العراقيّون يخوضون معركة جديدة من أجل الحريّات الأساسيّة
شكر خلخال – المونيتر
اشتعلت المعركة حول الحريّات المدنيّة من جديد، بعد أن أعيدت إلى البرلمان العراقيّ مسودّة مشروع قانون حريّة التّعبير عن الرّأي والإجتماع والتّظاهر السلميّ الّتي كتبت خلال حكومة رئيس الوزراء السّابق نوري المالكي. وكان مشروع القانون هذا قد عرض على البرلمان السّابق في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، ولكنّه لم يبصر النّور لأنّ المنظّمات المدافعة عن الحقوق والحريّات المدنيّة في العراق، كمنظّمات حقوق الإنسان ومرصد الحريّات الصحافيّة والجمعيّة العراقيّة للدفاع عن الثقافة، تصدّت للمشروع في حينها، ونجحت في عرقلته ومنع إقراره.
وكانت منظّمة هيومن رايتس ووتش هي الأخرى، قد أبدت اعتراضها على مسودّة القانون في حينه، ودعت الحكومة العراقيّة، بحسب مقال لها منشور على موقعها، إلى مراجعة القانون لإبعاد الأحكام القانونيّة الواردة فيه التي تضيّق على هذه الحريّات. وإنّ مشروع القانون يسمح “للسلطات بالتّضييق على الحقوق المحميّة بدعوى “المصلحة العامّة” و”النّظام العامّ أو الآداب العامّة” من دون وضع حدود أو تعريفات لهذه المصطلحات”.
وكان يتوقّع أن يتمّ تعديل مسودّة القانون قبل إعادة طرحها على البرلمان الجديد، ولكن ما حدث هو أنّ مشروع القانون أعيد طرحه خلال تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، وفي الصّيغة السّابقة نفسها من دون أدنى تعديل، وهو الأمر الّذي أثار قلق العراقيّين وأشعل المعركة من جديد. وأعربت منظّمات حقوق الإنسان والمنظّمات المدافعة عن الحريّات المدنيّة في العراق عن قلقها إزاء الإصرار على إعادة طرح مشروع القانون على البرلمان من دون إجراء تعديل عليه. ولقد تمّ تداول الموضوع في الإعلام على نطاق واسع، فيما نظّمت منظّمات المجتمع المدنيّ وبعض الجامعات مثل جامعة النهرين في بغداد ندوات خاصّة لقراءة مشروع القانون وتبيان مواقع الخلل فيه. وأخذ المثقفون العراقيّون يحشدون الآراء ضدّ مشروع القانون بصيغته الحاليّة. ورأى المعترضون على القانون أنّه يحمي الحريّات المدنيّة في ظاهره، ولكنّه في الواقع يقمع الكثير منها، وأنّه يتعارض مع الدّستور العراقيّ ويقوّض بعض الحريّات الورادة فيه.
وينصّ مشروع القانون الجديد في إحدى فقراته على “منع التّظاهر قبل السّابعة صباحاً وبعد العاشرة ليلاً”. وينصّ في فقرة أخرى على سجن “من أهان رمزاً أو شخصاً موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينيّة”. وإنّ أحكاماً كهذه تبدو غامضة وقابلة للجدل والتّأويل، ومقيّدة لحريّة التّظاهر والإعتصام والرّأي.
وهذا ما أكّده زياد العجيلي رئيس مرصد الحريّات الصحافيّة، وهي إحدى المنظّمات الناشطة ضدّ هذا القانون. ففي اتّصال هاتفيّ مع “المونيتور” من بغداد في 12 كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري، أكّد العجيلي أنّ الخلل الأساسيّ في مشروع القانون يكمن في أنّه يتعارض مع الدّستور العراقيّ، ويقيّد المادّة 38 منه الّتي تنصّ على إطلاق حريّة التّعبير عن الرأي وحريّة الصّحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر وحريّة الإجتماع والتّّظاهر السلميّ. لقد أطلق الدّستور هذه الحريّات في شكل كبير ونصّ على “أنّ الدولة تكفل حريّة التّعبير بكلّ الوسائل”. أمّا هذا القانون فيسعى إلى تقييدها في شكل واضح، وهذا خرق دستوريّ ينبغي التصدّي له.
ورأى أنّ الحكومة السّابقة وضعت مسودّة هذا القانون بسبب موجة التّظاهرات التي اجتاحت المدن العراقيّة، اعتراضاً على آداء السلطة التنفيذيّة والفساد الماليّ والإداريّ. لقد حاولت تقييد حريّات التّظاهر والاعتصام والتّعبير عن الرأي، لكن نجح العراقيّون في الاعتراض عليه والتصدّي له في حينه.
وأشار العجيلي إلى أنّه من الغريب أن يقدم البرلمان الجديد على محاولة تمرير مشروع القانون نفسه ومن دون تعديل.
يبدو أن معارك العراقيّين من أجل حريّاتهم لا تقلّ شراسة عن معاركهم ضدّ الإرهاب. فعلى الدوام، هناك أحزاب وشخصيّات سياسيّة تسعى إلى التّضييق على الحريات المدنيّة بدوافع سياسيّة أو دينيّة. ولا يمرّ عام إلاّ ويجد العراقيّون أنفسهم مضطرّين للدّفاع عن حقوقهم وحريّاتهم إزاء مشاريع قوانين تحاول إعادتهم إلى أزمان التخلّف والديكتاتوريّة. وإنّ المواجهة التي يخوضونها الآن ضدّ مشروع قانون حريّة التّعبير عن الرأي والاجتماع والتّظاهر، مهمّة جدّاً لأنّ التّفريط بالحريّات الأساسيّة التي يكفلها الدستور سيكون مقدّمة للإنزلاق في دهاليز الظلام والديكتاتوريّة.