مكاتب سفر وهمية تجني آلاف الدولارات بالاحتيال على عراقيين راغبين بالهجرة
المصدر: ijrda
بغداد – محمد الجبوري
ستة سنوات مضت ولا زال مازن يتنقل بين العراق وسوريا بحثا عن السمسار الذي قبض منه مبلغ (30 ) ألف دولار لمساعدته بالوصول إلى أوربا عندما ارتحلت عائلته المكونة من ثلاثة أشقاء والأم إلى سوريا هربا من الحرب الطائفية عام 2006 وتخوف ( أم مازن ) من تعرض أولادها للقتل ففضلت بيع حصتها من منزل ورثته عن زوجها في إحدى المناطق الساخنة وبعد مرور عام كامل في سوريا التقى أبناؤها الثلاثة بسمسار عراقي أكد لهم انه يعمل موظفا في إحدى السفارات العراقية وبإمكانه إخراجهم بكل سهولة .ولكنه ما إن استلم المبلغ حتى اختفى وفقدوا أثره ومن حينها اخذ ابنها مازن على عاتقه البحث عنه . في عام 2009 قرر إخوة مازن العودة إلى العراق بصحبة والدتهم تاركين هموم السفر ليستأجروا منزلا ويبحثوا عن وظائف لإعانة أنفسهم .
مازن الذي امتهن بيع الأعشاب والسفر بعد عودته إلى العراق قال لا زلت ابحث عن السمسار حيث تعرفت على الكثير من السماسرة الذين يملكون بعض المعلومات عنه وفي يوم من الأيام توجهت إلى وزارة الخارجية التي نفت وجود هكذا شخص كموظف لديها حينها شعرت بفقدان الأمل كما أن المهمة أصبحت أصعب عندها قررت مواصلة البحث والى اليوم لم أتمكن من لقائه بعد أن علمت بأماكن تواجد ذلك السمسار.
وتنتعش تجارة السفر في العراق هربا من الفقر والتهميش والطائفية بعد عام 2003 وتنتشر في العاصمة بغداد المئات من مكاتب السفر تضع يافطات تعلن عن وجود فيزا الاتحاد الأوربي ( شنكن ) وبعضها أقام علاقات مباشرة مع سفارات الدول الاوربية وأصبحت هذه المكاتب تصطاد الزبائن بسهولة مع رغبة مئات العراقيين بالسفر لطلب اللجوء .
مدير عام دائرة المجاميع السياحية في وزارة السياحة محمود الزبيدي أكد على أن عدد الشركات تجاوز (500 ) شركة مجازة موزعة إلى (280 ) شركة في بغداد والمحافظات يصل (250 ) شركة وأما الشركات الوهمية في بغداد فقط بلغ عددها 120 شركة والعدد الكلي 338 شركة في عموم المحافظات مستبعدا قدرة وزارته على غلقها كونها من صلاحية القضاء ووزارة الداخلية .
لافتا أن دائرته وضعت خطة تجاوزت الـ 50% لمراقبة المنافذ الحدودية والشركات الوهمية من خلال غرفة عمليات ويقول عشرات المواطنين تقدموا بشكاوي ضد شركات وهمية تمارس العمل الإرهابي وتخطف المواطنين أو شركات تسيء إلى أخلاقية البلد بحجة أنها سفرات سياحية.
الرئيس السابق للجنة السياحة في مجلس محافظة بغداد عصام العبيدي يؤكد ان اللجنة تمتلك قاعدة بيانات للشركات العاملة في بغداد لكنها ليست دقيقة فضلا عن ضعف الآليات المتوفرة للمراقبة موضحا ان الحل لإيقاف تلاعب تلك الشركات هو طلب أسماء الشركات المسجلة ومقارنتها بقاعدة البيانات الموجودة كي يتبين الشركات غير المجازة لنضعها في دائرة الشركات التي تحتال على المواطن .
حسين ( اسم حركي ) لأحد السماسرة في العراق والذي يعمل بمكتب سفريات في شارع السعدون وسط بغداد يقول يوجد لدينا اتفاق مع وزير عراقي لأجل تهريب الأشخاص لكن بطريقة قانونية حيث يسجل اسم الشخص ضمن وفد ويبقى المبلغ المتفق عليه لدى طرف ثالث بضماني انا شخصيا وحالما يصل الشخص مع الوفد استلم المال والذي يتراوح من (13) إلى(15 ) ألف دولار .
ويقول نائب رئيس رابطة مكاتب السفر والسياحة في العراق عدنان داود القيسي ان المكاتب المجازة قانونيا والمنتمية إلى الرابطة بحدود (450 ) شركة وحاصلة على تأييد خبرة من الرابطة منتشرة في بغداد أو المحافظات وأما غير المجازة فلديها الكثير من التجاوزات إذا كان في موضوع الفيزا أو السفرات إلى بلدان أخرى ولذلك التجاوزات تحصل من هذه الشركات ولا وتجد جهة مسؤولة عنها مضيفا نحن ابلغنا هيئة السياحة بكتب رسمية وهي فاتحت وزارة الداخلية بان هذه الشركات غير مجازة وتتجاوز على حق الشركات الاخرى في العمل .
واضاف هناك (دلالة) تقيم سفرات إلى الشمال وأيضا شركة نقليات تضع إعلان لبيع تذاكر أو إقامة سفرات وهذا ليس من صلاحياتهم وبالنسبة لنا في الرابطة مسؤولين على أعضائنا فعندما يشتكي مواطن على شركة لدينا لجنة انضباط وعندما ترى الرابطة على من يقع الخطأ فلدينا إجراءات وعقوبات لغلق الشركة أو ما شابه وأما الشركات المخالفة هي من مسؤولية الدولة ووزارة الداخلية والأمن السياحي ليتابع المكاتب و اخذ الإجراءات وللأسف هذا غير موجود لافتا توجد فوضى في هذه الشركات لعدم وجود المحاسبة . مشيرا لم تتخذ وزارة الداخلية أي إجراءات بحق هذه المكاتب . مبينا هناك أكثر من (300 ) مكتب مخالف وبخصوص التحايل يبين هذه إحدى المهام للمكاتب استحصال الفيزا ولكن كمواطن على أن اضمن حقي ما هو المبلغ وكيف أضم حقي ان لم تستحصل الفيزا لافتا أصبحت ظاهرة عامة هناك مكاتب أصبحت وسيطة مع بعض السفارات هناك موظفين في السفارات يتعاملون مع تلك المكاتب مشيرا عملية المخادعة والغش موجود فهناك شركة مثلا في منطقة الكرادة قامت بجمع مبلغ ( 750 ) الف دولار وبعدها أغلق المكتب بشكل مفاجئ .
ضحية من ضحايا السماسرة أو ما يسموه بالعراق( القفاصة ) موفق عبد الحسين الذي كان يحلم بالهجرة بعد ان نفذ كل ما طلبه منه السمسار بالسفر إلى تركيا ومن ثم إلى إيران والعودة مجددا إلى تركيا بجواز مزور وبعد أن أمضى (3) ليال في احد فنادق اسطنبول توجه إلى المطار ولكنه تفاجئ بأنه مهربه متفق مع احد ضباط الجوازات ليخبره الأخير أن الجواز مزور وطلب منه مرافقته لأحدى الغرف ووضع أمامه خيارين إما أن يترك جوازه والعودة من حيث أتى أو إلقاء القبض عليه وترحيله مكبلا بالحديد الأمر الذي جعله يرضى بالخيار الأول لكي يعود جوازه إلى مهربه مرة أخرى مقابل مبلغ يدفع إلى الضابط . يقول موفق ذهبت ( فلوسي ) لأنني دفعت مبلغ ( 10 ) آلاف دولار للسمسار وتركت الجمل بما حمل ورضيت بالعودة للعراق بحثا عن عمل عسى أن أعوض ما خسرت .
وتابع عبدالحسين قائلا خلال سفري تعرفت على شخص يدعى محمد عطيه من أهالي البصرة يحمل الجنسية النرويجية وهو اسم شائع في التهريب لسنوات عديدة وهذا يقوم بإخراج مجموعة تتكون من خمسة أشخاص بجوازات تحمل إقامة في الاتحاد الأوربي فيقوم بإبدال الصورة الشخصية ومن ثم يستلم المبلغ المتفق عليه وهو (10) آلاف دولار وفي الفترة التي مضت كان يعمل على خط السويد وعندما شددت في الآونة الأخيرة من اجراءاتها وبدأت برفض قبول أي لاجئ على أراضيها اتجه صوب استراليا ولكن هذا الطريق فيه مخاطر كثيرة يتطلب الأمر أولا الوصول إلى اندونيسيا ومن هناك يتم نقل المهاجرين بواسطة زوارق غير آمنة من خلال تحميل عدد أكثر من اللازم مما يعرض حياة الكثيرين إلى الخطر إلى جانب خطورة البحر الفاصل مع استراليا وأتذكر الكثير لقي حتفه في هذا البحر وقلما ينجو احد ليصل شواطئ استراليا واغلب المهاجرين هم عراقيين وإيرانيين وأفغان.
الناشط المدني محمد العلي يؤكد عمليات التحايل هي افرازات للوضع الذي يعيشه العراق ويقول هذه الطريقة التي يستخدمها الوسطاء تحتاج إلى قابلية ولديه وسائل إقناع قوية وممتهن لهذه القضية والبعض يقع ضحية ويدفع مبالغ تتجاوز العشرة آلاف دولار ويدفعها في مكتب وفي اليوم الثاني ترى المكتب قد اختفى وتابع مثل هذا الشخص هل يعقل انه بهذه السذاجة ليمارس هذا العمل فهو بالتأكيد مدعوم من قبل أشخاص . مضيفا لدي صديق اسمه عباس عبد الأمير حلم حياته هو السفر إلى ألمانيا وتعلم اللغة الألمانية وذهب إلى الأردن وثم إلى سوريا كي يحصل على اللجوء ولم يوفق بعد أن أتى أليه شخص طلب منه (10 ) آلاف دولار وقد استدان المبلغ بشكل عجيب ولكن ذلك الشخص جمع أكثر من (200 ) ألف دولار وهرب وعباس الآن يعاني من المرض النفسي مع انه تقدم بشكوى ولكن ابلغوه أن القانون لا يحمي المغفلين . ويرى العلي ما يدفع الناس للهجرة هي انعدام فرص العمل وايضا التهديدات المستمرة من قبل المليشيات والشباب هم أكثر من يفكر بالهجرة وحسب الإحصائيات الموجودة فأن نسبة الشباب الراغبين بالهجرة وصلت إلى ( 80% ).
واما الاعلامي عامر المعموري يقول دائما ما اسمع بهذا الموضوع وارى كثيرا جداريات وإعلانات للسفر وايفادات ولكن الغريب الوزارات الحكومية لا تستطيع ان تحصل على تأشيرات سفر لطلبة للدراسة فكيف لهذا المكتب ان يحصل عليها بهذه السهولة وسؤال آخر إذا كانت الجاليات لا تعلم بهذه الأمور فكيف لهذا المكتب أن يعلم بكل هذا الشيء وللأسف الكثيرين من العراقيين يصدقوا بها وأنا متأكد انه سيقوم باستلاف مبلغ السفر وأيضا غير متأكد بأنه سيجد فرصة عمل أو العيش هناك . مؤكدا لو توفرت فرص العيش الكريم هنا في العراق فلماذا أغادر بلدي داعيا الحكومة إلى توفير العمل والأمان فلن يغادر أي احد ويقول السفر إلى أوربا يحتاج إلى أكثر من (20 ) ألف دولار وبدل هذا اعمل به داخل العراق رغم ما يحصل من وضع غير مستقر .
فيما اتهم مصدر برلماني رفض الكشف عن هويته عدد من السفارات الاوربية بإجراء الهجرة المنظمة للعراقيين من خلال استغلال ما يحصل من تداعيات أمنية وتصاعد اعداد النازحين وخصوصا الكفاءات معتبرا أنها مسألة خطيرة وخاصة ما تقوم به السفارة الأمريكية في بغداد ضمن برنامج التوطين حيث أخرجت آلاف العراقيين بحجة التهديد والخطف وكان الأحرى بالحكومة العراقية عدم السكوت على هذا الموضوع ومناقشته مع الجانب الأمريكي دون أن يشير إلى الأعداد التي خرجت بفعل برنامج التوطين .مضيفا ما نسمعه من الشارع العراقي ومن مصادر خاصة ان سعر الفيزا لبعض السفارات قد وصل الى أكثر من (12) الف دولار أميركي وهي تحمل بصمات المسافر واما الفيزا بدون بصمات فتلك يصل سعرها الى قرابة (18 ) الف دولار .
المحامي احمد السلطاني عضو نقابة المحامين يقول القانون حدد نوع العقوبات التي هي من مهمة القضاء كي يثبت احتيال أم لا وعلى المواطن أن يثبت أمام القضاء الأدلة الثابتة لوضعية الاحتيال والحق الذي لا دليل عليه فهو حق معدوم لأن القانون لا يحمي المغفلين .
ويرى السلطاني أن الاحتيال أصبح ظاهرة خطرة داعيا إلى تعديل المادة (456 ) كي تصل العقوبة إلى (10) سنوات أو أكثر لوضع حد للاحتيال الذي يمارس من خلال شركات وهمية وغير مسجلة لذا يجب أن تكون هناك رقابة على مكاتب السفر من قبل الحكومة والجهات الأمنية.
وتؤكد بلقيس الفلاحي والتي تعمل في السلك القضائي ان الأسباب الاقتصادية والمادية أسباب رئيسية للهجرة وبشكل أدق قلة فرص العمل خاصة للخريجين وان توفرت فرصة للتعيين فهؤلاء يواجهون عقبات شتى منها عدم تقييم أدائهم على أسس علمية ومهنية حيث يتم اليوم التعامل وبشكل يكاد يكون رسمي على أسس طائفية وفئوية وحسب الانتماء لهذا الحزب أو ذاك وهذا كله يرجع لغياب ثقافة الحقوق فالمواطن يعلم ما عليه ولا يعلم ما له واعتقد إن هذا سبب رئيسي للهجرة لبلدان تعطي حقوقا تحترم بها مواطنيها ورعاياها وتعتبر تلك الحقوق أولوية تحاسب بها مؤسساتها قبل أن تحاسب المواطن على واجباته .
وتضيف الفلاحي هناك كثير من الدعاوى تقام على من يحتال على مواطنين ومنهم الوسطاء بحجة مقدرته على استحصال فيزا وتأشيرات سفر تغري الكثيرين مما يدفعهم للتعامل معهم ليجدوا أنفسهم في النهاية ضحايا للنصب والاحتيال. واستبعدت وجود الرقابة فهي غائبة وتتبع في الكثير من الأحيان الأهواء والرغبات وتلعب المنفعة والمصلحة الشخصية الدور الأساس وأعود وأقول إن علتنا هو عدم التعامل بموضوعية ومهنية في مثل هذه الأمور والقضايا وغيرها علما ان الداخلية دورها تنفيذ أوامر التبليغ و مذكرة إلقاء القبض التي يصدرها القضاء بناء على شكوى تقام أمامه ممن وقع ضحية عمليات الاحتيال والنصب ،والسياحة مهمتها سحب الرخصة من مكاتب وشركات السياحة السفر التي تتورط بعمليات الاحتيال تلك، أما إنصاف الضحايا فمهمة القضاء ووفق القوانين المرعية خاصة قانون العقوبات العراقي المادة 456 والقوانين الخاصة والأنظمة الداخلية الماسة بهذه الحالات والقضايا.
وتضيف القاعدة القانونية عندنا هي الجهل بالقانون وهو لا يعتبر عذرا ويترتب على ذلك أخذ الاحتياط عند التعامل مع مكاتب وشركات السياحة والسفر التي تتعهد استحصال تأشيرات السفر واستحصال الفيزا واخذ تعهدات مكتوبة من تلك المكاتب والشركات بل وحتى الوسطاء لحماية الحقوق واستعمالها كدليل كتابي ومستند قوي يدين المحتال ويحمي الأفراد من عمليات النصب والاحتيال لو قدر وحصلت .ولذا آلية استرجاع المبالغ يجب ابتداء إثبات الحق عن طريق القضاء بعد رفع وإقامة الشكوى وتقديم الأدلة المثبتة للحق وإدانة الجهة التي قامت بالاحتيال وهذا يرتب للضحية الحق بإتباع الطرق القانونية لاستحصال واسترجاع أموالهم مع مصاريف الدعوى وإتعاب المحامي (إن كان فيها محامي )وتتم عن طريق حجز الأموال أو الحبس لحين السداد أو الوصول لتسوية سداد تلك المبالغ .
مازن ورغم الإحباط المستمر الذي يعيشه إلا انه لا زال يبحث عن سمساره الذي سرقه واحتال عليه بمبلغ الـ ( 30 ) ألف دولار كي يلقي القبض عليه أو يقاضيه عشائريا.