مجلس النواب يسعى للحد من حرية التعبير والتظاهر في العراق خلافا للدستور
24-11-2014
اجرى البحث والتحليل الصحفي و القانوني حسام الحاج – مرصد الحريات الصحفية
يبدي مرصد الحريات الصحفية قلقه البالغ لاستمرار عمل مجلس النواب العراقي بقرأة القوانيين التي تتعلق بالحقوق والحريات التي تقدمت بها الحكومة السابقة، بعد ان تم سلب حق صياغة مشاريع القوانين من المجلس واحالته للحكومة وفقا لقرار المحكمة الاتحادية، وهذا مايثير قلق المنظمات الحقوقية التي تسعى لترسيخ النظام الديمقراطي في العراق.
ومما يثير المخاوف فعليا انه في حال اقرار ايا من تلك القوانيين او الاستمرار بالعمل وفقا للسابق منها فان ذلك قد يقوض من حق التظاهر السلمي وممارسة حرية التعبير في البلاد. نجد وللاسف الشديد ان مجلس النواب الحالي يناقش مسودة ” قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي” التي تقدمت بها الحكومة السابقة، بعد موجة المظاهرات التي اجتاحت المدن العراقية اعتراضا على اداء السلطة التنفيذية والفساد المالي والاداري.
ان اعتراض مرصد الحريات الصحفية واغلب المنظمت المدافعة عن حرية التعبير المؤيدة له، تصب في ان معظم مواد مسودة القانون يحيطها الغموض المفرط أو التناقض المباشر مع المبادئ الواردة في الدستور العراقي أو العهد الدولي، ما قد يفتح الباب على مصراعيه للإعتداء على الحريات المدنية في العراق. وعليه يدعو مرصد الحريات الصحفية إعادة النظر في هذا القانون بشكل جدي قبل تشريعه.
ووفقا لدراسة وتحليل القانون من قبل الصحفي والقانوني حسام الحاج، فان مسودة القانون الحالية تحد من الحريات بشكل واضح، والمفترض أنها وضعت لتصونها، وذلك من خلال التعريف الوارد في المسودة والقائل أن حرية التعبير عن الرأي وحرية الحصول على المعلومات هي “حق للمواطن العراقي فقط” من دون ذكر لحقوق أي فئات أخرى من الأشخاص (المادة 1 البندان الأول والثاني). ما يعني أن حقوق الأشخاص من غير المواطنين العراقيين في التعبير عن آرائهم، أوالبحث عن المعلومات في الدولة العراقية، أو المشاركة في التجمعات في العراق غير محمية على الإطلاق حسب المسودة الحالية لهذا القانون.
وبناءا على ماتقدم يرى مرصد الحريات الصحفية ان من المصلحة ان يرفض مجلس النواب تمرير مسودة القانون، ويصبح لزاما اعادة دورة تشريع القانون مجددا قبل تقديمها الى المجلس. وبما ان التشريع الجديد يجب ان يضع في نظر الاعتبار الاسباب التي أدت الى رفض القانون، فأن المشرع يجب ان يقوم بكتابة مسودتين اثنتين تستخلص من المسودة الحالية وهما
( مسودة قانون الاجتماع والتظاهر السلمي ) استنادا الى الفقرة ج من نص المادة 38 من الدستور، ومسودة قانون (حق الوصول الى المعلومات ) استنادا للفقرة ب من نفس المادة المذكورة انفا. على ان تبقى حرية تعبير مطلقة كما نص عليها الدستور .
مقدمة التحليل
لم يخرج مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي عن اطار الفهم الميكافيلي السلطوي الذي كون الاسس والدعائم المحركة للانظمة السياسية التي حكمت منذ عقود في دول “العالم الثالث”، فهمٌ يؤسس لمنظومة تشريعية تدعم السلطات في ممارسة اي نوع من انواع (خنق) او مصادرة الحريات العامة، وتضع في قبضتها درع فولاذي لتفتيت اي محاولة لنشوء فكر يخالف المؤلوف.
ويتبين أن قانون حرية التعبير عن الرأي قد كتب بفهم مؤطر بـ “فوبيا” سلطوية يمتد عمرها لعقود خلت، فوبيا ساهمت في اخفاقٍ وطنيٍ تاريخي عريض في صناعة رأي عام مؤثر يمارس الرقابة الاجتماعية والتشخيص الدقيق للمشكلات السياسية والاقتصادية والبنيوية .
ونسعى من خلال هذه الدراسة بيان الأثار السلبية الناتجة عن مثل هكذا قوانين (تأسيسية) تُدَعِمُ هيكلية الدولة وفقا للمعايير الدستورية، لذا ينبغي ان تشرع بدقة تشبه تلك الدقة التي تُجرى فيها ضمان حقوق المجتمعات في ممارسة حقوقهم لخلق واختيار الحكم الرشيد وخاصة في البلدان التي تمر بمراحل تغيير نحو ترسيخ النظام الديمقراطي.
البحث
يستند القانون في الديباجة على المواد 38،والبند اولا من المادة 61 والبند ثالثا من المادة 73.
الخلل الاساسي يكمن في استناده على نص المادة الـ 38 المتكونة اصلا من 3 بنود تنص على أن (تكفل الدولة بما لايخل بالنظام العام والاداب : حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل / حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر/ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي ) .
من الواضح ان المادة 38 منحت حق حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وجعلته حقا مطلقا (المطلق يجري على اطلاقه اذا لم يقدم دليل التقييد نصاً او دلالة ) غير ان مجلس النواب ومن قبله مجلس الوزراء يصر على تقييد الحق الدستوري المطلق، ويُعد ذلك خرقا بنيويا يجب رفضه قبل الشروع بقراءته او اخضاعه للبحث اصلا .
وكانت عملية كتابة الدستور قد شهدت نقاشات استمرت لثلاثة ايام حول صياغة المادة الـ 38 قبل الاتفاق على تمريرها، بسبب خلاف نشب بين الاطراف السياسية التي ساهمت بكتابة الدستور حول ابقاءها حقا مطلقا او تقييدها بقانون حتى تم الاتفاق بالاجماع على اطلاقها.
ويتبين من ذلك ان قصد المشرع كان اطلاق الحق ولايمكن لأي سلطة تقييده قبل استفتاءا شعبيا يحضى بقبول اغلبية المصوتين. واستنادا الى القاعدة القانونية والفقهية التي تقول أن ( المشرع منزه عن اللغو) فأن كلام المشرع يجب ان يُحمل على وجه يقبل التنفيذ والتطبيق. فلا يجوز للمفسر ان يهمل أي لفط من الفاظ النص، تحت تبرير انه اقرب للعدالة او لتحقيق المصلحة، فتغيير معنى النص بحجة تفسيره هو عبارة عن وضع لقانون جديد وليس تفسيراً له.
والخلل الاخر الذي يجب الاشارة اليه هو ان المحكمة الاتحادية تختص استنادا للمادة 93 اولا :بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة.
الالية المعتمدة في شتى اصقاع الارض في الرقابة اوتفسير دستورية القوانين هو العودة الى قصد المشرع وليس التأويل والتفسير حسب المزاج السياسي العام ..!
أذن فأن المشرع لم يشترط بالضرورة تنظيم حرية الرأي بقانون بل اشترط والزم بما لايقبل اللبس بتنظيم حرية الاجتماع والتظاهر السلمي الذي ورد في الفقرة الثالثة من المادة 38 ويبدو ان قصد المشرع يهدف الى تنظيم التظاهر والحؤول دون تعكير صفو النظام العام والسيطرة على الفوضى التي من الممكن ان تنتج عن الاجتماع العام والتظاهر السلمي، اما حرية التعبير فهي مطلقة. وبما أن الاصل في القانون الاباحة فأن اقحام حرية التعبير عن الرأي في هذا القانون يعد خللا بنيويا.
وفي الشروع بتفصيلات الخروقات القانونية التي وردت في متن مسودة القانون التي انهى مجلس النواب قراءتها الثانية فنجد..
– في المادة 1 :اولا يقول نص المادة يقصد بالتعابير لاغراض هذا القانون المعاني المبينة ازاءها.
حرية التعبير : حرية المواطن في التعبير عن اراءه بالقول او الكتابة او التصوير او بأية وسيلة اخرى مناسبة بـ “مالايخل بالنظام العام والاداب العامة”.
ما ذيلت به المادة قوض بشكل جلي جميع الحقوق المتاحة للمواطنين في الشق الاول من المادة اذ لايمكن لأحد توصيف الاخلال بالاداب العامة والنظام العام قبل ان يحدد القانون ابعاد الاداب العامة واليات الاخلال بها، لأن الامر سيترك لتأويل الاعراف والتقاليد التي هي بالاصل قلقة وغير مستقرة حيث لايمكن المقارنة بين الاداب العامة في مجتمع النجف الاشرف والسليمانية او بغداد، اذن كيف يمكن ان ينظم القانون الحالتين معا. ثم ان عبارات (الاداب العامة والمصلحة العامة والنظام العام) لا تنسجم مع الانظمة الديمقراطية التي تعتمد اطلاق الحقوق والحريات بل هي ارث الانظمة الدكتاتورية التي تسعى بكل حزم الى تقويض الحقوق والحريات لتستمد ديمومتها من سلب حقوق الانسان بشتى مسمياتها .
المادة 3 أولا تقول للوزارات والجهات غير المرتبطة بوازاة انشاء قاعدة بيانات مفتوحة ليتمكن الجمهور من الاطلاع عليها.
ثانيا :تختص المفوضية العليا لحقوق الانسان المؤسسة بالقانون رقم 53لسنة 2008 بالبت في شكاوى المواطنين من قرارات الادارة بحجب المعلومات عنهم ولها بعد تدقيق الشكاوى أن تطلب من الادارة المعنية تزويد المواطنين بالمعلومات المطلوبة اذا كان طلبه موافقا للقانون .
مسودة القانون منحت (وبفجاجة) حق فض النزاعات القانونية لمفوضية حقوق الانسان والتي تختص استنادا للمادة 3 و4 من قانون تأسيسها ذي الرقم 53 لسنة 2008 بحماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور والقوانين والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل العراق من خلال التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لأعداد استراتيجيات واليات عمل مشتركة لضمان تحقيق اهدافها …! وليس تشخيص المخالف والمنسجم مع القانون وانتحال صفة ووظيفة القضاء .
ثم ان نص المادة المذكورة انفا نص على ان المفوضية تختص (بالبت) اي ان قرارها بات وملزم وليس من حق احد الطعن فيه، كما ونظمت المادة الية فض النزاع بالطلب حين قالت (لها أن تطلب) والطلب هنا لايشترط الالزام أذ ان الطلب من الممكن ان يقبل او يرفض، على عكس قرار القاضي فهو في العادة ملزم التنفيذ وعدم تنفيذه يعد خرقا للقانون ، أذن فمن الواضح ان نص المادة يوفر ضمان وحماية فعلية للسلطات على حساب حقوق المتظاهرين.
– المادة 5 ثانيا /يحضر الطعن في الاديان والمذاهب والطوائف والمعتقدات والانتقاص من شأنها وشأن معتنقيها .
مفردة الطعن التي وردت في هذه المادة فضفاضة الى الحد الذي من الممكن ان تستهدف اي بحث علمي او مقالة او ابداء رأي بخصوص شعيرة او منسك او سلوك وهذا الامر يعد محددا كبيرا على حرية أبداء الرأي لأن القانون لم يوضح ماهية الطعن، هل هو الاستناد على وقائع القذف والتشهير التي نظمت في المادة 433 من قانون العقوبات العراقي ( هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه) ثم يجب الالتفات الى التعميم الذي يرد في نص المادة على اعتبار أن الطوائف والمعتقدات والمذاهب لاتقتصر على ما هو مقدس منها حيث أن المذهب والمعتقد يعطي مدلولات عديدة بلحاظ أن المفكرين عمدوا الى تقسيم الجماعات المختلفة فكريا الى مذاهب، أما المعتقد فيندرج ضمن مفهوم الاعتقاد وقد يكون الاعتقاد شاذا او غير مقبولا كأعتقاد الانتحاري بأنه سيدخل الجنة عندما يفجر نفسه، أذن فهي باب واسع لرمي التهم جزافا على الناس دون الاستناد الى العدالة الموضوعية .
– المادة 7 تنظم عملية اخذ الاذن المسبق للاجتماع العام لكنها تدخل طالب الاذن بدهاليز لاحصر لها .
تمنح المادة 7ثانيا الحق للوحدة الادارية بالرفض والقبول بشكل كيفي ومزاجي في الوقت الذي يجب ان تكون حرية التعبير عن الرأي متاحه بشكل مطلق، يفترض ان يكون الغرض من اخذ الاذن حماية المتظاهرين وضمان عدم اتخاذ المظاهرات كمنطلق لخرق القانون، اما ان تمارس السلطات الرقابة على الافكار والاراء التي يراد طرحها في التظاهرات فهو تعارض جلي مع القوانين الدولية المرعية فضلا عن مخالفتها للمواد 38 و49 من الدستور جمهورية العراق لعام2005.
اما طريقة تقديم الطلب فمن الواضح أنها تستند الى جملة من الاجراءات المعقدة والبيروقراطية التي تهدف الى وضع الصعوبات والعراقيل امام المتظاهرين فهي تلزم مقدم الطلب ان يقوم بطلب الاذن قبل 5 ايام في الاقل ويمنح للوحدة الادارية الحق برفض الطلب وتبليغ المنظمين قبل 24 ساعه فقط واذا رفض الطلب فمن حقه الطعن لدى محكمة البداءة المتخصصة، كيف من الممكن ان يقدم الطعن ويصدر قرار قضائي في غضون 24 ساعة فقط!
– المادة 12 / لا يجوز وضع القيود على الحريات والحقوق المنصوص عليها في هذا القانون الا بناءا على مقتضيات المصلحة العامة او مايخل بالنظام العام والاداب العامة
نرى ان هذه المادة تقوض الحقوق الواردة في هذا القانون وتقوم بنسفها بشكل مطلق لأنها اقرنت وضع القيود الى اجتهادات مفتوحة سيما حينما اشارت الى مقتضيات المصلحة العامة ولا يمكن التعرف على ابعاد تلك المقتضيات الا من خلال التقييم الكيفي ، لا نرى ضرورة لأيراد التعميم في هذه المادة الا اذا اعتبرنا ان السلطات تسعى فعلا الى تقويض تلك الحقوق والحريات وهي بذلك تعارض على نحو سافر مقتضيات النظام الديمقراطي الذي بني على اساسه الدستور .
– المادة 13 يعاقب بالسجن مدة لاتقل عن سنة واحدة وبغرامة لاتقل عن مليون دينار ولاتزيد عن عشرة ملايين دينار كل من :
أ- تعمد التشويش على اقامة شعائر دينية او طائفية او على حفل او اجتماع ديني او تعمد منعها او تعطيل اقامتها
ج- خرب او اتلف او شوه او دنس بناءا معدا لأقامة شعائر دينية او رمزا او شيئا اخر له حرمة دينية .
ه- اهان علنا نسكا او رمزا او شخصا موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية .
نرى ان النصوص العقابية التي وردت في تلك المواد هي دخيلة على قانون يفترض أن ينظم حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي سيما في ظل السطحية والتعميم والتشتت الذي اتسمت به المسودة.
كلمة (تشويش) التي ترد في الفقرة أ من هذه المادة لا يعلم ما هو قصد المشرع منها على وجه الدقة أذ من الممكن ان تخضع لأجتهادات وتأويلات.
اما الفقرتين (ج وه ) من هذه المادة فهي تجسيد مطلق للتباين الكبير والهوة الواسعة بين ما يهدف اليه القانون من تنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع والمنظمومة القيمية الدينية التي اقترنت في العادة مع المنظومة الاجتماعية والفلكلور الشعبي، سيما فيما يتعلق بالشعائر والنسك حيث لاتوجد قاعدة ثابتة ومتفق عليها تحدد الابنية والشعائر والرموز التي لها حرمة دينية وبشهادة فقهاء الدين والشريعة من السنة والشيعة، نرى ان القانون اقحم نفسه في تنظيم امور لا علاقة له فيها .