حريق مستشفى الناصرية يكشف ضعف استعدادات المستشفيات التعليمية في العراق
سلط اندلاع الحريق المروع في مستشفى الحسين التعليمية بمحافظة ذي قار في جنوب العراق، الضوء مجدداً على سوء الإدارة الحاصل في المستشفيات التي يتدرب فيها طلاب كليات الطب في العراق.
إذ تسبب انفجار لثلاث اسطوانات للأكسجين في مستشفى الحسين، التي تضم مركزاً لعزل وعلاج مصابي كوفيد-19 على مساحة 600 متر مربع ، في مقتل أكثر من 90 شخصاً من ضمنهم مرضى وأطباء وممرضين فضلاً عن عشرات الجرحى. يأتي هذا الحادث المروّع بعد نحو شهرين من حادث مماثل وقع في مستشفى الخطيب ببغداد، أودى بحياة 82 شخصا على الأقل وإصابة 110 آخرين.
إلى جانب المرضى، تستقبل المستشفى، كغيرها من المستشفيات الحكومية الخاضعة لإدارة وزارة الصحة في العراق، طلاب كليات للطب في سنواتهم الدراسية الثلاث الأخيرة للقيام بالتدريبات العملية. إذ لا يوجد مستشفيات جامعية ملحقة بشكل مستقل بالكليات. ويشكو الطلاب والأساتذة في هذه الكليات من ضعف الإمكانيات الطبية في مستشفيات التدريب، وقلة عدد الأطباء المشرفين فضلاً عن غياب عوامل السلامة اللازمة وهو ما برز بشكل واضح في الحادث الأخير حيث أكد شهود عيان أن النيران كان من الممكن السيطرة عليها لو توفرت مطفأة حريق أو منظومة إنذار مركزية.
قالت تبارك حسين، طالبة في السنة الخامسة في كلية الطب جامعة ذي قار، والتي كانت تتردد على المستشفى 4 مرات أسبوعياً بهدف التدريب، في مقابلة هاتفية، “الإمكانيات محدودة جدا داخل هذه المستشفيات، هناك نقص كبير في الأجهزة الطبية الحديثة، والكهرباء تنقطع بصورة مستمرة، فضلاً عن عدم وجود أماكن مخصصة لمبيت الطلاب المتدربين.”
تدريب عملي شكلي
قال محمد علي، أستاذ في الجامعة التقنية الجنوبية في ذي قار ، في مقابلة هاتفية، إن “تدريب طلاب كليات التخصصات الطبية في العراق أصبح أشبه بـ “ترفيه”، حيث لا طبيب مختص مسؤول عن تدريبيهم، ولا معدات حديثة تساعدهم.” وبالرغم من أن القسم الذي تعرض للحريق في المستشفى تم بناءه حديثاً، فإن مبنى المستشفى حيث يتدرب الطلاب لم يخضع لعملية إصلاح أو تطوير منذ نحو أربعين عاماً، بحسب علي.
ارتفع أعداد المقبولين خلال السنوات الاخيرة في كليات الطب بجامعات العراق بين 450 و 600 طالب، بينما بلغت أعدادهم في كلية التقنية الطبية والمعاهد الطبية نحو ستمائة طالب في الدفعة الواحدة، بحسب علي.
قال “هذه المستشفيات غير مناسبة لتدريب الطلاب نظراً لتردد أعداد كبيرة من المرضى عليها، كما أن أعداد كليات الطب في ازياد لكن أي منها لا يمتلك مشافي تدريبية.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: العراق: تراجع جودة التعليم في كليات الطب المرموقة).
يتفق حيدر قاسم الموسوي، أستاذ الأشعة التشخيصية بجامعة بغداد، مع علي حول تردي أوضاع تدريس الطب.
قال في مقابلة هاتفية “المستشفيات التعليمية في غالبية الدول تكون دوماً مرتبطة إداريا وفنياً بالجامعة، وتدار من قبل فرق طبية يعملون تدريسيين وفنيين بالجامعة وكليات التخصصات الطبية، ويتدرب فيها طلاب هذه الكليات. لكن المستشفيات التي يتدرب بها طلابنا تخضع لإشراف وإدارة وزارة الصحة العراقية، ويرتادها مواطنون عراقيون للحصول على الخدمات الصحية مما يؤثر سلباً على الكفاءة التدريبية للطلاب.”
في المقابل، تمتلك كليات الطب الخاصة في العراق مستشفيات خاصة لتدريب الطلاب مثل كلية طب “العميد”، التي تم افتتاحها في عام 2017 وتضم أربعة كليات هي كلية الطب، والصيدلة، والتمريض، وطب الأسنان.
حاول الموسوي مع عدد من أساتذة كليات التخصصات الطبية في جامعة بغداد وزارة التعليم العالي في السنوات السابقة المطالبة بتأسيس مستشفيات تابعة للجامعات، ومهيأة لتدريب الطلاب، أونقل إدارة المستشفيات التعليمية إليهم. لكن مطالباتهم قوبلت بتأجيل البت فيها أكثر من مرة.
قال “هناك صعوبة في تغيير النظام الصحي بسبب ظروف عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد.”
مشاريع مستشفيات جامعية مجمدة
يعتقد عبدالرزاق العيسى، وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي الأسبق، أن هناك صراعاً بين وزارتي الصحة والتعليم في كثير من الأمور من بينها تبعية هذه المستشفيات مما ينعكس سلباً على الطلاب وكفاءة الخريجين. مشيراً إلى أن وزارة التعليم العالي العراقية بدأت في عام 2013 بتشييد ثلاثة مباني لمستشفيات جامعية في مدن بغداد والموصل وكربلاء، لكن عملية البناء توقفت بعد احتلال تنظيم داعش لمساحات واسعة من العراق.
حتى بعد القضاء على تنظيم داعش، كان عجز الموارد المالية الحكومية العائق الرئيسي لاستكمال المشاريع الثلاثة، بحسب العيسى. (اقرأ التقرير ذو الصلة: بعد القضاء على داعش: الجامعات العراقية تعاود نشاطها).
لكن البرلمان العراقي، بعد حادثة مستشفى الناصرية، ألزم وزارة المالية توجيه التخصيصات اللازمة لإكمال المستشفيات التي وصلت إلى مراحل متقدمة في عموم المحافظات و”عدم التحجج بأعذار غير مقبولة”.
قال العيسى “يجب الالتزام بالطاقات الاستيعابية لكليات الطب بما يتناسب مع توفر المستشفيات لتدريبهم والابتعاد عن الزيادات والاستثناءات في زيادة أعداد طلبة كليات الطب، وعدم استحداث او فتح كليات طب في مدن لا تتوفر فيها مستشفيات تعليمية تستقبل جميع الحالات المرضية.”
بدورها، تبدي الطالبة حسين خوفها من الذهاب مجدداً إلى مستشفيات التدريب.
قالت “هناك خوف من كل شيء، وخوف من غياب عناصر الأمان، ورهبة من صور الموتى التي تلاحقنا؛ لأننا بشر نتأثر خصوصاً في ظل الغضب الواسع من جانب المواطنين تجاه الاطباء، والنظرة لهم بأنهم متسببون فيما حدث.”