على الولايات المتحدة ان تدعم الديمقراطية في مؤسسات إقليم كوردستان، لا الرئيس غير الشرعي!
المصدر: Pasewan
منعت قوات الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني يوم الاثنين 12 أكتوبر 2015 الدكتور يوسف محمد، المتحدث بإسم المجلس الوطني الكردستاني، من دخول العاصمة اربيل (هه ولير) للقيام بواجباته التشريعية والإشراف على جلسة مجلس النواب المقرر عقدها في ذلك اليوم. وفي الوقت نفسه، أقال رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، أربعة وزراء من مجلس وزراء الحكومة الائتلافية. هؤلاء الوزراء، والمتحدث هم أعضاء في حزب التغيير (كوران). وعزا الحزب الديمقراطي الكردستاني اتخاذه لهذه الاجراءات الى أن حزب التغيير كان وراء الاحتجاجات ضد حكومة اقليم كردستان -على وجه الخصوص، وضد الحزب الديمقراطي الكردستاني كأكبر حزب في الائتلاف على وجه العموم – التي اجتاحت العديد من المدن في وقت سابق من هذا الشهر، وقتل خلالها أربعة مدنيين برصاص قوات أمن الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأصيب العشرات، فيما تم اضرام النار في عدة مكاتب تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، مما تسبب في وفاة صبي يبلغ من العمر 13 عام. فيما رفض حزب التغيير هذه الاتهامات مؤكدا أنه لم يقم بتنظيم الاحتجاجات وألقى اللوم على الحزب الديمقراطي الكردستاني في الإخفاقات الحكومية، بما في ذلك الفساد المستشري، و تأخير دفع رواتب المعلمين وموظفي الخدمة المدنية لأربعة أشهر، والتي أثارت استياء الرأي العام.
في 23 من تشرين الأول، تحدث النائب في حزب التغيير هوشيار عبد الله في مؤتمر صحفي وقال إن حزبه يمتلك أدلة على أن الحزب الديمقراطي الكردستاني حرض على حرق مبانيه خلال الاضطرابات الجارية. وإتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بتسلل أعضائه بين المتظاهرين الحقيقين من اجل التحريض على العنف وتشويه سمعة الاحتجاجات. فيما عرضت محطة KNN التلفزيونية لقطات لحراس الحزب الديمقراطي الكردستاني وهم يفتحون النار على الحشود في كلار، مما أسفر عن مقتل شخصين، احدهما ناشط في الحزب الديمقراطي الكردستاني. فيما نفى الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه المزاعم.
إن اهم مسألة الان هي أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يستخدم ميليشياته لإحباط عمل البرلمان كما قال المتحدث في مقابلة مع صحيفة باسيوان، الامر الذي يرقى الى حد الانقلاب السياسي. ان مثل هذا التعطيل للبرلمان غير قانوني وفقا لقانون إقليم كردستان والدستور العراقي.
فلم يلتق برلمان كوردستان مع مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان منذ 12 اكتوبر تشرين الاول. ورئيس البرلمان المنتخب لايزال ممنوعا من دخول اربيل ومقر البرلمان. كما تم منع الموظفين البرلمانيين من حزب التغيير جميعا من دخول العاصمة اربيل. ولم يتم استبدال الوزراء المقالين حتى يوم أمس. حيث كان الحزب الديمقراطي الكردستاني قد حاول إقناع الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) والاتحاد الاسلامي الكردستاني لمشاركة المناصب فيما بينهم لكنهم رفضوا، مصرين على ان الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يملك الحق في استبعاد حزب التغيير، ثاني أكبر حزب في البرلمان، من العملية السياسية. وكان احد المناصب الشاغرة لوزير البيشمركة (القوات العسكرية الكردية) التي تخوض معركة وجودية مع تنظيم داعش الارهابي، الامر الذي يكشف عن عمق الأزمة السياسية وحقيقة أن حكومة إقليم كردستان ليست في الحقيقة من يقوم بإدراة امور اقليم كوردستان.
فيما قام الحزب الديمقراطي الكردستاني بإستبدال الاربعة وزراء المقالين بوزراء من نفس حزبهم. وهو امر غير قانوني لأن تلك التعيينات يجب أن تتم بالموافقة من قبل البرلمان الذي لا يمكن أن يعمل مع منع رئيسه من القيام بواجباته التشريعية. وفي حال عاد البرلمان ليعمل مرة أخرى، فإنه من غير المرجح أن يحصل الوزراء الجدد على ما يكفي من الأصوات لإضفاء الشرعية على تعيينهم في مناصبهم الجديدة.
ومن جهة اخرى ومن ضمن التحرك ضد حزب التغيير، قام الحزب الديمقراطي الكردستاني بإغلاق اثنتان من محطات التلفزيون الرئيسية في كردستان، وهي قناة NRT (راديو وتلفزيون ناليا) وقناة KNN (شبكة الأخبار الكردية)، في مدينتي أربيل ودهوك. إن هذا القمع للإعلام المستقل في المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني يشكل انتهاكا لمبادئ الديمقراطية الأساسية. والحقيقة هي ان إقليم كردستان حاليا لا يطبق الديمقراطية.
نفذ الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه الخطوة المفاجئة بسبب الاخفاق في المفاوضات حول رئاسة الاقليم والخوف من أن يمنع البرلمان مسعود بارزاني من الاحتفاظ بمنصبه بشكل غير قانوني. حيث انتهت الفترة القانونية لرئاسة بارزاني في 19 أغسطس 2015 بعد حكمه لـ10 اعوام، انتخب خلالها لفترتين لمدة أربع سنوات (بين عامي 2005 و 2013)، ومنح التمديد لمدة سنتين من قبل البرلمان يوم 30 يونيو 2013. وكان من شروط هذا التمديد بأنه لن يكون قادرا على تولي الرئاسة مرة أخرى. وبالرغم من ذلك، الا انه لا يزال في السلطة ولا ينوي ترك منصبه. و يطالب مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني بتمديد آخر لمدة عامين، حيث أنهم اوقفوا عمل البرلمان لحماية منصب البارزاني.
كان هذا الاخفاق بسبب رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني الدائم لتقديم التنازلات. فهناك خمسة أحزاب رئيسية في البرلمان وجميعهم باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني قدموا مقترحاتهم بشأن قضية رئاسة الجمهورية. وتم دمج هذه المقترحات الأربعة في نهاية المطاف إلى مقترح واحد لإلغاء قانون الرئاسة عام 2005 وإقامة نظام برلماني واضح يتم فيه انتخاب رئيس ذو سلطة محدودة، من قبل البرلمان. جرت القراءة الأولى لهذا المقترح يوم 23 يونيو بحضور 57 من النواب من أصل 111 نائب. فيما قاطع الحزب الديمقراطي الكردستاني الجلسة ولم يقوموا بطرح أي بديل آخر عن الطلب ببقاء البارزاني في السلطة. وجرت ايضا عدة محادثات خلف الأبواب المغلقة في المكتب السياسي للحزب، ولكنها لم تجدي اي نفع، وبطبيعة الحال، فإن البرلمان المنتخب هو في نهاية المطاف المكان المناسب لاتخاذ القرارات المهمة في اي مسألة.
في يومي 10 و 11 اغسطس، قام الحزب الديمقراطي الكردستاني بنشر سيارات مدرعة حول البرلمان ومركز أربيل من اجل الترهيب والتخويف واستعراض القوة. وفي 23 أغسطس، اجتمع البرلمان مرة أخرى ولكن هذه المرة، وفقا لمصادرنا، تمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من رشوة العديد من النواب، الذين وعلى عكس التوقعات، امتنعوا ومنعوا المزيد من النقاشات في المقترح. ومع ذلك، فإنه لا يزال على الطاولة، في انتظار مزيد من المناقشة واتخاذ القرار، ويمكن القول أن هذا هو السبب الرئيسي لمنع ميليشيا الحزب الديمقراطي الكردستاني لرئيس البرلمان في 12 اكتوبر تشرين الاول من دخول اربيل.
دعت الأطراف الأخرى لمزيد من المحادثات لكسر الجمود ولكن الحزب الديمقراطي الكردستاني يرفض اللقاء مع حزب التغيير، وبذلك يصبح مسؤولا و بشكل واضح عن تصعيد الأزمة التي تهدد بتدمير إنجازات العقدين الماضيين، وتقسيم إقليم كردستان، على خطا الحرب الاهلية في عام 1990. ولمنع انهيار الأمن التام في هذا الوقت من الحرب، يجب ان تتحرر العاصمة أربيل من هيمنة القوات الموالية لحزب سياسي واحد. الامر الذي لا يمكن ان يتم إلا من خلال العودة إلى الشرعية الديمقراطية، و استعادة دور البرلمان الشرعي للتعامل مع الأزمة القانونية والاقتصادية.
فحاليا، إقليم كردستان لا يملك رئيس شرعي، ولا حكومة فعالة، ولا برلمان للقيام بمهامه. وتجري هذه الأحداث في الوقت الذي يعيش فيه أغلبية الناس في خيمة من تدهور الأوضاع – بسبب سوء إدارة الموارد النفطية، وانهيار السوق، والتأخير في دفع الرواتب والحرب ضد الإرهاب.
وكل هذا في تناقض تام و صارخ لتوقعات المجتمع الدولي. فلسنوات عديدة، روجت حكومة إقليم كردستان نفسها كنموذج في الشرق الأوسط. ولكن للأسف، فأنها أصبحت اليوم تشبه كثيرا سوريا واليمن والصومال وليبيا. ولا يمكن للحل أن يأتي إلا من الداخل، من دون تدخل خارجي لصالح حزب واحد أو زعيم أو آخر. ومع ذلك، يمكن للقوى الديمقراطية في العالم ان تلعب دورا إيجابيا حاسما من خلال دعم سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية في إقليم كوردستان، وبالتالي الضغط على مسعود البرزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني لكبح جماح المسلحين، ووضع حد لإستخدام الإساءة للقواعد الديمقراطية والسماح للبرلمان بالاجتماع والعمل بحرية.
الولايات المتحدة خصوصا، لديها التزام أخلاقي امام الشعب الكردي لدعم النضال المستمر من أجل تحقيق حكم ديمقراطي ونظام سياسي مدني بدلا من احتكار السلطة من قبل مجموعة واحدة او حزب واحد. واضاف مؤخرا الرئيس الامريكي باراك اوباما: “لكن القانون هو القانون، ولا أحد فوق القانون، ولا حتى الرئيس”. حيث كان يستهزيء بـظاهرة “الرئاسة مدى الحياة” في أفريقيا، وينبغي أن لا يغض الطرف عن تطورات مماثلة في كردستان. حيث لقي 4486 جنديا أمريكيا حتفهم في العراق للمساعدة في الإطاحة بدكتاتور واحد؛ وسيكون من المجحف ان تؤيد الولايات المتحدة ظهور طاغية اخر. ان الانزلاق نحو الديكتاتورية ينذر بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة الأكثر اضطرابا في العالم، وكذلك في نهاية المطاف سيؤدي الى تعريض الولايات المتحدة وشركات النفط الغربية وغيرها من المصالح في كردستان الى الخطر.
الشعب الكردي يستحق الحكم الرشيد والاستقرار السياسي، وماضينا والتاريخ الحالي يعلمنا الكثير عن ذلك. والشعب الكردي يحترم الولايات المتحدة لدعمها له وحمايته في عدة مناسبات كما حدث في عام 1992، 2003، والآن. ونحن لا نزال نعول على دعمكم والتعاون في بناء المؤسسات الديمقراطية وتشكيل حكومة شفافة. وصوتكم ووقوفكم معنا في هذه المسألة له قيمة كبيرة وهناك حاجة ملحة له.
وكما قال ألبرت أينشتاين ذات مرة:”لن يكون تدمير العالم على يد الأشرار.. بل على يد من يشاهدون الأشرار في صمت”.