الإقليم يفشل في امتحان الديمقراطية: بخلاف العالم.. الحكومة في كردستان هي من يُلغي البرلمان
شهد مدخل أربيل عاصمة إقليم كردستان صباح الثاني عشر من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري حدثا مفاجئاً إذ منع مسلحون ينتمون الى الحزب الديقراطي رئيس البرلمان وعدد من الوزراء من دخول المدينة.
توقفت العملية السياسية والإدارية في إقليم كردستان أمام قرار حزبي عندما منع مسلحون من الحزب الديمقراطي الكردستاني عنوة رئيس برلمان كردستان وعدداً من أعضاء البرلمان والوزراء من دخول مدينة أربيل لمزاولة عملهم الرسمي.
وبعد ساعات من الحادثة وصف د.يوسف محمد رئيس برلمان كردستان في مؤتمر صحافي عقده في مدينة السليمانية وصف الحادث بـ”الانقلاب على الشرعية”.
ذلك الجزء من شمال العراق الذي وصف بعد سقوط نظام صدام حسين بـ”العراق الآخر” بسبب استتباب أمنه ونمو اقتصاده يواجه الآن امتحانا كبيرا، فقد أوقف حزب يملك (38) مقعدا فقط من مجموع مقاعد البرلمان وعددها (111) عمل الحكومة والبرلمان دون توضيح وقرر إعلان تشكيلة وزارية جديدة دون حركة التغيير.
وقبل ثلاثة أيام من منع رئيس البرلمان من دخول أربيل شهدت مناطق محافظة السليمانية تظاهرات واعتصامات للمعلمين أعقبتها احتجاجات عنيفة في مدن السليمانية وقلعة دزة وكلار وسيد صادق وبينجوين انتهت معظمها بالهجوم على مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني.
وقد أشارت المصادر الطبية إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من (180) شخصاً أثناء التظاهرات.
وسرعان ما ألقى الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمسؤولية عن التظاهرات التي دعت الى صرف الرواتب وإنهاء مشكلة رئاسة إقليم كردستان على عاتق حركة التغيير التي تملك (24) مقعدا في البرلمان، واصفا الحركة بـ”المحرضة على التظاهرات”.
بدأت الأزمة السياسية في إقليم كردستان تحديدا منذ شهر حزيران (يونيو) الماضي بسبب الحديث عن انتهاء الولاية الثالثة لمسعود بارزاني في منصب رئيس الإقليم حيث انتخب عام 2005 كما تم انتخابه للمرة الثانية رئيسا عام 2009 خلال اقتراع مباشر جرى في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) من ذلك العام محرزا (69) في المائة من الأصوات.
وبعد انتهاء المدة القانونية لرئاسته في شهر آب (أغسطس) من عام 2013 تم تمديد ولايته لعامين وفق اتفاق بين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والحزب الديمقراطي في الثلاثين من الشهر نفسه واعترضت المعارضة آنذاك بشدة على التمديد.
الاتفاق بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي ينص على انه لا يحق لبارزاني أن يصبح رئيساً مرة أخرى بعد انتهاء مدة العامين في التاسع عشر من آب (اغسطس) هذا العام، ولكن الحزب الديمقراطي كان مصرا على منح بارزاني مدة عامين آخرين لتولي رئاسة الإقليم.
وكان مبرر الحزب الديمقراطي هو ان الاقليم يمر الان بحرب ضروس ضد داعش الا ان الخلاف كان يكمن في ان حركة التغيير والاتحاد الوطني والحزبين الإسلاميين (الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية) لم يقبلوا تمديد ولايته عامين آخرين بنفس الصلاحيات مثلما كان يرغب الحزب الديمقراطي.
وتزامنت تلك الصراعات مع حرب محتدمة مع داعش وأزمة مالية يشهدها الإقليم منذ حوالي عامين.
وعلى الرغم من عدم الاستقرار والحرب الطائفية التي شهدها العراق، الا ان اقليم كردستان شهد بعد عام 2006 نموا كبيرا، حيث وصل مستوى الاستثمار خلال سبعة اعوام الى (37) مليارا و (29) مليون دولار.
ويشير آخر إحصاء لهيئة الاستثمار في إقليم كردستان إلى أن المشاريع الاستثمارية التي أجيزت منذ عام 2006 عند تأسيس الهيئة وحتى عام 2013 بلغت (644) مشروعا يصل مجموع رأسمالها إلى (37) ملياراً و(29) مليون دولار وهو رقم كبير بالنسبة لإقليم في بلد مضطرب.
وأصبح (العراق الآخر) عبارة شائعة تطلق على إقليم كردستان وتستخدم في كثير من الأحيان من قبل السياسيين والصحافيين الغربيين ولكن في مثل أزمة كهذه يكاد العراق الحقيقي يسبق (العراق الآخر) في كثير من المجالات.
فمن ناحية تداول السلطة غيَّر “العراق الحقيقي” منذ عام 2003 أربعة رؤساء وزراء مع ثلاث دورات برلمانية وكذلك تم تغيير ثلاثة رؤساء جمهورية (أنهى جلال طالباني دورتين) كان اثنان منهم من الأكراد، وعلى الرغم من أن عمليات التغيير لم تكن سهلة الا أنها نجحت في نهاية الأمر.
وبعد عام 2005 كان لإقليم كردستان رئيس واحد وهو يريد الآن البقاء لعامين آخرين كما تولى شخصان رئاسة الوزراء كان احدهما نيجيرفان بارزاني الذي تولى المنصب لأكثر من تسع سنوات في زمن الإدارة الواحدة، وحوالي (17) عاما كرئيس للوزراء في زمن الإدارتين بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي كما تم إجراء ثلاثة انتخابات لبرلمان كردستان.
ومن ناحية توحيد الإدارة وإدارة مؤسسات الدولة لا يزال إقليم كردستان يفتقر إلى قوة مسلحة موحدة ولا تزال الصفات والخصال الحزبية طاغية على القوة التي تواجه مسلحي داعش منذ أكثر من عام، كما تبدو خصائص الإدارتين واضحة على مؤسسات الدولة في إقليم كردستان.
وينتقد الكاتب والمحلل السياسي كامل محمود النظام الذي يدار به إقليم كردستان منذ أكثر من (23) عاما.
وقال كامل بعد حادثة منع رئيس البرلمان من دخول أربيل لـ”نقاش” عن الموضوع انه “تم حصر جميع الأشياء في بوتقة الحزب، إن لم يتم تأسيس نظام وقوة مسلحة موحدة على مدى(23)عاما فكيف يمكننا القول إن لدينا تجربة مختلفة؟ فتحزب الدولة يقع على عاتق الجميع ولابد أن نتجنب هذا التراث ونتبنى فكرا وطنيا يعلمنا كيفية إدارة الدولة”.
ويمثل حديث كامل قلق معظم مواطني إقليم كردستان حول طغيان الحزب على الإدارة والحكومة في إقليم كردستان، وعلى الرغم من وجود إقليم موحد شكليا، إلا أن أحداث الثاني عشر من الشهر واليومين اللذين سبقهما أظهرت الشرخ من جديد، حيث قامت قوة مسلحة بغلق مكتب قناتي (NRT) و(KNN) في مدينة أربيل، والأولى قناة أهلية والثانية تابعة لحركة التغيير ومقرهما الرئيس في مدينة السليمانية وأعادت كادريهما وصحفييهما عنوة إلى مدينة السليمانية.
ورأى الدكتور ريبوار فتاح وهو احد المختصين بشؤون الشرق الأوسط والعاملين في مركز (Middle East Consultancy Services) في بريطانيا أن الحزب الديمقراطي هو المسؤول الرئيس عما وصل اليه الوضع وتأثيره على تجربة إقليم كردستان.
وقال لـ”نقاش” ان “الحزب الديمقراطي يعتقد ان السلطة في كردستان ملكا له، يطرد مسؤولي حركة التغيير من أربيل كتلاميذ مشاكسين ويرسلهم الى منازلهم في السليمانية، ان حركة التغيير هي قوة كردستانية مثل الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي والأحزاب الأخرى ولا يمكن لأحد في العالم تهميش نصف مليون صوت حصلت عليها”.
وأضاف أن “تشكيل حكومة جديدة عبر إخراج حركة التغيير من المعادلة وغلق البرلمان اجراء غير دستوري ليس له مسمى سوى انه انقلاب من قبل الحزب الديمقراطي”.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات الا ان اقليم كردستان لا يزال متقدما على بغداد من الناحية الامنية والتعايش القومي والاختلاف الديني.
وتتزامن التظاهرات في إقليم كردستان مع استمرارها في معظم المدن العراقية منذ حوالي شهرين، ما دفع برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى تنفيذ مشروع إصلاحي.
ويقول بعض المتظاهرين في بغداد: “لدينا اختلافات كثيرة مع التظاهرات التي يشهدها إقليم كردستان، نحن نطالب بإصلاحات في نظام الحكم وتغيير معظم من هم في السلطة ولكن المطالبات في الإقليم هي بسيطة وتدعو الى صرف الرواتب وانهاء ازمة رئاسة الإقليم، ولكننا نتسلم رواتبنا في موعدها”.
ويوجد اختلاف بارز أيضاً وهو ان المدن العراقية لم تشهد مقتل متظاهر واحد خلال شهرين، ولكن يومين فقط من التظاهرات في الإقليم شهدا مقتل ثلاثة شبان في مقر للحزب الديمقراطي في مدينة قلعة دزة (134 كلم شمال شرق السليمانية) ومقتل متظاهرين آخرين في مقر للحزب نفسه في مدينة كلار (140 كم جنوب السليمانية) مع إصابة العشرات بالرصاص والحجارة.
على اية حال فان العملية السياسية في اقليم كردستان اقتربت من الفشل، اذ يمكن لحزب في السلطة ان يصيب العملية السياسية والادارية والبرلمانية بالشلل ويسد الطريق امام رئيس البرلمان والوزراء من الحزب السياسي المنافس عنوة وبقوة السلاح ويمنعهم من دخول العاصمة.