راهب دومينيكاني ينقذ 800 مخطوطة من خطر “داعش” عبر كوردستان
لم يكن يشغل بال الراهب الدومينيكاني نجيب ميكائيل سوى انقاذ مخطوطاته قبل “وصول داعش” إليها في الموصل وقره قوش.
وعن طريقة تهريب 800 مخطوطة إلى إقليم كوردستان يروي تزامناً مع سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”- “داعش” على مدينة تدمر الأثرية في سوريا، ما أثار الخشية على مستقبل ارثها التاريخي، روى الراهب العراقي من كنيسة الآباء الدومينيكان في باريس كيف أنقذ المخطوطات التي تعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
ويقول ميكائيل “كان يجب إنقاذ تلك المخطوطات المحفوظة في مكتبة الدومينيكان في الموصل ثم في قره قوش، من التدمير المنظم الذي يلحق بالإرث الثقافي غير الإسلامي”.
وتتضمن المخطوطات نصوصاً تاريخية وفلسفية وأخرى مسيحية وإسلامية وعن الأدب والموسيقى، وهي مكتوبة بالأرمنية والسريانية والعربية والآرامية.
والمخطوطات ذات الخطوط الفنية الجميلة والحواشي المزينة شاهد على التاريخ القديم للمسيحية في منطقة ما بين النهرين، دجلة والفرات.
وتقول المؤرخة الفرنسية فرانسواز بريكل شاتونيه إنه “لا يزال يوجد في العالم 50 مخطوطة معروفة مكتوبة بالسريانية، لغة المسيحية في تلك المنطقة، والتي تعود إلى ما قبل الإسلام غالبيتها محفوظة في مكتبة لندن، وأقدمها يعود إلى العام 411. أما مخطوطات الدومينيكان في الموصل فليست بهذا القدم، ولكنها وفق الأخ نجيب بمثابة جسر بين الحضارات، وهي تشهد على الماضي وتقول الكثير حول الحاضر”.
وتعرض نسخ طبق الأصل عالية الجودة لسبع من تلك المخطوطات في الأرشيف الوطني في باريس، حتى 24 آب في اطار معرض “بلاد ما بين النهرين، تقاطع الثقافات”.
وفي تموز العام 2014، قبل عشرة أيام على سقوط الموصل وقره قوش في شمال العراق بيد تنظيم “داعش”، وحيث الوجود المسيحي الواسع، بدأ نجيب ميكائيل يشعر بالقلق.
ويروي “أجلينا في شاحنة جزءاً كبيراً من المخطوطات من قره قوش إلى أربيل في كوردستان التي تبعد 70 كيلومتراً”.
وفي السابع من آب، كان على الرهبان الذين بقوا في قره قوش الفرار في ظل سيطرة التنظيم المتطرف على مدينتهم.
ويتذكر ميكائيل “سادت الفوضى بسبب النزوح الكثيف للمسيحيين والإيزيديين الفارين إلى أربيل.. كان باستطاعتنا رؤية علم داعش الأسود من بعيد. كانت تحمينا وقتها قوات البشمركة (الكوردية)، ولكنها لم تسمح لنا بالمرور بسيارتنا على الحدود، لذلك بدأت بإخراج صناديق المخطوطات من السيارة وتحميلها للعابرين”.
وويقول العراقي واثق قصاب، الذي يعمل لصالح الدومينيكان في الموصل وقره قوش، “كان الرصاص فوق رؤوسنا حتى أني ظننت أننا سنموت”.
وفي هذا اليوم سمح تنظيم “داعش” للنازحين بالعبور من دون إطلاق النار ووصلت صناديق المخطوطات كلها، ووضعت في مكان آمن.
ويضيف قصاب “حملت ستة صناديق، كانت ثقيلة، ولم استطع الركض. وقلت لنجيب وقتها: ستقتلنا بأرشيفك هذا”، مشيراً إلى انه “لحسن الحظ، كانت سيارة تنتظرنا على الجانب الكردي من الحدود”.
ومنذ عدة سنوات أطلق نجيب ميكائيل مشروعاً ضخماً لحفظ المخطوطات القديمة في الموصل. وعوضاً عن نسخها بالكتابة، فان القرن العشرين سهل وضعها على أقراص صلبة.
ويقول “منذ العام 1990، اعددنا بيانات رقمية بإجمالي ثمانية آلاف مخطوطة في المنطقة. ولكن اليوم نصف النسخ الأصلية لم يعد موجوداً، دمره تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيراً بأسى إلى تدمير المواقع الأثرية في نمرود والحضر.
وفي العراق لم ينقذ رجال الدين سوى مخطوطات مسيحية. ويشير الأخ نجيب إلى أن “رهبانا نقلوا بالكتابة كتابين مقدسين للإيزيديين”.
وهو نفسه ترجم إلى الفرنسية “مصحف رش” (الكتاب الأسود) و”كتاب “الجلو” (الرؤيا) في إطار إطروحة حول الإيزيديين كان يعدها لجامعة فريبورغ في سويسرا