المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

المِثلك يا أبو أنيس بهذا الوكت مطلوب!

 Abu Anis

بالرغم من الفارق العمري بيني وبين الشاعر الشعبي ابن الشامية ابو انيس، لكني كنت احس بقربه مني ومن اصدقائنا المشتركين: باسل البدري و زيد الوردي. في الحقيقة صديقنا باسل كان صاحب الفضل في تعريفنا على أبي أنيس. حيث انه دعاه في احد الايام لزيارتنا في محل الورد في الرصافي، ومن يومها تكررت الزيارة لأكثر من مرة.

كان يوم مروره علينا في الرصافي ببغداد يوماً سعيدا بإمتياز. يأتي لزيارتنا بالرغم من المشقّة والتزامه بزيارات وواجبات اجتماعية اخرى. يَطلّ علينا محملاً بأخبار جميلة وقصص ساخرة وابيات تُطرّي اجواء منطقة الرصافي الرتيبة. تخيلوا اني وبسببه وقعت بغرام منطقة الشامية ورزها العنبر بالرغم من اني لم ازرها ابداً!

 في احدى زياراته لنا حدثني عن سر بيت شعر كنا نردده دون أن نعرف قصته:

“أخذ كل زينك المشخاب ياعنبر الشامية “

فشرح لنا المعنى فتعاطفنا أيما تعاطف مع ابناء الشامية وهم يشكون شحة المياه وتصدر المشخاب على زراعة الرز العنبر، وكم من فلاح شكى شحة المياه وحكوماتنا العتيدة منشغلة عن حماية نهري دجلة والفرات بحروب عبثية و محاصصات طائفية!

المهم أن أبي أنيس علمنا حب الشامية واهلها، و اتفقنا ان ازوره يوما في البيت مع باقي الاصدقاء، قال لي يوماً:

 – انتظر راح ابني ديوانية جبيرة، حتة من تجوني اضيفكم بيها.

إيه ابي انيس والحديث شجون، لم يسعفني الحظ كي ازورك او أن اشكرك على كل مقدمته لنا من معرفة وطيبة وصداقة.

ابو انيس لم يكن شاعر وحسب، كان انسان يفيض طيبة وبساطة، كان تقدمّي الهوى، روى لنا كثيراً من مفارقات السياسة في مدينته ومنها نكات تتعلق بمواقف عايشها. كان يحدثنا قُبيل احتلال العراق عام ٢٠٠٣  وكنا نهمس خوفا من الحيطان! حدثنا عن زمان المد البعثي والقومي حينما كان يُجّبر الفلاحين والناس البسطاء على الانتماء لحزب البعث، وكان طبع الناس ان يتكفوا الشر ويمرروا حتى تستمر حياتهم. وطرائف ابو انيس لم تكن تخلوا ابداً من نقد سياسي لاذع، ولربما كان هذا سبب تشوقّنا للقائه والاستماع له.

قال لنا ذات مرة بأن احد الفلاحين جاء اجتماع حزب البعث متاخراً فصرخ به المسؤول الحزبي “ردد الشعار قبل الدخول”، وصاحبنا الفلاح يحاول ان يُفلت شماغه من مسمار في الباب عَلِق به، لكن دون ان يفلح بتحرير الشماغ، فيعود المسؤول الحزبي ويصرخ “ردد الشعار”، وتكرر الصراخ فغضب الفلاح ورد:

– خل افك شماغي هسة، لاحكين على الخرة (الشعار)!

عاش عمره يحلم بعراق اجمل وبحرية من الفاشية، وكان يرمز للتغيير السياسي الذي كنا نحلم به بالمطر فكان يردد في اشعاره “يمته تمطر”!

في يوم دخل علينا وقد تأبط مجموعة من ألاوراق تحمل اشعاره. ومن هذه الاوراق استنسخنا ووزعنا ديوانه الاول! ديوان شعر شعبي مستنسخ، لكن فرحتنا به كانت كبيرة!

وبعد سقوط الفاشية في العراق واحتلال بغداد، جلسنا نتحدث عن آمالنا بعد”المطر”! وزميلنا زيد يقول لنا هل حقاً ترون المطر، انا لا اراه!

وفي مزحة اخرى من زمان بعد ٢٠٠٣  سألته ذات مرة: هل عاد الحزب الشيوعي الى الشامية؟ فأجاب نعم تعال وزور الحزب، “انشد وكول وين الحزب الشيوعي او وين بيت ابو انيس، بكلا الحالتين يجيبونك لية”!

وفي ايلول من عام ٢٠٠٣  كنا مع الصديق باسل و زيد واصدقاء آخرين نعمل على الاحتفاء بالفقيد التقدمي توفيق ناجي(أبو ندى) صاحب الملتقى الثقافي والسياسي السري (خياطة توفيق ناجي)، فطلبنا من شاعرنا ابي انيس ان يرثي الفقيد فأهدانا الابيات التالية:

   إلك كل المجد يازين يا توفيق

   إلك كل المجد يازين يا مهيوب

   بجينة وما بجينة عليك يا محبوب

   المثلك يابو الندى بهذا الوكت مطلوب

   شهيد الفكر باقي وما يحتاج كل تعليق

  إلك كل المجد يا زين يا توفيق

واليوم في نيسان عام ٢٠١٥  وبعد اكثر من عشرة سنوات أستعير نفس الكلمات لأقول راثيا أبي أنيس:

إلك كل المجد يازين يا أبوأنيس، والمثلك يا أبو أنيس بهذا الوكت مطلوب.

تعزية لأبناء الشامية بوفاة الشاعر الشعبي عبد الهادي رياح الشباني (ابو أنيس) وتعزية لأصدقاء الفقيد في بغداد والعراق.