المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

لم يتوقّف الاستيلاء على بيوت المسيحيّين في بغداد… ووعود العبادي ظلّت وعوداً!


invo

عمر الجفال – المونيتر

 قاطع مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم، “المؤتمر الوطني لحماية التعايش السلمي وحظر الكراهية ومكافحة التطرف والإرهاب” الذي عُقد في البرلمان العراقي، لأنّ ساكو رأى “عدم جدوى المشاركة في مؤتمرات تخصص للكلمات والشعارات من دون أن تقترن بأفعال على أرض الواقع”.
لقد بدا ساكو غاضباً من عدم اتخاذ الحكومة خطوات لحماية المسيحيين في العراق الذين تعرّض نحو 120 ألف شخص منهم إلى التهجير ومصادرة الممتلكات في مدينة الموصل في حزيران / يونيو عام 2014 حين سيطر تنظيم “داعش” على المدينة، إلا أن ساكو بدا غاضباً أيضاً من إهمال أزمات المسيحيين في العاصمة بغداد بعد أن أخذت “جهات متنفذّة” تستولي على دورهم السكنيّة.
وفي 5 شباط / فبراير وجّه ساكو نداءً قال فيه: “نستصرخ ضمير المسؤولين في الحكومة العراقيّة والمرجعيّات الدينيّة لفعل ما يصون حياة المواطنين وكرامتهم وممتلكاتهم أيّاً كانوا، لأنّهم بشر وعراقيّون”. وذهب أبعد من ذلك حين أشار إلى أنّ “الممارسات (ضدّ المسيحيّين) بعيدة عن رسالة الدين وتعدّ إبادة جماعيّة من نوع آخر”.
والحال فإن ساكو إذا لم يكن باستطاعته الإشارة إلى ما يتعرّض له المسحيين من تهجير وسرقة لمنازلهم في بغداد بشكل واضح بسبب منزلته الدينية التي تفرض عليه التصرف بدبلوماسية، فإن محمّد الربيعي، عضو مجلس محافظة بغداد، أعلن في حزيران/يونيو 2015، خلال لقاء تلفزيونيّ، عن إحصاء يفيد باستيلاء ما سمّاها “جهات متنفّذة” على 70% من منازل المسيحيّين المهاجرين من بغداد إلى خارج العراق. وقال الربيعي أثناء اللقاء إنّ هذه “الجهّات المتنفّذة” استطاعت أن تغيّر ملكيّة هذه المنازل في السجلّات العقاريّة الحكوميّة لصالح أشخاص “متنفّذين”.
وفي الغالب، يحظى المسيحيّون بتعاطف كبير من قبل طوائف المجتمع العراقيّ مثل السنة والشيعة ودياناته الأخرى مثل الصابئة والإيزيديين، كونهم يعدّون من الديانات المسالمة في العراق، ممّا أدّى إلى موجة تضامن معهم، والاحتجاج على الاستحواذ على منازلهم.
لكن ما أعلنه الربيعي وعدّ مفاجأة للمجتمع العراقي، كان مدار حوارات بين رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وسياسيّين مسيحيّين. هذا ما أكّده النائب المسيحيّ في البرلمان العراقيّ عماد يوخنا في تمّوز/يوليو 2015، الذي قال إنّ “رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وعد بإيقاف كلّ هذه التجاوزات (على المسيحيّين)، وإعادة البيوت إلى أصحابها، إلا أنّه لم يف بذلك (..)”.
واتّهم يوخنا “أحزاباً دينيّة وميليشيات (لم يسمّها) خارجة عن القانون والدولة تقوم بالاستيلاء على منازل المسيحيّين وخطفهم وتهديدهم في العاصمة بغداد”. ووصف ما يجري للمسيحيّين في العاصمة بأنّه “يرتقي إلى التطهير العرقيّ والتغيير الديموغرافيّ”.
في الواقع، يبدو أنّ الاستيلاء على أملاك المسيحيّين يجري بعلم الأحزاب السياسيّة والحكومة، لكن هناك ما يمنع الحكومة والقوّات الأمنيّة من ردع الجهّات التي تتعدّى على أملاك أفراد هذه الديانة التي يعود وجودها في العراق إلى آلاف السنوات. ويذهب رئيس كتلة الرافدين المسيحيّة في مجلس النوّاب العراقيّ يونادم كنا إلى تأكيد هذه الوقائع بالقول في حديث إلى “المونيتور” إنّ “هناك ميليشيات تابعة إلى أحزاب سياسيّة تعمل على إفراغ بغداد من المسيحيّين وتقوم بالاستيلاء على عقاراتهم عنوة”، مشدّداً على أنّ “هذه التعدّيات تجري على الرغم من وجود علم لدى الحكومة بأنّ منازل المسيحيّين يستولى عليها لكنّها لم تفعل شيئاً”.
وشدّد كنا، الذي بدا غاضباً، على أنّ “العصابات بقيت تتمادى بعمليّات الاستيلاء على أملاك المسيحيّين”، قبل أن يضيف: “ما أعلم به وما وصلني من معلومات عن الاستيلاء على منازل المسيحيّين يقدّر بالعشرات، لكن بكلّ تأكيد هو أكثر من هذا الرقم، حيث توجد عوائل سافرت مباشرة بعد الاستيلاء على منازلها من دون تقديم شكوى أو كشف الأمر خوفاً على حياتها”.
وأردف عضو مجلس النوّاب العراقيّ، قائلاً: “عمليّات الاستيلاء تكون في الأغلب على المنازل المغلقة التي سافر أصحابها، وهناك حالات أخرى تكون من خلال الاستيلاء على المنازل على الرغم من وجود العوائل فيها، وكلّ هذا يحدث تحت التهديد بالقتل”.
وقد سرد ميلاد مجيد (اسم مستعار) الذي يعيش في أميركا اليوم، عبر “السكايب” لمراسل “المونيتور” ما تعرّض إليه من تهديدات دفعته إلى الفرار أوّلاً إلى إقليم كردستان ومن ثمّ هجرته التي سماها “أبدية” إلى الولايات المتحدّة الأميركية.
وقال مجيد “كنت أسكن في منطقة الغدير في بغداد وتعرّضت إلى مضايقات من مجموعة مسلّحة لعدّة مرّات، حيث أخذوا يصفوني بالنصراني، والمشرك، وطلبوا مني لأكثر من مرّة أن أبيعهم منزلي”.
وأضاف، وقد بدا الحزن واضحاً عليه “كانوا يريدون شراء المنزل بسعر رخيص جداً، حيث يقدّر سعره بنحو 180 ألف دولار بينما هم كانوا يريدون شراءه بنحو 100 ألف دولار فقط”.
وشدّد بالقول “رفضت أن أبيع المنزل.. حصل ذلك عام 2013 وبعد أشهر هدّدوني بالتصفيّة أو إيذاء والدتي”.
هذا التهديد أرعب مجيد، إلا أنه لم يبلغ الشرطة “كنت خائفاً.. متى استطاعت الشرطة أن تحمي مواطناً؟ وربما أصلاً يصل للميليشيا أني إبلغت الشرطة فيقومون بتصفيتي”.
أكد مجيد أن التهديد دفعه إلى إخلاء المنزل من الأثاث ومن ثم تأجيره لعائلة عراقيّة فقيرة، إلا أن الميليشيا سرعان ما قامت بتهديد العائلة المؤجرة وأخرجتهم من المنزل واستولت عليه.
قال مجيد “بعدها عرفت من خلال أقاربي أنهم حولوا المنزل في السجل العقاري الحكومي لصالحهم وباعوه”، وأضاف “هكذا خسرت المنزل الذي ولدت فيه ولا أعرف إن كنت ساستعيده يوماً”.
لا يُريد مجيد ذكر اسمه الحقيقي أو اسم الميليشيا التي هددته خشية على أقاربه الذين تبقّوا في بغداد، وقال “لست المسيحي الوحيد الذي تعرّض إلى هذا الأمر.. منذ سقوط بغداد في عام 2003 والمسيحيون يتداولون قصص تهديدهم وفقدانهم لأملاكهم”.
وقال النائب كنا أن “الكثير من أملاك المسيحيين يجري تغيير ملكيّتها في السجل العراقي لصالح اسماء المجموعات المسلحة عن طريق الرشا”، وأضاف “يكلّف هذا التزوير نحو 10 آلاف دولار”.
وتزايدت هجرة أبناء الديانة المسيحيّة من العراق بعد الغزو الأميركيّ للبلاد في نيسان/أبريل 2003 بسبب تفاقم تهديدات الميليشيات الإسلاميّة السنيّة والشيعيّة ضدّهم، وهو الذي قاد إلى انخفاض أعدادهم في عام 2012 من 1.5 ملايين نسمة إلى نحو 850 ألف نسمة، ويرجّح أن يكون هذا العدد قد انخفض كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيّما بعد استيلاء تنظيم “داعش” على مساحة ثلث البلاد في حزيران/يونيو 2014، حيث وضع التنظيم حرف “نون ” بالعربيّة على دور المسيحيين في الموصل علامة على كونهم “نصرانيين”، وهو الأمر الذي يجيز الاستيلاء على دورهم.
إلا أن لا إحصائيات دقيقة يمكن الاعتداد بها عن أعداد المسحيين المتبقيّن في العراق اليوم.
وبدا واضحاً أنّ لدى لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقيّ معلومات عن استيلاء مجموعات مسلّحة على دور المسيحيّين وأملاكهم، إذ قال مقرّر لجنة الأمن والدفاع في مجلس النوّاب العراقيّ شاخوان عبدالله، في حديث إلى “المونيتور” إنّ “لجنة الأمن والدفاع في مجلس النوّاب بعثت إلى رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي بكتاب تطالبه فيه بفتح تحقيق في ملفّ الاستيلاء على منازل المسيحيّين ومعرفة الجهّات التي تقف وراء ذلك، إضافة إلى تقديم المتسبّبين إلى القضاء”.
ولم يشر عبدالله إلى تاريخ إرسال الكتاب إلى العبادي، ولا الردّ الذي تلقّاه منه، لكنّه أشار إلى أنّ “العبادي وعد بفتح تحقيق لمعرفة الجهّات التي تستولي على منازل المسيحيّين وتفبرك الأوراق والوثائق الرسميّة في الدوائر العقاريّة”.
وشدّد عبدالله على أنّ “عمليّات السطو لم تحدث من قبل أشخاص أو أفراد وإنّما من قبل جماعات لها نفوذ في الدولة وتحاول أن تستغلّه”، لكنّه لم يسمّ أيّ جهّة.
ولم تحظ نداءات رجال الدين والمسؤولين المسيحيّين إلى الآن بأيّ استجابة جديّة من الحكومة العراقيّة، وعلى رأسها العبادي، لطمأنتهم وبثّ الأمن في نفوسهم لتحثّهم على البقاء في العراق.
بدا العبادي الذي التقى البابا فرنسيس في الفاتيكان في 10 شباط/فبراير أنّه ما يزال يحتفظ بالوعود من دون أن ينفذّها على الأرض. وكان قد أخبر البابا بأنّ “الإخوة المسيحيّين في العراق هم محطّ اعتزازنا ومحبّتنا ونحن حريصون على رعايتهم وحمايتهم وتأمين حريّتهم في ممارسة طقوسهم الدينيّة”.
ظلّ هذا التصريح في حدود المجاملة، والمسيحيّون باتوا لا يبحثون عن “وعود” لطمأنتهم والحفاظ على بقائهم في العراق، وإنّما ينتظرون خطوات عمليّة تقتصّ من أولئك الذين سلبوهم منازلهم وسعوا إلى تهجيرهم.