نداء منتدى الفكر العربي للمفكرين العرب بشأن التطورات في العراق
نداء منتدى الفكر العربي
للمفكرين العرب بشأن التطورات في العراق
يتابع منتدى الفكر العربي باهتمام وقلق كبيرين التطورات التي تجري في العراق، والتي تضع كل غيور على مصير الأمة أمام مسؤولية التحرك لمنع عودة الأوضاع في هذا البلد الشقيق إلى المربع الأول.
لقد عانى العراقيون لسنوات طويلة من مشاكل وأزمات مختلفة ودفعوا تضحيات جسام دون أي مُسوّغ، ما يجعلهم يدركون أن الاستمرار في التصعيد على هذا النحو، في جو محاط بالتراكمات ومخلفات الماضي بثقله الرهيب سيقوض ما سبق ان تم البدء به، حتى وإن لم تتحقق بعد جميع النتائج المرجوة منه، وبالتالي فلا بد من البناء على هذا النزر اليسير وتطويره.
لقد قيل إن أفضل طريقة لتحقيق السلام على الأرض هي أن يصبح كل فرد في المجتمع مركزاً للسلام وصانعاً للسلام. وحتى لا نسئ لمفهوم السلام فعلينا أن نتمكن من مشاهدته على أرض الواقع، لا بوصفه غياب للحرب فحسب، وإنما أخذه كقوة ديناميكية داخل الفرد والأمة؛ أمناً واستقراراً، واحتراماً متبادلاً بين كل أطياف الشعب، لأنه يضعهم مرة أخرى في اتصال مع العناصر المفقودة من حياتهم والمطلوبة لكمال حياتهم.
واليقين لدينا أن الجميع في العراق الحبيب لديهم ميل طبيعي لرؤية السلام والوئام يعمان أرجاء الوطن، ويتطلعون لحل ما يعترض مسيرة العيش المشترك من عقبات، لأن الافتقار للسلام والوئام يمنع التوافق والتوازن ويعطل بالتالي كل تنمية مبتغاة.
وفي ضوء ما دأب عليه منتدى الفكر العربي، بما يضمه من مفكرين وحكماء وأكاديميين وصناع قرار، على اعتماد الموضوعية وتغليب مصلحة الأمة العربية على أي اعتبار آخر، فإنه يجد نفسه امام مسؤولية والتزام أزاء ما يجري في العراق الشقيق، متضامناً في ذلك مع دعوات ونداءات مراجعه وعلمائه ومفكريه من كل الاطياف بضرورة الخروج من حالة الأحتقان، والعمل من اجل وحدة الصف ووحدة الهدف.
لقد حبى الله هذا البلد بثروات بشرية وطبيعية وموقع جغرافي مهم، مما ساعد على اجتذاب الموجات البشرية من كل الجهات ومن مختلف العصور، والاستيطان على أرضه المعطاءة منذ آلاف السنين، فصارت بلاد الرافدين مهدًا للحضارة البشرية ومهبطًا للأنبياء والأديان ومنبعًا للمذاهب الدينية والمدارس الفكرية المختلفة، وبذلك امتاز شعب العراق بتعددية مكوناته الإثنية والدينية واللغوية والثقافية التي كانت المصدر الأساس لما قدمته حضارة وادي الرافدين إلى الإنسانية.
وفي ضوء المخاطر التي يمكن أن تنجم عن التجاذبات التي تجري على الأرض وتتناقلها وسائل الإعلام فإن بغداد تخرج مجددًا عن صمتها وتنادي العرب لكي يمدوا يد الأخوة إلى أشقائهم ومنع أية تداعيات تعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
وانطلاقا من مسؤولية المنتدى والتزامه بقضايا الأمة، ومساهمة منه في عودة العراق لكي يلعب دوره المطلوب، فقد سبق للمنتدى أن نظم ندوتين عن الشأن العراقي في عام 2009 ، ثم أعقبها بندوة أُخرى عن التعاون بين المملكة الأردنية الهاشمية والعراق في إطار البحث عن سبل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وقد شارك في هذه الندوة نخبة من المعنيين بالتنمية من أطراف المعادلة المتمثلة بالقطاع العام والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. ولعل من دواعي فخر وسعادة المنتدى أن النتائج التي تمخضت عن الندوة قد تُرجمت إلى اتفاقات بين البلدين لتنفيذ مشاريع محددة، تساهم في عملية التكامل المنشودة بين الدول العربية. وفي نفس السياق سيعقد المنتدى خلال الفترة القادمة ندوة أخرى بشأن التعاون الاقتصادي بين مصر والسودان وليبيا، وسيليها ندوة أُخرى بين دول المشرق العربي ودول المغرب العربي، كما ينوي المنتدى عقد ندوة عن تجربة مجلس التعاون الخليجي بأبعادها الاقتصادية والعملية والمستقبلية لتحقيق التكامل العربي.
واستنادا إلى هذا الالتزام، فإن المنتدى يجدد جهوده بدعوة الأطراف جميعًا إلى تحكيم العقل واستذكار الثمن الباهظ الذي دفعه ويدفعه العراق على مختلف الصعد ، مما يدعو الجميع إلى البحث عن السبل الكفيلة لحل المشاكل عن طريق الحوار والاحتكام إلى تراثنا ووشائج الأخوة والتاريخ المشترك والتزاماتنا إزاء شعوبنا وخالقنا جل جلاله.
إن تحقيق هذا الهدف يستدعي أن ينتقل الشعب العراقي الآن للحصول على إجابات لمشاكله معاً، مثلما كان دائماً معاً، لأن الأرض التي أنبتت الحضارات، فعلت ذلك بإرادة شعب موحد، كان وما يزال لديه الكثير مما ليعلمه للشعوب الأخرى عن طبيعة السلام والعيش السلمي المشترك. والمصير المشترك الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاحترام الحقيقي، والذي يرتبط بدوره ارتباطاً لا ينفصم مع الكرامة الإنسانية. إنه يشمل الاعتراف والتقدير العميق لقيمة الآخر، ومكان ومكانته ودوره الحيوي الذي يقوم به، في توازن وانسجام مع الآخرين.
إن هناك حاجة إلى نموذج جديد من العلاقات، إذ أن هذه الفترة من تاريخ العراق تتطلب من الجميع إقامة نموذج يستند إلى المشتركات الاجتماعية والقيم الأساسية الإنسانية والروحية للشعب العراقي، التي تعبر عن مستوى جديد من الوعي الذي سيساعد على تحديد ما يجب على الجميع فعله وكيف يجب عليهم أن يفعلوا ذلك لضمان المصالح المشتركة، والتي تتحقق بها الرفاهية المنشودة.
إن أهل العراق يمكن أن يجدوا الوحدة في هذا التنوع الغني لديهم وضمن هذا التنوع إيجاد حلول مبتكرة، فالاحتقان اليوم هو حالة عابرة تعكس الوعي الذي يهيمن على عقل الناس، ولم يعد بالإمكان الاستمرار في تفكير التجزئة، لأن الوقت قد حان الآن لبدء توحيد المجتمع بعيداً عما يفرق، وبعيداً عن وعي الأنا، ولا بد من تعزيز الترابط العضوي الذي ميز العراقيين عبر التاريخ.
إن الأمانة الملقاة على عاتقنا، كمفكرين وباحثين عن رفعة الأمة العربية ومجدها، تدفعنا لدعوة كل المفكرين العرب للاهتمام بالوضع في العراق والنظر فيما يمكن أن يسهم في رفد أطراف المعادلة العراقية بتوصيات وأفكار تعينهم على التوصل إلى حلول حقيقية وواقعية، تحفظ وحدة العراق أرضًا وشعبًا بكل مكوناته التي قدمت للعالم قانون حمورابي وباكورة الانجازات الفكرية والعلمية، وبما يعزز القدرات العربية في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
منتدى الفكر العربي
ARAB THOUGHT
FORUM
Tel: +962 6 5333825
Fax: +962 6 5331197
Email: atfnews@atf.org.jo