المبادرة الدولية للتضامن مع المجتمع المدني العراقي

The Iraqi Civil Society Solidarity Initiative (ICSSI) is dedicated to bringing together Iraqi and international civil societies through concrete actions to build together another Iraq, with peace and Human Rights for all.

عقود المشاركة في الانتاج .. فكرة خاطئة في الوقت الخطأ

احمد موسى جياد- ترجمة “طريق الشعب”
المصدر: Iraqicp
naft
تناولت نشرة “ميس” الاقتصادية العالمية في مقال بعنوان “العراق يدرس تبني عقود المشاركة لرقع نفطية جديدة”، في عددها الصادر في 20 شباط 2015، بتفصيل ما جاء في كلمة لوزير النفط العراقي عادل عبد المهدي امام مؤتمر للطاقة والاستثمار عقد في بغداد في وقت سابق الشهر نفسه. وقال الوزير ان العراق يحتاج الى توسيع قدرته “باكتشاف حقول جديدة من خلال مشاريع مشتركة مع شركات متخصصة او مع شركاء عراقيين”، ملمحاً الى ان البرلمان قد ينظر بتمرير قانون “للسماح بالمشاركة في الانتاج التي تعتبر حالياً محظورة بموجب القانون”. واضاف ايضاً ان الجمهور العراقي يعتبر ان التخلي عن سيطرة الدولة على الموارد الطبيعية يرقى الى مصاف الخيانة، “ويحتاج الى توعيته حول منافع عقود المشاركة في الانتاج”. وللقيام بذلك يقول انه ناقش احتمال فتح رقع نفطية جديدة للمستثمرين “في اقتراح يقدم الى البرلمان الى جانب تقديم صيغة معدلة لقانون النفط والغاز”.
بدايةً، يجب أن اقول ان مثل هذه الدعوة الى تبني عقود المشاركة في الانتاج والى صيغة معدلة لقانون النفط والغاز الاتحادي هما فكرتان خاطئتان في الوقت الخطأ. وفيما يلي السبب:
أولاً: لا توجد أي حاجة ملحة لتوسيع القدرات
لقد وقعت وزارة النفط في الفترة التي اعقبت 2003، وعبر أربع جولات تراخيص نفطية واتفاق واحد تم التوصل اليه بالتفاوض المباشر، 14 من عقود الخدمة البعيدة الأمد لحقول نفطية، و3 عقود خدمة لحقول غاز و4 عقود خدمة بعيدة الأمد لرقع استكشافية. وتبعاً لذلك فان الانتاج النفطي للعراق من الحقول النفطية التي شملها التعاقد كان سيرتفع الى 12,3 مليون برميل في اليوم بحلول 2017. وتقدر الاحتياطات المثبتة لهذه الحقول النفطية بـ67 مليار برميل (عندما جرى التعاقد). لكن “الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة للفترة 2012 الى 2030” تشير الى ذروة انتاج نفطي ممكنة تبلغ 9 ملايين برميل في اليوم. وتبعاً لذلك فان بعض العقود التي اُبرمت جرى اعادة التفاوض بشأنها، ما افضى الى خفض ذروة الانتاج التي جرى التعاقد عليها، وتمديد الجدول الزمني الى 2020 وإطالة أمد العقود بخمس سنوات اضافية. كما جرى مراجعة بعض المتغيرات المالية، خصوصاً حصة “الدولة الشريك”. لكن هذه قضية أخرى!!
وأخذا بالاعتبار الاختناقات اللوجستية وذات الصلة بالبنية التحتية فان امكان تحقيق 9 ملايين برميل في اليوم او حتى 7 ملايين برميل في اليوم بحلول 2020 ليس وارداً. لكن حتى اذا افترضنا انه سيتم الوصول الى القدرات الانتاجية في 2020 فان الاحتياطي المثبت الرسمي الذي يبلغ 150 مليار برميل يشير الى ان نسبة الاحتياطي/الانتاج سيكون 46 سنة اذا كانت ذروة الانتاج 9 ملايين برميل في اليوم، ويزداد الى 59 سنة عند ذروة انتاج تبلغ 7 ملايين برميل في اليوم، والى 82 سنة عند ذروة انتاج تبلغ 5 ملايين برميل في اليوم ابتداءً من 2020. لكن وفقاً لمعدل الانتاج في كانون الثاني 2015 تبلغ نسبة الاحتياطي/الانتاج 137 سنة.
بالاضافة الى ذلك، يمكن لعقود الخدمة الطويلة الأمد ان تزيد حجم الاحتياطات المثبتة لحقول النفط المشمولة بالتعاقد بفضل التكنولوجيا الجديدة والدراسات التي يجب القيام بها وفقاً للالتزامات التي تتضمنها العقود. اخيراً، يمكن لعقود الخدمة الطويلة الأمد للرقع النفطية الاستكشافية ان تضيف المزيد من الاحتياطات المثبتة كما تكشف الرقعة النفطية رقم 9.
فلماذا الاستعجال اذاً؟
ثانياً: لنعالج المشكلة قبل إبرام عقود اخرى وتبني نماذج عقود جديدة
ان التجربة تبيّن ان إبرام العقود أسهل من تنفيذها بصورة صحيحة.
كل المعلومات المتوفرة تشير الى أن وزارة النفط تملك قدرات بشرية ومؤسسية مهمة جداً تمكّنها من ان تدير بحكمة العقود التي اُبرمت. ان المطلوب هو تعزيز قدرات التخطيط والتنفيذ والمتابعة والمراقبة لضمان التنفيذ السليم للعقود الحالية.
لذا فان الجهود والطاقات يجب ان تُركّز بشكل مباشر وكلياً على العقود قبل إثقال كاهل وزارة النفط بعقود جديدة ومن دون حاجة الى ذلك.
ثالثاً: برنامج التنقيب في خطة وزارة النفط للفترة 2011 – 2014
من المفترض ان وزارة النفط اطلقت عمليات تنقيب ضخمة في ارجاء البلاد باستخدام جهود وقدرة وطنية لحفر 12 (10) آبار استكشافية (في مناطق خرى). وتضمنت خطة الوزارة تخصيصات استثمارية على امتداد سنوات “برنامج التنقيب”.
فهل جرى تنفيذ “برنامج التنقيب”؟ ما هي نتائجه؟ وماذا كانت التحديات التي واجهها البرنامج؟ …الخ.
وقبل اقتراح نماذج عقود (قديمة او جديدة) ينبغي للوزارة ان تكون شفافة بشأن “برنامجها للتنقيب” كي يتمكن الجمهور والخبراء المعنيين واعضاء البرلمان من معرفة ما تم القيام به في جهود التنقيب في البلاد.
رابعاً: توقيت خاطىء للتعاقد
ان الخبرة العالمية تبيّن ان التعاقد للصناعة الاستخراجية، خصوصاً بالنسبة الى النفط، يميل الى ان يكون لصالح شركات النفط العالمية عندما تكون اسعار المورد (النفط والغاز) منخفضة. لكن لأن مثل هذا النموذج التعاقدي ذو أفق بعيد المدى فان الحكومة المضيفة ينبغي ان لا تخشى وتتأثر بالظروف على المدى القصير التي تكون سائدة عند التفاوض.
ومن المفترض ان يكون صناع القرار في الحكومة العراقية ووزارة النفط مدركين لمثل هذه الحقيقة وينبغي ان لا يتعجلوا في تبني سياسات مؤذية وقبول شروط تعاقدية غير مؤاتية.
لقد نُقل عن وزير النفط قوله ان “التنقيب ينطوي على مخاطرة ويتطلب استثمارات كبيرة لا يمكن للدولة ان تأخذها على عاتقها في الوقت الحاضر”.
وهو، عموماً، على صواب عندما يقول ان ان “التنقيب ينطوي على مخاطرة ويتطلب استثمارات كبيرة”، لكن هذا ينبغي ان لا ينطبق تلقائياً على العراق. فكل المعلومات تشير الى ان نسبة النجاح (في اكتشاف النفط) في العراق عالية (اكثر من 70%)، وبالتالي فان “مخاطرة المشروع” منخفضة نوعاً ما.
(من الأمثلة على ذلك الرقعة الاستكشافية رقم 9 لدى شركة “كويت إنرجي” الكويتية (70% وتتولى التشغيل) وشركة “دراغون اويل” الاماراتية (30%): جرى توقيع العقد في كانون الثاني 2013، وانجز تقويم التأثير على البيئة والدراسات الاولية البيئية، وبدأت إزالة الالغام في حزيران 2014، وبدأ حفر بئر التنقيب في تموز 2014 وتم الاعلان عن اكتشاف كبير في “تركيب مشرف واليمامة”.)
فاين في العالم يتحقق اكتشاف كبير للنفط في غضون سنة او ما يقرب من ذلك؟ واين هي “المخاطرة” التي تبرر اللجوء الى نموذج تعاقدي آخر؟
وفي ما يتعلق بقول وزير النفط انه “لا يمكن للدولة ان تأخذ على عاتقها (الاستثمارات) في الوقت الحاضر”، فان الجواب هو لماذا يحتاج العراق الى أي التزام قانوني في الوقت الحاضر بشأن “التنقيب” أخذا بالاعتبار نسب الاحتياطي/الانتاج المشار اليها أعلاه.
بالاضافة الى ذلك، هل تسمح الأوضاع الأمنية في العراق بمثل هذا الالتزام في الوقت الذي نعلم ان معظم مناطق الاستكشاف (التي عرضت في جولة التراخيص الرابعة) لا يمكن الوصول اليها حالياً للقيام بأية أنشطة استكشافية. فلماذا اذاً يقترح المرء اجراء تغيير كبير في نموذج التعاقد القانوني في وقت لا تتوفر فيه اطلاقاً امكانية الوصول الى المناطق المعنية؟؟
لذا فان التوقيت خاطىء، والمناطق المعنية لا يمكن الوصول اليها، والنموذج المقترح يستند على أساس خاطىء وهو غير مبرر ولا ينطوي على شروط مؤاتية.
خامساً: عقود المشاركة في الانتاج
ان عقود المشاركة في الانتاج هي أحد النماذج المستخدمة على نطاق واسع في صناعة التنقيب والاستخراج النفطية. ولها ايجابيات ومحدوديات، لكن المهم هو الشروط “الفعلية” لعقد المشاركة في الانتاج وليس مزايا او عيوب هذا العقد بصورة تجريدية.
لقد نُشر ما يكفي من المساهمات التي تقارن بين عقود الخدمة البعيدة الأمد التي ابرمتها وزارة النفط العراقية وعقود المشاركة في الانتاج التي ابرمتها حكومة اقليم كردستان. ومعظم هذه الدراسات (باستثناء اثنتين تم اعدادهما بطلب من حكومة الاقليم!) تفضّل عقود الخدمة البعيدة الأمد التي ابرمتها وزارة النفط باعتبار انها تستجيب بشكل افضل للمبدأ الأساسي في الدستور الذي ينص على تحقيق “أعلى منفعة للشعب العراقي”.
اتفق مع وزير النفط بأن هناك حظر قانوني على تبني عقود المشاركة في الانتاج. ولكنني أخالفه الرأي واؤكد ان الحظر القانوني يجب ان يبقى لسببين:
1- ليس من الممكن تغييره لأنه مرتبط ومثبت بمبدأ دستوري ينص على الملكية الجماعية للنفط من قبل كل الشعب العراقي.
2- ليست هناك اطلاقاً أي حاجة او مبررات لمثل هذا التغيير، كما جرى الاشارة أعلاه.
ومن الناحية الاقتصادية والقانونية، اذا اطلع المرء على مبادىء وممارسات “الإقراض المستند على الاحتياطي” الذي يرتبط عادةً بعقود المشاركة في الانتاج في كل المصارف ومؤسسات الإقراض فانه بالتأكيد سيتعرف اكثر على “سلبيات عقود المشاركة في الانتاج” لبلد مثل العراق.
لذا فان فكرة النظر في تبني عقود المشاركة في الانتاج “في هذا الوقت بالذات” خاطئة ولا حاجة لها وقد تكون مؤذية.
سادساً: دعوة مؤذية
اذا كانت هناك أي حاجة لمشروع جديد فانه يجب التركيز على “المشروع المتكامل”، الذي يربط تطوير الحقل النفطي بمصفى حديث. وحتى الآن أيدت وزارة النفط “مشروع الناصرية المتكامل” وبذلت فيه جهود جيدة. لكن، للأسف، تعرقلت عملية تقديم العروض لهذا المشروع المهم اكثر من مرة بسبب غياب التنسيق داخل الوزارة ذاتها. وتم إحباط آخر جهد منظم بشأن هذا المشروع بسبب فضيحة صفقة مصفى ميسان مع شركة “ساتاريم”.
ان الدعوة الى تبني عقود المشاركة في الانتاج الآن ستلحق الأذى بأي آفاق لمشروع الناصرية المتكامل، او أي مشروع آخر متكامل. هكذا، مرة اخرى، تلحق وزارة النفط الأذى بنفسها!
سابعاً: قانون النفط والغاز الاتحادي
لقد كُتب الكثير حول قانون النفط والغاز الاتحادي ومسوداته الأربع. وقد اصبحت معظم بنود أي مسودة بالية بسبب تقادم الزمن، اذ تجاوزتها الاحداث والاجراءات التي اتخذتها وزارة النفط الاتحادية وحكومة الاقليم، والتناقضات في القانون ذاته. كما انه، اكثر من أي شىء آخر، يعطي خبراء ومستشارين “اجانب” سلطات سيادية تفوق ما لدى رئيس الوزراء.
وما عدا شرعنة المشاركة في الانتاج المحظورة بموجب القانون، فانه لا توجد أي أسباب ملحة تستدعي النظر في أي من المسودات الأربع لقانون النفط والغاز الاتحادي او في مسودة جديدة.
واذا اقتضى الأمر فانه ينبغي السعي للوصول الى رؤية متأنية ومدروسة بعناية وعملية لقانون النفط والغاز الاتحادي، وبطريقة مهنية وشفافية بدلاً من معالجات متعجلة بدوافع سياسية.
ملاحظات ختامية
– بدلاً من إثقال كاهل وزارة النفط بنموذج تعاقد جديد، ينبغي للوزارة ان تركز جهودها على العقود المبرمة لضمان الالتزام بشروطها وحماية مصلحة العراق.
– ان تعزيز القدرات البشرية والمؤسسية والنظمية لوزارة النفط يجب ان تكون في مقدمة الأولويات، وينبغي الاستفادة من التسهيلات المالية التي تتضمنها عقود الخدمة البعيدة الأمد المبرمة (الأموال المخصصة للتدريب) لهذا الغرض.
– لا توجد أي حاجة لعقود تطوير جديدة، ما عدا مشروع الناصرية المتكامل او ما يشابهه.
– التوقف عن إبرام عقود الاستكشاف مع شركات النفط العالمية حتى تصل عقود الخدمة البعيدة الأمد الحالية الى ذروتها الانتاجية الجديدة في 2020.
– ينبغي لدعاة عقود المشاركة في الانتاج ان يثقّفوا أنفسهم أولاً بشأن “سلبيات” هذه العقود بالنسبة الى العراق.
– يحتاج قانون النفط والغاز الاتحادي الى دراسة جدية جديدة بدلاً من حلول سريعة.