المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

الى من هم أحق بالإحتفال والتهنئة!

اسماعيل داود

احتفلت جامعة “سكوالا سانتانا” احدى الجامعات الايطالية العريقة في مقرها بمدينة  “بيزا”  في اقليم “توسكانا” في ايطاليا،  يوم ١٤ من شباط عام ٢٠١٥، بعدد من خريجي اقسامها المختلفة من طلاب الدراسات الاعتيادية وطلاب الدراسات العليا. وكان لي شرف ان اكون ضمن المحتفى بهم. لكني وبصدق اعتقد بان هناك من هم احق مني بالاحتفال والتهنئة واقصد بهم المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان في العراق.

 100_0486

في عام ٢٠١٠ اشتركت ببرنامج الدراسات العليا في العلوم السياسية وحقوق الانسان والتنمية المستدامه والذي تتميز به هذه الجامعة، حيث قدمت مقترح بحث حول حماية المدافعين عن حقوق الانسان مابين الاطر القانونية والسياسات المتخذة من الدول والمنظمات الدولية للترويج لحقوق الانسان. البحث يركز على البلدان التي تشهد تحول او تخرج من نزاع مسلح. وكوني خبرت لسنوات عمل المدافعين عن حقوق الانسان في العراق، اخترت وبطبيعة الحال العراق كدراسة حالة وللفترة مابين ٢٠٠٣-٢٠١٣.

مررت في مراحل عملي على هذا البحث بفترات صعبة تعود اغلبها الى شحة المعلومات وعدم الاهتمام الكافي بتوثيق ما عانا ويعاني منه المدافعين حقوق الانسان في العراق. مررت بمعلومات وقصص مؤلمة وقضايا تم تغافلها في وقت كانت الاولوية تعطى لتصوير و اخراج عراق مابعد الاحتلال “عراق مثالي ويحترم حقوق الانسان”. فكرت ولاكثر من مرة ترك البحث في منتصف الطريق!  لكني وكلما كنت ارى المناضلات والمناضلين العراقيين يتابعون جهودهم من اجل التغيير اعود الى بحثي واوراقي من جديد! وهكذا دواليك لحين ان انجزت اطروحة الدكتوراه و التي حازت على تقييم عالي وصل الى ٩٨٪ من اساتذة مرموقين من ايطاليا وانكلترا.

قمت وضمن هذا البحث بالاستعانة باستبيان رقمي نشرته باللغة العربية والانكليزية على شبكات الانترنت وطلبت من مختلف فئات المدافعين ان يساهموا به. وقد غمرني عدد كبير منهم بكرمهم ومساعدتهم. فقاموا باجابة الاستبيان بكم مهم من المعلومات،  بالرغم من طول هذا الاستبيان وحساسية معلوماته. جمع الاستبيان من العراق ١٣٧ حالة و٧٠ حالة اخرى من بلدان عربية اخرى ومن اوربا.

توصل البحث بان ما موجود الان هو اطار “قانوني مرن” فالاعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الانسان ليس ملزم للدول. من الحلول الممكنة هو الدعوة لمعاهدة دولية ملزمة باحترام حق المدافعين عن حقوق الانسان بالعمل في ترويج وحماية حقوق الانسان بشكل عام وفي مناطق مابعد النزاع المسلح بشكل خاص.  لكن وبنفس الوقت فان معاهدة جديدة لن تكون الطريق الوحيد ولا الطريق الاقصر لتامين الحماية. البدائل تكمن في التركيز على تحول حق الدفاع عن حقوق الانسان الى “حق” ملزم قانوناً عن طريق انضمامه الى قائمة من الحقوق التي يكفلها العرف الدولي الملزم. ومن ثم تغيير سياسات الترويج لحقوق الانسان بشكل فوري واعتماد سياسات تضع حماية المدافعين في المركز لتكون منطلقا لاي عملية ترويج ونشر لحقوق الانسان. وهذا مايجب ان تفعله الدول والمنظمات الدولية المعنية وفقا لنتائج البحث.

وعلى سبيل المثال لا الحصر تبنى العراق تشكيل وزارة لحقوق الانسان وادرج مناهج لحقوق الانسان في المدارس لكن وبنفس الوقت النظام السياسي العراقي الجديد حارب وقمع بشكل مستمر المدافعين عن حقوق الانسان الذين يتبنون مواقف ناقدة لسياسات الحكومات المتعاقبة. كما تجاهل الراي العام الدولي و الامم المتحدة المدافعين العراقيين وتركهم لوحدهم. حتى ان المقررة الخاصة بالمدافعين وضمن مهامها ضمن منظومة الامم المتحدة لم تقم بزيارة ولا واحدة للعراق ومنذ عام ٢٠٠٣ وليومنا هذا. بينما تجاهلت بعثة الامم المتحدة المخاطر الجسيمة التي تحملها المدافعين العراقيين. مخاطر متنوعة ومن مصادر مختلفة. تشمل الاجهزة الامنية التي ادارتها الحكومات العراقية المتعاقبة، و قوى مسلحة غير حكومية مختلفة ( ارهاب، مليشيات، احزاب، قوى دينية محافظة ومتطرفة، وغيرها).البحث تطرق ايضا لمسؤولية الاحتلال الامريكي للعراق في فرض مفهوم حقوق الانسان بانتقائية وبراغماتية، فيما استمرت الحكومات العراقية من بعده بتبني هذا التوجه. واهم من دفع ثمن كل هذه السياسات هم المدنيين بشكل عام ومنهم المدافعين عن حقوق الانسان. المدافعين وقعوا في فجوة كبيرة بين ماتدعيه الحكومات وماتطبقه فعلا! البحث يشير كذلك لتراكمات الحقبة الدكتاتورية (ماقبل ٢٠٠٣)والتي تضمنت ملفات ضخمة من انتهاكات حقوق الانسان تركت اثار شاخصة في الحياة الاجتماعية والسياسية للعراقيين ليومنا. للاسف فان هذه التراكمات من المتوقع ان يستمر اثرها لعقود طويلة.

 لا اهدف هنا لتلخيص بحثي، لكني اجد انه من الواجب علي اوصل لمن استجاب للاستبيان او للبحث بشكل او باخر رسالة الشكر والتهنئة هذه، لانهم هم الملهم وهم مصدر التجربة كما انهم الامل بالغد.

فشكرا جزيلاً