مؤتمر النقابات العمالية: نقطة تحول في اساليب عمل المجتمع المدني في العراق منذ ٢٠٠٣

بغداد ٣ حزيران ٢٠١٦

تغطية لمؤتمر نقابي عراقي  موسع و فريد من نوعه، عقد في بغداد ـ مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي -ICSSI

شهدت بغداد وبالرغم من الظروف الاستثنائية الامنية والسياسية التي تمر بها، حدثاً فريداً من نوعه، مؤتمرا لنقابات العمال كان ثمرة لاعداد وتحضير وادارة خالصة من المجتمع المدني.  نحن في المبادرة وكمختصين ومتابعين لانشطة المجتمع المدني العراقي، منذ اكثر من ١٠ اعوام، وعند تقييم مستوى المشاركة والتنظيم ، والمحتوى والمضمون، بالاضافة الى مراحل الاعداد والية الانعقاد، يمكننا ان نؤكد ان مؤتمر النقابات هذا، يمثل طفرة نوعية في مسيرة المجتمع المدني العراقي ومنذ عام ٢٠٠٣.

فعلى مستوى المحتوى، ناقش المؤتمرون على مدى يومي الرابع والخامس والعشرين من شهر أيار،مواضيع تتعلق بالحقوق والحريات النقابية في العراق. حيث قُدم عرض عن معايير العمل الدولية الخاصة بها والتزامات العراق تجاهها. فيما قدم ممثلي خمسة اتحادات عمالية مشاركة في المؤتمر اوراق عمل متخصصة. ثم عقدت ثلاث حلقات نقاشية تناولت : مستقبل العمل النقابي في العراق في حال تشريع قانون الحقوق والحريات النقابية ، دور الحريات النقابية في تعزيز الحريات العامة والسلم المجتمعي ، دور المرأة العاملة في النقابات في حال تشريع قانون للحقوق والحريات النقابية. وجرى كذلك في هذا المؤتمر الاستماع إلى الملاحظات النهائية حول مقترح مشروع الحقوق والحريات النقابية الذي أعدته الاتحادات العراقية المشاركة في المؤتمر. هذا وقد خرج المؤتمر بعدد مهم من المقررات والتوصيات، نلخصها بالمحاور التالية:

(١) محور احترام الحريات النقابية

أكد المؤتمر على ضرورة احترام الحريات النقابية كونها جزء هام من حقوق الإنسان ولدورها في ترسخ السلم الاجتماعي. وطالب المؤتمرون الحكومة العراقية احترام اتفاقيات العمل العربية والدولية المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية.  واكدوا على ان هذا الاحترام يجب ان ينعكس على التشريع والتطبيق، بما يكفل حق العمال والموظفين في تشكيل منظماتهم وإدارتها بحرية تامة. وطالبوا إلغاء القوانين التي تتعارض مع حق وحرية التنظيم النقابي فوراً وتوفير الحمايات القانونية للعمل النقابي والموظفين النقابيين العاملين في دوائر الدولة والقطاع العام ومنع معاقبتهم لانتمائهم أو نشاطهم النقابي. مع التأكيد على شمول العمال والموظفين في دوائر الدولة والقطاع العام بحق التنظيم النقابي وفق ما نصت عليه المعايير الدولية والعمل على تقوية منظماتهم القائمة.

(٢)  محور وحدة واستقلالية  الطبقة العاملة وحرية حركتها النقابية

أكد المؤتمر على وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية، مع التأكيد على استقلالية الاتحادات وحريتها في إقامة تنظيمها النقابي.ورفض التدخلات السياسية والحكومية في الشأن الداخلي للمنظمات النقابية، وضرورة الوقوف بوجه أي أجندة سياسية لأي طرف يعمل على تشتيتها أو إضعافها. وطالب المؤتمر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بضمان إشراك جميع الاتحادات العمالية في الأنشطة والفعاليات ذات الصلة بقضايا العمال، داخل البلاد وخارجها والمشاركة في اللجان الثلاثية ووفق مبادئ الحوار الاجتماعي.

كما اكد المؤتمر على ضرورة تعزيز موقف العمال ومنظماتهم النقابية المناهض للصراعات الطائفية والدينية والقومية، والإقرار بقدرة الحركة العمالية على إنهاء تلك الصراعات وترسيخ مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية. بنفس الوقت طالب كافة الاتحادات العمالية تجاوز الاختلافات الداخلية بينها، والحيلولة دون تطورها الى خلافات أساسية أو صراعات وتنافس غير مشروع. بل تكثيف التشاور المشترك للوصول إلى مقاربات مشتركة لحل مشكلات الطبقة العاملة في العراق.

وفي هذا الاطار قرر المؤتمرون تشكيل فريق عمالي مشترك من الاتحادات والنقابات العمالية لتعزيز وحدة الموقف في القضايا الجوهرية المتعلقة بعمال العراق ومنظماتهم النقابية بما يكفل التمثيل المشترك الواسع لهم أمام مختلف الجهات الوطنية والدولية.

(٣) محور المطالب والمواقف العمالية من الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية

اكد المؤتمر على ضرورة العمل على إنفاذ قانون العمل الجديد بشكل كامل من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.وضرورة شمول القطاع غير المنظم بالحمايات القانونية ومنع التعسف الذي يتعرض له العاملون في هذا القطاع وشمولهم بالضمانات الاجتماعية. كذلك ضرورة الإسراع في تشريع قانون للتقاعد والضمان الاجتماعي للعمال وفق معايير العمل الدولية، بما يضمن المساواة مع باقي العاملين في مؤسسات الدولة العراقية ويضمن حقوقهم ومصالحهم.

واكد المؤتمر على ضمان المساواة التامة بين المرأة والرجل، وتفعيل تشريعات منع التحرش والابتزاز الجنسي وتمكين المراءة من تبوء مراكز قيادية في الاتحادات والنقابات.وجددت الاتحادات العمالية رفضها لخصخصة قطاع الخدمات العامة وهيكلة شركات القطاع العام وطالبت الحكومة بوضع الخطط اللازمة لتشغيل المعامل المتوقفة، بالتشاور مع النقابات العمالية والمختصين بشؤون الاقتصاد، وبهدف تطوير وحماية المنتج الوطني.

على مستوى التنظيم والاعداد

مؤتمر الحقوق والحريات النقابية في العراق، الذي عقدته الاتحادات النقابية العمالية العراقية، وبالتعاون مع مركز التضامن العمالي الدولي، والمنتدى الاجتماعي العراقي، كان عماده التنظيمي جهود تطوعية لفتيات وشبان عراقيين من المجتمع المدني،  ومحور نجاحه مساهمة واسعة من اتحادات عمالية مختلفة، وتمثيل لقطاعات متنوعة، نساء ورجال مثلوا اتحادات من الشمال – اقليم كوردستان العراق وصولا الى الجنوب – محافظة البصرة ذات الحضور العمالي الواسع. المؤتمر حضى بتغطية اعلامية جيدة من الاعلام التقليدي كما ساهم المتطوعون والمنظمين بنشر صور واخبار المؤتمر في شبكات التواصل الاجتماعي.

ليس من المعتاد ان تحضر منظمات مجتمع مدني مختلفة ووفود رسمية حكومية ممثلة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، و من مجلس النواب العراقي ممثلا بلجنة العمل ولجنة منظمات المجتمع المدني، ومن المفوضية العليا لحقوق الإنسان، فضلا عن خبراء قانونين واقتصاديين ومختصين بقضايا العمل والعمال، نشاطاً تعده وتنفذه وتضع اجندته اتحادات ونقابات العمال المستقلة في العراق. في الاعوام الماضية طالما لاحضنا تجاهل لدور النقابات والاتحادات حين يتم الحديث عن المجتمع المدني او حين يتم التخطيط لانشطته. هذا المؤتمر كسر هذا التقليد الخاطئ وفتح صفحة جديدة.

وبالاضافة الى من ذكرناهم سابقاً، ساهم في هذا المؤتمر الموسع قيادات وكوادر من الاتحادات العمالية العراقية التالية : الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، الاتحاد العام لنقابات عمال كوردستان، اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق، الاتحاد العام لنقابات العاملين في العراق، اتحاد نقابات النفط في العراق. وبعض الشخصيات المختصة بشأن العمل وحقوق العمال.

اننا امام انجاز يفتح مرحلة متقدمة في مسيرة تطور المجتمع المدني العراقي، ذلك القطاع الذي واجه عقبات كبيرة تمثلت في التشتت والانقسام والعمل غير المنسق لاعوام طويلة.  لذلك نجد ان من واجبنا ان نشكر ونقف بتقدير امام كل الجهود التي بذلت من قبل مركز التضامن والمنتدى الاجتماعي العراقي والنقابات والاتحادات العمالية في سبيل هذا الانجاز الكبير. ولكون االمسيرة ماتزال طويلة، وكنتيجة طبيعية لنجاح هذا المؤتمر، قرر المنظمون تحويل المؤتمر إلى تقليد نقابي عمالي يعقد سنويا بهدف تعزيز الوحدة العمالية ومناقشة المشكلات والتحديات التي تواجه الحركة النقابية العمالية العراقية.

للاطلاع على البيان الختامي للمؤتمر اضغط هنا

لمشاهدة  تقرير المدى حول المؤتمر اضغط هنا