المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

الأب ألبير نعّوم: الإعلام العراقي يركز على مصائب الأقليات ويسهم بتهجيرها!

البير نعّوم

أحمد محمد – بيت الاعلام العراقي

عد رجل دين وإعلامي مسيحي، إن الإعلام العراقي يركز على قضايا الأقليات “فقط، وأحيانًا حصرياً” أوقات “المصائب والنكبات” بنحو يدعو لـ”الشفقة” وكأنهم ليسوا عراقيين “أصلاء”، وفي حين اعتبر أن ذلك يرسخ توقعهم لـ”الأسوأ” ويدفعهم، سواء عن قصد أم دون قصد، للهجرة ما يشكل “خسارة كبيرة” للعراق وتنوعه الثقافي والديني والحضاري، دعا وسائل الإعلام إلى تعزز التعايش السلمي وإبراز دور الأقليّات كمون رئيس وضروري في المجتمع.

جاء ذلك في مقابلة أجراها (بيت الإعلام العراق)، مع الأب ألبير هشام نعّوم، المتخصص بالإعلام الكنسي، ومعاون رئيس تحرير مجلة (نجم المشرق) التي تصدرها بطريركية بابل الكلدانية، والتدريسي في عدة كليات أو معاهد لاهوتية، في بغداد وأربيل.

س/ كيف تقيم تغطية وسائل الإعلام العراقية لقضايا الأقليات؟

نعوم:/ من متابعة السنوات الأخيرة، نلاحظ بوضوح أن وسائل الإعلام العراقية تركّز على قضايا الأقلّيات فقط، وأحيانًا حصرياً، عندما تتعرّض الأخيرة لهجمات إرهابية وما يتبعها من هجرة أتباعها وترك البلاد، وحتّى عندما تتكلّم عن تلك الهجمات، تشدد على استنكار الجهات الحكومية وشخصيات سياسية أكثر من ضحايا الاعتداءات من أبناء البلد الأصلاء.

وتتضمن الاستنكارات كلماتٍ بلاغية تشيد بأصالة وقدم المكوّنات ذات الأقليّة في العراق، لكنها تُقدّم في كلّ الأحوال ضمن خبر مأساوي، ينقل حدث تفجير كنيسة أو تهجير عوائل أو اغتيال أحد أبناء الأقليّة، الأمر الذي يعطي صورة تدعو للشفقة عن الأقليّات، وكأنّ وجودهم في العراق محصور فقط بصورة جماعة بحاجة إلى المساعدة والرحمة بعد ما تعرّضوا له في السنوات الأخيرة.

لكن، ماذا عن انجازات الأقليات في البلاد؟ ألا توجد أحداث تخصّهم غير الهجمات التي تطالهم، تستحق أن تصنع خبراً في الإعلام العراقي؟

ألم يدعو المسيحيون، على سبيل المثال لا الحصر، إلى السلام بمبادرات وفعّاليات مختلفة؟ لماذا لا تتحول هذه الأحداث إلى أخبار في الإعلام العراقي؟ وعندما لا تتحول، يبقى التركيز في موضوع الأقلّيات على ما لحق بهم من أذى، وتكون قضيتهم أحيانًا مجرّد وسيلة سهلة وضحية بين الصراعات السياسية التي ما تزال تضرب البلاد.

س/ هل تعاملت وسائل الإعلام العراقية باحترافية مع الأحداث الأمنية التي عصفت بالأقليات بعامة، والمسيحيين بخاصة؟ وكيف؟

نعوم/ في كل قضية أمنية، المفروض أن تكون هناك متابعة من جانب الصحافة لكشف الحقائق ومعرفة أسباب الهجوم أو الاعتداء، ومتابعة الإجراءات القضائية لملاحقة المعتدين، وحتّى مع الفوضى التي تعيشها البلاد، لا بدّ أن يسعى اللإعلام وراء ذلك.

لكن، وعلى سبيل المثال، عندما تمّ الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة، في منطقة الكرادة، وسط بغداد، في الـ31 من تشرين الأول/ أكتوبر 2010، عندما قامت زمرة إرهابية باختراق الكنيسة وقتل أكثر من أربعين مواطنًا مسيحياً كانوا يصلّون داخلها، تكلمت الصحافة العراقية لأيامٍ معدودة عما حدث، وعن استنكار جهات مختلفة له، ولكنها صمتت بعدها لمدة طويلة، وكأن علينا أن نقبل تلك المجزرة كأمرٍ واقع من دون أن نعرف من الإعلام أسبابها وأين وصلت إجراءات التحرّي عن الحادث، ومطاردة المسؤولين عنه. وبعد أشهر ليست بالقليلة، وبالتحديد في آب/ أغسطس من عام 2011، نسمع فقط من الإعلام النطق بالحكم بالإعدام على مرتكبي المجزرة، من دون أن نعرف كيف تمّ التوصل إلى ذلك. ناهيك عن الأخبار التي تفتقد إلى المصداقية، من خلال قلّة أو انعدام، المعلومات اللازمة.

وكما ذكرتُ، يشبع الإعلام العراقي المتلقين بالاستنكارات في نقله للأحداث الأمنية التي تخصّ المسيحيين والأقليّات، ربما لأنه لا يملك شيئًا آخر ليقوله، أو يريد التغطية عن أشياء أخرى كثيرة لا يريد نشرها؟

س/ كيف تعامل الإعلام العراقي مع الأحداث التي شهدتها الأقليات ومنها هجرتهم؟

نعوم/ من يقرأ أخبار الأقلّيات في الإعلام العراقي، يأخذ صورة عنهم تتضمن أنهم مكونات، مع أنهم أبناء البلد الأصلاء، لكنهم خائفون على مستقبلهم وبالتالي يفكرون في ترك وطنهم.

فمن خلال التعامل مع أحداثهم الأمنية من تفجير الكنائس إلى التهجير، وصف الإعلام المسيحيين بأنهم خائفون وقلّ عددهم في السنوات الأخيرة، وأنهم مستعدون دوماً لترك وطنهم والهجرة خارجه. إن تناول هذا الجانب فقط من حياة المسيحيين، من دون التطرق إلى حياتهم ودورهم الفعّال في المجتمع، يكون الإعلام قد شجع، حتّى من دون علمه أو قصده، هجرة المسيحيين من خلال الصورة المأساوية التي رسمها عنهم.

وهذه الصورة لا تنطبع فقط في ذهن من يقرأ عن المسيحيين، بل وتنطبع أيضاً في ذهن المسيحيين أنفسهم، الأمر الذي يجعلهم يتوقعون الأسوأ دوماً، فيقررون الهجرة، وهذا يعني خسارة كبيرة لمكوّن مهم من مكوّنات الشعب العراقي.

س/ ماذا تنصح وسائل الإعلام العراقية بشأن تغطية قضايا الأقليات؟

نعوم/ أتمنى أن تهتم وسائل الإعلام العراقية بإعطاء صورة إيجابية عن التنوّع الموجود ضمن شرائح الشعب العراقي، وألاّ تهتم فقط بالصراعات التي تنشب بينهم. ويحتاج ذلك أن تجتهد وسائل الإعلام بالبحث عن أحداث تعزز التعايش السلمي وتثبت دور الأقليّات في المجتمع، وتلقي الضوء على دورهم الذي ما يزال ضرورياً في مجتمعنا، وأن تذكر دوماً بالاضطهاد والتهميش والعزلة الذي تتعرض له الأقلّيات في العراق.

إن رسالة الإعلام هي السلام، والسلام لن يتحقق إذا أُستُثني مكوّنٌ واحد من مكوّنات الشعب، ليس لسبب، بل فقط لأنّه أقلّية. لا ينبغي أن نسكت عن هذه الحقيقة، وإلاّ أسهمنا بطريقتنا (الإعلامية!) في تهجير الأقلّيات من وطنهم، ما يشكّل خسارة كبيرة جداً للجميع.

يذكر أن الأب ألبير هشام نعّوم، حاصل على شهادة الماجستير في الإعلام الكنسي في العاصمة الإيطالية روما، ويشغل منصب معاون رئيس تحرير مجلة (نجم المشرق) التي تصدرها بطريركية بابل الكلدانية، ويدرس مادّة الإعلام الكنسي في كلية اللاهوت في أربيل، وأكاديمية بغداد المفتوحة بالعاصمة بغداد، بالإضافة إلى معاهد لاهوتية أخرى، وهو كاهن في كنيسة مار يوسف الكلدانية في منطقة الكرادة.

وقد تناولت رسالته للماجستير، الاعتداء على كاتدرائية سيدة النجاة، في الصحافة العربية والعالمية، من خلال متابعة تغطية عشرين صحيفة عربية، منها أربع عراقية، والباقي من الدول المحيطة بالعراق، وأربع صحف عالمية.

وأجرى من خلال البحث، تحليلاً للأخبار والمقالات التي تطرقتْ إلى مسيحيي العراق انطلاقًا من حادثة الاعتداء على كاتدرائية سيدة النجاة إلى ذكراها السنوية الأولى، أي بين عامي 2010 و2011، وخرج بنتائج تعكس طريقة اهتمام الصحافة المحلية والعالمية بالمكوّن المسيحي في العراق، ومن خلاله بمسيحيي الشرق الأوسط عامة.