح أغلب الناجين من مذابح داعش من افراد هذه الطائفة، مع ذلك لم أجد لا أرقام دقيقة تكشف عن عدد الضحايا، ولا وثائق تؤكد حدوث جرائم السبي والاغتصاب والابادة، الأمر الذي أبقى هذه الجرائم بحدود الإشاعة. نعم وجدت أن هناك مساع جادة ـ دولية ومحلية ـ للمباشرة بملاحقة المعلومات وتوثيقها، لكن هذه المساعي ستتأخر كثيراً، وقد لا تكشف عن الشيء الكثير.
وفي إطار البحث عما يتعلق بالتركمان الشيعة كنت قد التقيت بالسيد (حسن توران) القيادي في الجبهة التركمانية ورئيس مجلس محافظة كركوك، اكتشفت أنني بمواجهة نفس أزمة نقص المعلومات والعجز عن توثيق الجرائم، فحتى الجبهة التركمانية لا تعرف الاعداد الحقيقية للقتلى من التركمان، ولا للمهجرين منهم ولا لعدد وأماكن تجمعاتهم.
ونفس الكلام ينطبق عن المحافظات التي اتجه اليها النازحون، ففي إطار محاولاتي متابعة أحوال النازحين وتوثيق أعدادهم والطوائف والأعراق التي ينحدرون منها، التقيت برئيسي السلطة المحلية لمحافظتي كربلاء وبابل ولم أحصد في هذين اللقاءين معلومات دقيقة ومهمة، ليست هناك أرقام واحصاءات دقيقة تحصي النازحين وتوزعهم بحسب مناطقهم وأعراقهم وطوائفهم، لنعرف ما نحن بمواجهته من تغيير ديموغرافي، ومن طبيعة وغايات الجرائم التي تم ارتكابها.
التحدي الثالث: أن الإعلام عجز عن تحديد حجم ونوع الخطر الذي بات يواجه البلد من أجل أن يحدد بمرحلة لاحقة طبيعة ونوع المهمة التي يجب عليه أن يقوم بمسؤوليتها، فمن جهة هناك قوى اجتماعية تنتمي للطائفة السنية تبنت السيطرة على الموصل والمدن المنهارة، وادعت أن داعش مجرد تابع ممكن السيطرة عليه من قبلها، لكنها من جهة أخرى رفضت تحمل مسؤولة الجرائم التي اقترفتها داعش، وعجزت عن السيطرة عليها وعلى جرائمها بل وعن تقديم ما يثبت قدرتها على السيطرة على الانهيار المستمر وإيقاف تداعياته.
وخلال جولة خاصة قمت خلالها بإجراء لقاءات ميدانية مع مجموعة من المسؤولين منهم الناطق الرسمي باسم الثوار ومنهم محافظ الموصل ومحافظ كركوك وكذلك مع محافظي كربلاء وبابل المهددتين من تجمعات داعش في منطقة البحيرات وجهة جرف الصخر.
وكانت حصيلة هذه الجولة أن المسؤولين الميدانيين لا يمتلكون رؤية واضحة لا عن جم وطبيعة التهديد، ولا عن سبل مواجهته، ولم يستطيعوا أن يقدموا ما يثبت أن لديهم ما يكفي من الضمانات لمنع حدوث المزيد من التداعيات، الأمر الذي يؤكد بأن الإعلام في العرق يدور بحلقة مفرغة.
إن عجز الاعلام عن استكشاف ملامح الحدث في العراق، يعني أن الوضع في العراق ـ وهو الوضع الأخطر في العالم الآن ـ غير معروف، لا لنفس العراقيين ولا للعالم، وهذه أزمة عالمية خطيرة، فداعش لا تهدد العراقيين وحدهم، بل تهدد الإنسان والإنسانية، وسنكتشف بعد انجلاء الغبرة وانكشاف الحقيقة، أن المجتمع الدولي كان قد سكت كثيراً عن تمددات داعش إلى أن تمكنت من ارتكاب جرائم كبرى بحق الإنسان في العراق وبحق التنوع الإثني والطائفي في هذا البلد.
ونقص المعلومات هذا لا يؤثر على العراقيين وحدهم بل على الرأي العام الدولي وهو رأي له أهمية بالغة في توجيه السياسية العالمية من أجل تدارك المخاطر بعيداً عن اهداف الساسة وغياتهم.
مسؤوليات المجتمع الدولي:
بالاستناد لما تقدم أجد بأن على المجتمع الدولي ممثلاً بجهده المدني قبل جهده السياسي، أن يحاول تدارك الموقف من خلال:
أولاً: الضغط باتجاه تدخل عالمي من اجل مواجهة خطر داعش، فبلد مثل العراق يعاني من انقسام طائفي حاد، لا يمكن له أن يخوض حرب ضد تنظيم ذو طبيعة طائفية، خاصة إذا تذكرنا بأن هذا البلد يعتمد ـ ونتيجة لملابسات تاريخية دينية سياسية اجتماعية ـ بمواجهة داعش على ما بات يسمى بالـ(حشد الشعبي) وهو عبارة عن تشكيلات قتالية غير دستورية، ذات طابع طائفي “شيعي” الأمر الذي يصبغ الحرب على داعش التي هي حرب من أجل الحق بالحياة، يصبغها بصبغة طائفية. وهو أمر بالغ الخطورة يجع لمن مهمة الانتصار على داعش في العراق شبه مستحيلة.
ثانياً: تقييم خطاب وسائل الإعلام الغربية وبالذات الناطقة بالعربية، أو التي تلك المختصة بتغطية الأحداث في العالم العربي، من قبل جهات مختصة، فهذه الوسائل ليست بمنأى عن تاثيرات اللوبي الذي يعمل على تأزيم الوضع في العراق.