الاتجاهات التعصبية في المجتمع العراقي
ورقة معدة ضمن مشاركة المنتدى الاجتماعي العراقي في المنتدى الاجتماعي العالمي – تونس 2015
اعداد غيلان الجبوري
المقدمة:
تعد المشكلة الطائفية والتعصب الطائفي والعرقي في العراق من المشاكل الرئيسية التي تحرك العديد من التفاعلات المهمة, ونقدم من خلال هذه الأوراق إطارا أوليا للتعامل مع مشكلة التعصب الطائفي ومحاولة العلاج للمشكلة التي طال السكوت عنها أو استغلالها, ومع وجود العديد من الجهود السابقة التي وفقت جزئيا أو فشلت في هذا المضمار إضافة إلى العديد من الجهود التي عملت على تكريس المشكلة وتعميقها, وبالتالي إن ضرورة السعي وبجدية للعديد من المثقفين والمخلصين للعمل وبجهود حثيثة, ولن تضيع تلك الجهود سدى بل لابد من العمل والأخذ بكل الأدوات والاستفادة من التجارب الإنسانية والبدء من حيث انتهى الفكر الإنساني العالمي لنعزز ذلك التراث بتجربة جديدة, وكلي ثقة بأننا قادرون ونملك العزيمة ونملك العديد من البنى الفكرية المهمة للمضي والنجاح.
التعصب والاتجاهات التعصبية من وجهة نظر علم الاجتماع
تشير العديد من الدراسات الاجتماعية إلى انه إذا وصل التعصب إلى درجة معينة من الحدة يصبح عاملا من عوامل تقويض وحدة المجتمع, وينم عنه اضطراب في ميزان الصحة النفسية الاجتماعية مما يفسد المجتمع ويهدد كيانه, في المقابل إذا سادت اتجاهات التسامح والمودة والتعاون (التعصب الايجابي) بين أعضاء الجماعات في مجتمعات معينة, من دون تمييز ولا تفضيل, فسنجد الاستقرار النفسي الاجتماعي هو السمة المميزة لهذه المجتمعات.
وتؤدي متغيرات عديدة دورها في نشأة أشكال مختلفة من التحيز والكراهية والعداوة, وقد يكتسب المجتمع التوجه التعصبي نتيجة للعديد من الظروف المحيطة به. وتعرف الدراسات الاجتماعية الاتجاه على انه توجه ثابت أو تنظيم مستقر للعمليات المعرفية والانفعالية والسلوكية, أما التعصب فيعرفه بعض المتخصصين بأنه التفكير السيئ عن الآخرين دون وجود دلائل كافية, كما ويتضمن تعريف التعصب العناصر التالية:
- حكم لا أساس له من الصحة, ويحدث دون توفر الدلائل الكافية.
- مشاعر سلبية تتسق مع هذا الحكم (الكراهية).
- لايقوم هذا الحكم على أساس الخبرات الفعلية بموضوعات الحكم.
- يوجه نحو جماعة معينة ككل, أو نحو أشخاص معينين لأنهم أعضاء في هذه الجماعة.
- يقوم هذا الحكم على أساس مجموعة من المعتقدات أو التصورات أو القوالب النمطية أو التعميميات المفرطة.
- يستطيع صاحبه التعبير عنه في صور من أشكال السلوك طبقا لشدته.
- يؤدي بعض الوظائف غير العقلانية لصاحبه.
فحالة الكراهية التي تقوم على أساس خاطئ ومتصلب, وهو ما يشعر به صاحبه ويعبر عنه, حيال جماعة معينة ككل أو حيال شخص عضو في تلك الجماعة. والتعصب يعنى الانحراف عن معيار العقلانية ومعيار العدالة ومعيار المشاعر الإنسانية, ويؤدي هذا الانحراف إلى سلوكيات متباينة تتراوح من اللامبالاة (من خلال الرفض) إلى العداوة النشطة.
والتمييز هو المكون السلوكي للاتجاهات التعصبية وهو المظهر الصريح للتعبير عما يوجد لدى الشخص من مشاعر وقوالب نمطية اعتقاديه عن بعض الأشخاص أو الجماعات, ويشير إلى أشكال نوعية من السلوك توجه نحو أعضاء جماعة معينة بصورة تتسم بالتحيز مقارنة بأشكال السلوك الأخرى.
وصف المشكلة:
- غياب الوصف العلمي للاتجاهات التعصبية (الطائفية).
- (80% من العينة تعتقد ان المشكلة هي: ان المقابل متعصب طائفيا).
- عدم الاتفاق على مقاييس ومعايير علمية للمشكلة.
- عدم الاتفاق على هدف محدد لعلاج التمزق في النسيج الاجتماعي العراقي, وغالبا ما يتم الكلام عن فرض الحالة الراهنة على جميع المكونات.
- التعايش مع الاتجاهات التعصبية الطائفية .
- شيوع ثقافة الكراهية وتعزيز الصور النمطية للاخر.
- عدم الاهتمام الاكاديمي بالمشكلة واعدة اسباب وبالتالي غياب الدراسات الاكاديمية التي تخص الواقع العراقي.
- قلة المساهمات الثقافية التي تناقش الموضوع وبالتالي قلة الافكار والمناقشات.
- قلة الممارسات الاجتماعية التي تهدف الى توفير المساحات المشتركة ما بين أفراد الطائفتين.
غياب القيم والمعايير الموجهة بإتجاه العلاج:
هناك ضرورة للاتفاق على مجموعة من القيم الموجهة والحاكمة للتعامل في مجال معالجة وتقويم ما يصدر من النتاجات في هذا المضمار, وهناك أهمية لوضع معايير علمية يتم الاعتماد عليها للحكم على ما يصدر من نتاجات وبالذات من قبل المثقفين والنخب الاجتماعية… والنخب السياسية وقيادات المجتمع ومنظمات المجتمع المدني وقيادات السلطة التنفيذية.
صناعة النسق القيمي المقترح:
الأنساق القيمية هي المحددات الأساسية والجوهرية للاتجاهات, فهي التي تجسم وتنظم الاتجاه وتعطيها المضمون, وتقوم بدور حاسم في نشأت الاتجاه وارتقائه.
ونسق القيم لدى الفرد, في تصور كيلفن (P. Kelvin), يتضح من خلال اتجاهاته نحو الأشياء والأشخاص والأفكار ومسارات العمل والفعل.
وضرورة صناعة نسق قيمي جديد يكون أساسا لعلاج الاتجاهات التعصبية في المجتمع من الأهمية بمكان, حيث إن افتقار المحاولات السابقة إلى مثل هذا النسق تسبب في انحرافات عديدة لتلك المحاولات, فإما أنها تكون منحازة, أو أنها لا تستطيع أن تكون موضوعية, أو تفقد الهدف المعلن وتتحول إلى أهداف أخرى, وبالتالي غالبا ما كانت تلك المحاولات تعزز التعصب وتساهم بشكل مبدع في تعزيز ثقافة الكراهية… وهكذا, والاهم كانت تلك المحاولات التي لم تستطع عبور الأسوار لتتفاعل مع المقابل.
ويتفق علماء الاجتماع على أن الاتجاهات التعصبية تحدث نتيجة الانحراف عن ثلاثة معايير مثالية وهي:
- معيار العقلانيةRationality
- معيار العدالة Justice
- معيار المشاعر الإنسانية Human Heartedness
وإذا كان التعصب ناتج عن الانحراف عن تلك المعايير فإننا بحاجة إلى العمل على التذكير بتلك المعايير والعمل الالتزام بها وتمليك النخب الثقافة لكي تحافظ على تلك المعايير.
ونستطيع أن نقترح تحت كل من المعايير مجموعة من القيم التي بمجموعها ستكون النسق القيمي المطلوب, والمفيد أن تتحول هذه المعايير والقيم إلى مادة حوارية ما بين النخب لتنضج ألا أننا نستعرض المحاولات الأولية لتكون المحور للحوارات المستقبلية, وأيضا من المفيد في المراحل الأولى إجراء دراسة لتحديد النسق العام للمجتمع الذي نتعامل معه وبالتالي نستطيع وضع البرامج المعينة على التعامل مع تلك الأنساق.
التحذير من بقاء الحال على ماهو عليه…
أين يتجه المجتمع وأين سنصل ؟ هل نستمر في استنزاف مواردنا البشرية والفكرية والعملية والوقت والمال؟ أم نستطيع أن نصنع شيئا ؟
يمكن تلخيص الخطوات الثقافية المطلوبة لتحقيق تبني من قبل المثقفين:
- استيعاب التراث العلمي لأدبيات التعصب.
- الاطلاع على التجارب الانسانية الاخرى.
- صناعة النسق القيمي للتعامل مع المشكلة.
- الاعتراف بالمشكلة.
- نقد الذات.
- اقامة جلسات الاستماع المتبادل.
- التماهي وتبادل المواقع.
- بناء ثقافة التواصل على اساس الحقائق.
أهم البرامج والاستراتيجيات التي يمكن إستخدامها بهدف تقليل التعصب
- الدعاية لمواجهة التعصب من خلال وسائل التخاطب الجماهيري.
- الاتصال المباشر بين الجماعات.
- البرامج التربوية.
- النصح والارشاد.
- الدعم النفسي للشخصيات المتعصبة.
- الوقاية من التعصب خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
اقترح 4 لجان (أو فرق عمل) تنفيذية يتم تبنيها من قبل مجموعة من المنظمات:
- فريق (الدعاية).
- فريق (الحوار الاجتماعي).
- فريق الدعم النفسي.
- الفريق التربوي
مقترحات عامة:
- نشر الثقافة الاكاديمية ما بين النخب المثقفة, ومنظمات المجتمع المدني والاعلاميين والسياسيين.
- تدريب مجاميع على العمل لتخفيف الكراهية او تغيير المواقف التي تثير الكراهية والتعصب.
- توفير مواد وادوات العمل.
- التشبيك ما بين المجاميع والعمل على تفعيل حملات مجتمعية مشتركة تهدف الى التقليل من التعصب.