صورة الرمادي من الداخل: الهميم يتوسع.. والحزب الإسلامي يتشبث بالواجهة
عمر الشاهر – المونيتر
لم يكن سكان الرمادي، يتوقعون، أن الرجل الذي ينتمي إلى اسرة عريقة في الجاه والثراء، سيبعث من جديد، ليتولى دور اللاعب الأكبر في المدينة التي انتزعت للتو من براثن “داعش”.
فعبد اللطيف الهميم، عاد، مؤخرا، من بعيد، ليتسلم إدارة الوقف السني، لكنه اختار، على ما يبدو، اللحظة المناسبة، ليثب إلى منطقة الخطر، ويطرح نفسه رجلا لمرحلة جديدة، شعارها “إعادة النازحين”.
والهميم، الذي يرتبط اسمه بالحملة الإيمانية التي أطلقها رئيس النظام السابق صدام حسين، لم يظهر في الساحة السياسية، بعد العام 2003، بشكل مفاجئ، بل أسهم، في جولات عديدة، في الجدل الدائر بشأن “الشراكة” بين “الشيعة”، و”السنة”، وإن كان من بعيد.. حتى جرى تصنيفه، في لحظات عديدة، من ضمن التيارات “السنية المتشددة” التي تعترض على أصل ما اصطلح عليه بـ “العملية السياسية”. ولكن مع وصول العبادي إلى كرسي رئاسة الوزراء، ظهر الهميم بوصفه مرشحا فوق العادة لشغل منصب رئيس الوقف السني، الذي أحيط بالكثير من الجدل بشأن دوره الفعلي وتورط رئيسه السابق في شبهات فساد. وسريعا تولى الهميم هذا المنصب، لكنه بدا للمتابعين أنه أصغر منه.. ولم يخف الكثيرون استغرابهم من قبول الهميم بهذا المنصب، لكن الرجل، على ما يبدو، كان مدركا لأهمية تحقيق انطلاقة جديدة، من بوابة جديدة، فاختار هذا الموقع، ليشرع في عرض نفسه، شريكا “سنيا” على السلطة..
انخرط الهميم سريعا، عقب توليه رئاسة الوقف السني، في النقاشات السياسية التي تتعلق بـ “مستقبل المكون”، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى صار رقما صعبا في المعادلة السياسية التي تجمع الممثلين الكبار للمكونات العراقية.. وما أن انطلقت عمليات تحرير الرمادي حتى أخذ الهميم دوره الكامل في التنظير لها وتوجيه نتائجها على الأرض، واتضح هذا الأمر جليا مع قرار أصدره رئيس الوزراء بتولي الهميم رئاسة لجنة إعادة نازحي الأنبار، التي كانت صلاحياتها في السابق معقودة للمحافظ صهيب الراوي، وهو ما أطلق مرحلة جديدة من التنافس في الأنبار، بين القوة السياسية التقليدية التي يمثلها الحزب الإسلامي، مجسدة في المحافظ، والقوى السياسية الصاعدة، ممثلة بالهميم، ووزير الكهرباء قاسم الفهداوي، بدرجة أقل.
في لقاء جمعني ببعض أكبر قيادات الحزب الإسلامي في بغداد، سمعت تقييما بدا إيجابيا عن الهميم. قالوا لي بوضوح إنه شريك أساسي في المرحلة القادمة، واللقاءات بين الطرفين متواصلة، لكن الصورة على أرض الرمادي بدت مختلفة للغاية، فالمحافظ الراوي، لا يبدو مقتنعا بالصيغة الجديدة التي أقرها العبادي. لقد سبق للعبادي أن شكل لجنة برئاسة الراوي، وعضوية عدد كبير من الوزارات المعنية بإعادة النازحين والإعمار. وقد منحت اللجنة صلاحيات وزارية لكل وكيل وزارة فيها، وهو ما أتاح مجالا كبير أمام المحافظ للتحرك على مختلف الأصعدة، لكن ظهور الهميم في المشهد أربك حسابات المحافظ، ودفعه إلى الزاوية، فما كان منه إلا أن يتحرك على الأرض، لحيازة التأثير.. وهو ما أجبر الهميم على الذهاب إلى الرمادي، والمكوث فيها، لتندلع مواجهات، غير مباشرة، بين الطرفين، بشأن امتلاك القرار والنفوذ..
وزير الكهرباء قاسم الفهداوي، الذي انفصل عن الأنبار منذ مغادرته منصب المحافظ فيها، لم يكن مضطرا للوقف على الحياد بين الهميم والراوي، وسرعان ما مالت كفته إلى الأول، فقرر أن يشترك في مواجهة الميدان، عندما اصطحب قبل أسبوع، وفدا كبيرا من مساعديه وكبار موظفي وزارته، إلى الرمادي، ليجد الهميم، لا الرواي، في استقباله على الأرض، وليقوم الاثنان بجولة مصورة في المناطق والمنشآت، وليدونا احتياجات المدينة، والأوليات، وكيفية التعامل معها..
وأشكال الصراع متعددة الآن في الرمادي بين الطرفين، ولكنه حتى الآن يبدو صراعا محمودا، فهناك ما يشبه الحمى على الأرض بين الفرق الميدانية التي تمثل كل طرف، فيما يتعلق بتنظيف الأحياء السكنية وفتح الشوارع المغلقة بمخلفات المعارك وجرد احتياجات عودة النازحين، وفتح مكاتب لتسجيل أسماء الراغبين بعودة عاجلة منهم، ما ينعكس، إيجابا، للوهلة الأولى، على طبيعة الاوضاع ومصالح الناس، لكنه لن يستمر كثيرا على هذا الحال..
ويبدو الهميم ذكيا، في استثمار غضب الكثير من السكان المحليين على كل ما يتعلق بالحزب الإسلامي وصلاته بأوجه السلطة، لتوسيع مساحة نفوذه، متسلحا بخبرة كبيرة بالتركيبة الاجتماعية لهذه المدينة الصغيرة، فيما يحاول أنصار المحافظ الرد عبر ربط رئيس الوقف السني بـ “المشروع الإيراني”، وهو جدل تعج به الصفحات المؤيدة لكلا الطرفين.
وإذا كانت الرمادي، بالنسبة للمحافظ صهيب الراوي، هي مساحة مناورته الستراتيجية، وهمه الأكبر، فهي تبدو للهميم مجرد محطة انطلاق نحو المساحة “السنية” الأوسع في العراق، بما يتطلب إعادة صياغة مشهد “الزعامة السنية” على المستوى الوطني.. وهو ما تتضح ملامحه في محاولة رئيس الوقف السني، صياغة موقف سياسي يتماهى، إلى حد بعيد، مع رؤية الحكومة المركزية، التي تسعى إلى الحفاظ على وحدة البلاد ومواجهة مشروع الأقاليم. وبرغم ذلك، تشير المصادر، إلى أن الهميم، قد يقبل مشروع “الإقليم السني”، أو “إقليم الأنبار”، إذا لم يتمكن من مواجهته، وهو ما يفسر حفاظه على علاقة متوازنة مع دعاة هذا المشروع..
صورة الرمادي من الداخل الآن، تلخصها مواجهة “غير مأمونة العواقب”، بين الهميم، رجل المال، والعلاقات الخليجية المميزة، والحزب الإسلامي، صاحب التجربة الكبيرة في الإدارة المحلية، والخبرة في بناء مراكز النفوذ، والنتائج مفتوجة على جميع الاحتمالات..