المواجهة القادمة بين العمال والحكومة، تطور نوعي في الصراع!
يستعد العمال يوم الاثنين الاول من كانون الاول – ديسمبر، لتنظيم اوسع تظاهرة عمالية في قطاع وزارة الصناعة الذي يضم نحو 250 الف منتسب، في مواجهة هي الاوسع في حجمها ومطالبها وشمولها. حيث يخطط العمال لتنظيم التظاهرة في عموم العراق وخاصة مدن وسط وجنوب البلاد.
منذ اكثر من اسبوعين، تتصاعد وتتسع حركة الاحتجاجات التي ينظمها العاملون في شركات وزارة الصناعة وتمتد لعدة مدن، ويقطع العمال الطرق الرئيسية في رسالة واضحة الى الحكومة عن الاستعداد للمواجهة.
طيلة السنوات الماضية اصطدم العمال مرارا وتكرارا بالادارات وقاموا بتغيير مدراء في هذه الشركة او تلك، وقد طالت التغييرات عدة ادارات، الا انها جرت بشكل متقطع وفي كل شركة على حدة وعلى فترات متباعدة. كما ان منتسبي وزارة الصناعة واجهوا الوزارات، وخاصة وزارة المالية ووزارة الصناعة، بمطالب عامة وفي عدة مناسبات اوسعها كانت اعوام 2008، 2009، 2010. كانت ابرز دواعي تلك النضالات هو صرف مخصصات الخطورة، ومتأخرات المخصصات، او فروقات الرواتب المستحقة. عدا عن مواجهات الفساد الاداري.
ان ما يميز الحركة الراهنة، هو كونها موجهة اساساَ ضد سياسات حكومية عامة، فقد برهنت الاجراءات الوزارية المتواصلة انها ذات اتجاه مقصود ومرسوم، هو خطوات تصفية الصناعة الحكومية وتقليص اعداد العاملين فيها. بدءاَ بسياسة التقشف ووقف الرواتب وحتى الاعلان عن فرض التقاعد الاجباري واحالة الشركات الى الاستثمار الخاص وتسريح الاف العاملين فيها.ومن هنا تصبح مواجهة شاملة ذات طابع طبقي عام متبلور في تقابل جموع عمالية بوجه سياسة برجوازية عامة.
ومن جانب اخر يشكل الصدام الراهن نوعا من مواجهة مصيرية، بين التوجهات النيوليبرالية للحكومة بوجه شكل من الاقتصاد الحكومي الموجه والمخطط، والمتمثل بوجود وزارة صناعة ذات تخطيط على مستوى البلاد. انه تقابل بين شكلين للاقتصاد وشكلين للسياسة؛ السياسة النيوليبرالية التي تمثلها الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والمدعومة من امريكا والغرب ممثلين بسياسات صندوق النقد الدولي، ضد الاقتصاد المركزي المخطط من الحكومة، وهي معركة تحتمل اكثر من مسار، خاصة مع دخول الطبقة العاملة الى الصراع كطرف مباشر له سياسته وستراتيجيته.
كما ان هذه المواجهة تتخذ الشكل الكلاسي لتطور الصراع الطبقي، من المطالب الاقتصادية الى المواجهة السياسية مع النظام السياسي الممثل للبرجوازية.
والمسألة الجوهرية، هي ان هذه المواجهة تأتي وسط استعار الصراع الطائفي القومي في العراق لتعلن بوضوح، وسط دخان الحرائق الطائفية والقومية والاشلاء والركام، ان صراعا يجري على اسس اخرى ولا يقوم على الكراهية والاحقاد والفصل بين الناس بموجب الدين او القومية، صراع على اسس اجتماعية تتعلق بحياة ووجود الجماهير بوجه خصومها الفعليين، ناهبي ثرواتها ومسببي مآسيها، صراع هو من جانب الجماهير نضال ومن جانب البرجوازية قمع، وهو المواجهة الفعلية والجذرية مع النظام السياسي الحالي، مصدر الصراعات والفتن والنهب والفساد.
ان تطور هذا الصراع وارتقائه سيلفت انظار المجتمع وانظار الجمهورالمحبط من ضراوة وقسوة الصراع الدامي الدائر، الى ان نضالا طبقيا اجتماعيا عميقا وواسعا يجري في المجتمع. وهذا سيشكل انعطافا في سلوك وتفكير اقسام واسعة من الجماهير، كما سيشكل في حال ارتقائه ضربة لمشاريع التقسيم وادامة النزاعات القومية والدينية والطائفية.
سيعتمد تأثير هذه الحركة بين الجماهير، على قدرتها على الخروج من المطالب العمالية الى الطبقية، اي الى تقديم سياسة للخروج بالمجتمع من الطريق المسدود للسياسات الحالية. وهو ما يصبح ممكنا عبر تقوية مواقع الطبقة العاملة في الحياة السياسية، باتجاه مشاركة الجماهير في رسم مصيرها، وهو ما يعطي معنى لقولنا ان الطبقة العاملة قادرة على اخراج المجتمع من اوضاعه المأساوية الراهنة.
موضوعيا ونظريا، هذا الكلام له اساس وليس طوباوي، ولكن المصاعب تبدأ مع الشروع بتحويله الى بديل للمجتمع، اي الى استعداد الطبقة العاملة وممثليها السياسيين الاشتراكيين.
ان خبرة الثورة المصرية وثورات المنطقة حية وفاعلة، ونتائج الثورة الايرانية مازالت في الاذهان، كما ان خبرة انتفاضة 1991 في العراق وتجربة المجالس العمالية في كردستان هي جزء من تاريخ معاصر يمكننا تعلم الكثير من نجاحاته ومن اخفاقاته كذلك. ان الخبرة الاممية والتاريخية للطبقة العاملة هي ذخيرة يمكن احياؤها وتعبئتها في التوقيت المناسب، وليست ذكريات غابرة او ماضي مقطوع عنا. . ورغم ان قيادة هذه الحركة تتطور بدون التأثير المباشر للاحزاب السياسية والتنظيمات النقابية القانونية، الا ان هناك تأثيرا ملحوظا لتنظيمات شكلها العمال بانفسهم رغم قرارات المنع، وكذلك شبكة من القادة العماليين الميدانيين.
والحال ان الحركة الراهنة للعاملين في قطاع الصناعة في العراق وهم جموع من مئات الالاف، ليست حركة تتعلق بمطالب محدودة ويومية، وبالتالي فهي ليست حركة تدور في اطار النقابية، انها حركة تحمل بذور عمل سياسي شامل على صعيد المجتمع، بينما تمتد جذورها عميقا في تربة الصراع.