إيكونوميست: شباب البصرة يشكّلون 70% من مقاتلي الحشد الشعبي
المدى برس/ بغداد
عندما لا يخرجون في تظاهرات قرب أبواب حقول النفط العملاقة في مدينة البصرة، فإن شباب المدينة من الخريجين العاطلين يقضون أوقاتهم في لعبة الدومينو على ضفاف شط العرب.
في الليل، تضيء نيران الغاز المشتعل السماء لتعوّض جزئياً عن انقطاع التيار الكهربائي. يقول أحد الشباب “نحن نقدم النفط للعالم لنوفر له الطاقة الكهربائية، لكننا نعيش في الظلام”.
استخدمت السلطات العنف لتفريق المتظاهرين بعد أن هددت شركة النفط الروسية لوك أويل بإيقاف الإنتاج. وبعد أن فقد المحتجون الأمل، تخلّوا عن الاحتجاج السلمي واستدعوا قوات الحشد الشعبي للتدخّل لصالحهم.
في الوقت الذي تتجه أنظار العالم شمالاً للحرب على داعش، يقول السياسيون في المدينة إن الجنوب ليس أقل تهديداً، حيث يقول علي شداد الفارس، رئيس لجنة النفط في مجلس محافظة البصرة، أن “البصرة هي التي تموّل العراق، وان استقرار العراق يعتمد على استقرار البصرة”.
ومن المفترض أن تكون البصرة أكثر محافظات العراق نجاحاً؛ فهي تبعد كثيراً عن خطوط القتال مع داعش، وتقليدياً تعد أكثر مدينة عراقية منفتحة على العالم.
ومازالت البصرة محرّك العراق ففيها موانىء العراق الوحيدة وفيها إنتاج النفط الذي يوفر 95 % من إيرادات الحكومة. لكن العقود الأربعة من الحروب والعقوبات الدولية والإهمال والاقتتال الداخلي جعل منها مدينة متهالكة تعاني الخلل الوظيفي. فمرافقها أسوأ من مرافق الموصل القابعة تحت سيطرة داعش، وانقطاع التيار الكهربائي يستمر معظم أوقات اليوم، ماؤها مالح، الهواء ينفذ من أعمدة النفط ومن بالوعات الصرف الصحي التي تصب في قنوات متهالكة لمدينة كانت تسمى يوماً “فينيسيا الشرق”، الكوليرا تعود اليها. ويقول أحد أعضاء المجلس المحلي “كانت المنظومة الصحية أفضل في ظل العقوبات الدولية”.
بسبب البطالة يتجه الشباب للانضمام الى قوات الحشد الشعبي التي تعد من أكبر أرباب العمل هناك، حيث يقول قادة الحشد أن 70% من قوات الحشد تأتي من البصرة.
وتدير شركات النفط العالمية معظم عملياتها من الخارج. ورغم أن اليد العاملة المحلية أقل كلفة فإن الحكومة العراقية هي التي تدفع أجور الأجانب الذين تقوم الشركات باستئجارهم، وهذا ما يضاعف كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط العراقي قياساً بالسعودية.
وتقول الشركات إن اليد العاملة الأجنبية يمكن الاعتماد عليها أكثر، لكن لو كان الوضع الأمني أفضل ولو كان العراق يدفع مستحقات الشركات لكانت الشركات قد أسست مراكز تدريب وجامعات كما فعلت في السعودية.
الشركات تعزل نفسها عن العراق وتخلق دائرة مفرغة، الفجوة تتسع بينها وبين السكان المحليين، المظالم تتصاعد، وبسبب قلقها مما قد يحصل فقد طلبت شركة أوكسيدنتال بتروليوم – رابع أكبر الشركات المنتجة للنفط في أميركا – الشهر الماضي من الحكومة العراقية شراء حصتها في حقل الزبير الذي يعد من أكبر حقول النفط في الجنوب.
السياسة العراقية تزيد من انعدام الفرص، حيث أن الأحزاب الحاكمة في بغداد تتقاسم إيرادات النفط قبل أن ترسل اليسير منها الى الجنوب، ويقوم ممثلوها المحليون بتجميد الباقي.
محافظ البصرة ورئيس مجلسها وأمين البلدية كلهم ينتمون لأحزاب دينية متنافسة وكل منهم يعترض على قرارات ومشاريع الآخرين، الميليشيات التابعة لهم تتزاحم من أجل السيطرة على شوارع المدينة.
ويقول رشوان شريف، المتحدث عن تجمّع جديد لمبرمجي الحاسوب، إن “البصرة تشبه التايتنك، باخرة غنية لكنها تتجه الى جبل جليدي”. ويقول صحفي محلي إن الطبقة الوسطى تبيع ما تملك وتهرب الى خارج البلد.
سكان المدينة يتغيرون، أعداد كبيرة تصل من المحافظات الفقيرة المجاورة التي لا تنتج النفط، الطبقة الوسطى الحضرية تحل محلها طبقة أكثر تحفظاً. الطابع البصري يتغير.
وتقول المخرجة المحلية خلود جبار “لم تكن لدينا نزاعات عشائرية، كانت مدينتنا ميناءً منفتحاً على الثقافات الاجنبية”. ويقال أن الشيخ زايد بن نهيان، أول أمير لدولة الإمارات، كان يستمتع بمطاعم البصرة بحيث جعلها نموذجاً لمدينة دبي.
كان المشهد الفني مفعماً بالحياة وأكثر حيويةً في عموم المنطقة، أما دور السينما غير المسقفة فقد منعت منذ زمن بسبب الحظر الديني، وكانت شرفات البصرة – الشناشيل – تشرف على قنوات المياه.
وفي مدينة العمارة التي تبعد ساعة واحدة شمال البصرة، تتعاون الأحزاب الدينية وتحاسب بعضها دون أن تعرقل مشاريع بعضها البعض. كما طورت الطرق ومنظومات الصرف الصحي والمنشآت الرياضية، والمتعاقدون الصينيون يتجولون في المدينة دون مرافقين أمنيين، وسيتم افتتاح مصنعين جديدين يعملان بالغاز العام المقبل.